كان مُعبّراً أن اليابان، بلد هيروشيما وناغازاكي، أول من هدد الهند بوقف المعونات التي تتعدى البليون دولار في السنة. فإذا أضفنا الانزعاج الأميركي البادي، والأوروبي المرشح للظهور في اية لحظة، تراءى حجم الاخلال الذي أنزلته الهند بالمعادلات الاقليمية والدولية. والحال ان حكومة بهاراتيا جاناتا الهندوسية المتعصبة، كان مُقدَراً لها ان تخل بالمعادلات منذ وصولها الى السلطة. فهي، في تعصبها وايديولوجيتها، قليلة الاكتراث بمنافع الهند أصلاً، وفي رأسها الاستثمارات الأجنبية التي تنظر اليها بعين الريبة. أما المصالح المرتبطة بطبقة وسطى نامية أفادت من اجراءات التحرير الاقتصادي التي نفّذها راجيف غاندي، فآخر ما يعنيها. فالحال ان ما يعني الحكم الهندي هو "جماهير الأكثرية الهندوسية"، تماماً كما أن ما يعني الحكم الباكستاني الجار هو "جماهير الأكثرية المسلمة". والجماهير، هنا وهناك، لا تتحرك على نبض المنافع والمصالح، ولا يستوقفها كثيراً أن الانفاق على السلاح النووي يقتات من قدرتها على تطبيب مرضاها وتعليم أبنائها. ما يعنيها حصراً هو القوة والكرامة والهوية، وبعد ذاك ليكن الطوفان. لهذا نجدنا امام اجماع هندي على تأييد ما حصل، لا يخرج عنه الا شجعان يتحملون اتهامهم بالخيانة ومبارحة الاجماعات القومية والشعبية - الشعبوية. ونجدنا أيضاً أمام اجماع باكستاني مقابل يندرج فيه نواز شريف وأصوليوه وعسكريوه، جنباً الى جنب المعارضة بنازير بوتو، مؤداه ان على كراتشي أن تفعل ما فعلته نيو دلهي! مع هذا فاللعبة المميتة لا تخلو من تعقيد. فالهند تريد ان يكون لديها سلاح نووي لأن الصين الشعبية تملك سلاحاً نووياً، وبين الهندوالصين حروب حدودية ومخاوف متبادلة. وباكستان ينبغي ان تشهر سلاحها النووي لأن الهند فعلت هذا عبر التجارب الاخيرة. وبين الهندوباكستان ما هو معروف من عداوات تبدأ بنشأة باكستان نفسها انشقاقاً عن الهند، ولا تنتهي ببقاء مشكلة كشمير ماثلة. لكن الصين نفسها لجأت الى تطوير سلاحها النووي للبرهنة على أنها قوة عظمى، وأن ما يحق للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي يومها، يحق لها أيضاً. واستخدام هذه الحجج بالاحالة الى ما يفعله الآخرون، فيه بُعد صبياني مؤكد، لكن من الذي قال ان السياسات المتنارعة تخلو من الصبيانية. وما السجال العربي - الاسرائيلي في هذا المجال غير دليل آخر على اجتماع الصبيانية وما يسمى بالسياسات الواقعية. فلأن العرب يملكون "قنبلة" العدد البشري غدا على اسرائيل ان تعادلهم بالسلاح النووي، ولأن اسرائيل امتلكت السلاح المذكور صار على العرب ان يمتلكوه، فإن لم يحصلوا على السلاح عينه فلا بأس باحراز الكيماوي. وهذه الحجج جميعاً، على لاعقلانيتها، لا يمكن قطع الطريق عليها الا بالعمل على التخلص الكامل من الأسلحة الذرية والنووية والكيماوية على اختلافها. وربما كان مطلوباً من الديموقراطيات الأعقل والأنضج أن تبادر بنفسها الى تفكيك هذه الاسلحة. فعند ذاك يمكن لضغوطها على بلدان "جماهير الأكثريات الشعبية" أن تكون أفعل وأقل عرضةً للاشتباه بالأغراض المنسوبة عادةً الى الدول الكبرى.