خطيرٌ ما يحدث في الهند، على رغم ان الخطر يمضي غيرَ مُنتَبَه اليه كثيراً. صحيحٌ أنها بنت طبقة وسطى تُعدّ بعشرات الملايين. وصحيح انها حافظت على ديموقراطيتها على رغم التوتر الداخلي والحروب مع الجوار واغتيال كبار السياسيين، بمن فيهم مؤسس الهند الحديثة، بل ايضاً على رغم الفقر. الا ان وصول بهاراتيا جاناتا الى قمة السلطة، في زمن انفجار "الهويات"، وتشكيله حكومة يتمثل فيها ب25 وزيراً من أصل 43، مسألة مقلقة. والقلق مصادره كثيرة. فهناك التعصب الهندوسي الموصوف. وبما ان المسلمين 120 مليوناً لا يرون في الهند أرضاً مقدسة لهم، فهم لا يستحقون ان تكون الهند وطنهم! والشيء نفسه يصح في المسيحيين واليهود، علماً بأن فوارق العدد، وأحقاد التاريخ القريب، تعطي الصدارة للنزاع الهندوسي - المسلم. ثم ان الحكومة الجديدة تركت الخيار النووي للهند "مفتوحاً"، وهذا في منطقة لا تعوزها اسلحة الفتك والدمار الشاملين، كما لا تنقصها أطماع المؤسسات العسكرية القادرة على تحويل الديموقراطيات القائمة الى قشرة رقيقة للمغامرات. يضاف الى ذلك العداء القومي والديني للاستثمارات الآجنبية، أي للنهج التحديثي الذي رعاه راجيف غاندي وتسبب في توسيع نوعي للطبقة الوسطى، ومن ثم ظهور رهانات على ان الهند ستكون "نمر القرن الواحد والعشرين". وفي خلفية الوضع الهندي دائماً ذاك التراجع الهائل في مواقع "حزب المؤتمر" على رغم نجاح سونيا غاندي في الحد نسبياً منه. والخطير في التراجع هذا انه يعبّر عن اضعاف الاداة التي تشكّلت من حولها الوحدة الوطنية الهندية، تماماً كحالة "حزب الوفد" في مصر و"المؤتمر" في جنوب افريقيا. فكيف حين نتذكر ان قاتل المهاتما غاندي، في 1947، والعواطف الهندوسية المتعاطفة مع هتلر، انما صدرت عن البيئة الايديولوجية نفسها التي صدر عنها، في وقت لاحق، حزب بهاراتيا جاناتا؟ ومن يراجع افكار المثقف الهندوسي سافاكار، وهو الأب الروحي للأصوليين الهندوس، لا يملك الا ان يخاف على بلد البليون. فالهندي عنده هو الهندوسي حصراً وحكماً، والأمة الهندية أرض ودين وسلالة في آن. اما الدولة التي نشأت قبل نصف قرن فملوّثة باختلاط ينبغي تطهير "أمّنا الهند" منه، وهذا يفضي تالياً الى التخلص من البشر المختلفين، كما من التعابير الثقافية والقانونية الدالة الى التعايش معهم. فلا مكان في الهند الهندوسية الأصيلة لأدب ورسم وموسيقى يشير الى التشارُك مع المسلمين، ولا مكان أيضاً لدستور كدستور 1950 الذي عيّن الهند جمهورية ديموقراطية علمانية ذات بنية اتحادية. والحال ان التوتر يمكن ان يتغذى من وقائع ومعطيات أخرى، يكفي ان نذكر منها ان معدل دخل الفرد السنوي لا يزال 340 دولاراً، فيما الأمية تطول 50 في المئة من السكان، والانفاق على صحة الفرد لا يتعدى 21 دولاراً سنوياً، وهناك 25 امرأة لا تزال تُقتل يومياً بسبب الخلافات على المهور. مع هذا فإن اللوحة الكالحة السواد ل "الأصالة"، يقابلها العنصر الوحيد الباقي الذي يبعث على الاطمئنان: الديموقراطية والسياسة. فبهاراتيا جاناتا اضطرتها اللعبة البرلمانية لأن تتحالف مع عدد لا حصر له من الاحزاب كيما تحظى بالأكثرية، وهذا يعني رقابة مُلزمة على سلوكها المتهوّر. ولسوف يعرّضها أداؤها في الحكم الى المحاسبة، لا على صراخها العقائدي عن "الهوية"، بل على انجازاتها في الاقتصاد والتعليم والطبابة وما الى ذلك. ولهذه الاسباب تحديداً، بدأنا نرى اتال بيهاري فاجبايي، كرئيس الحكومة، يعتدل قليلاً بالقياس الى بيهاري فاجبايي كقائد للحزب المتعصب. فهو تخلى، مثلا، عن التعهد القديم للحزب بالباس موظفي الدولة زيا رسميا مستقى من الملابس الهندوسية التقليدية، وقد يتراجع عن بناء المعبد في موقع المسجد. ونتائج الصراع بين الديموقراطية الغربية والهوية الأصلية التي تنفخ "الجماهير" في نارها، هي ما يقرر مصير الهند.