انتهت امس المحاكمة الاطول في تاريخ فرنسا والتي جرت امام محكمة لاجيروند جنوب غرب البلاد وأدت الى ادانة موريس بابون 87 عاماً بتهمة التواطؤ في جرائم بحق الانسانية، وأصدرت بحقه حكماً بالسجن لمدة عشر سنوات، وجاء ذلك بعد 94 جلسة امتدت على 6 أشهر. وجاء الحكم عقب مداولات استغرقت 13 ساعة و45 دقيقة بين اعضاء هيئة المحلفين التي حمّلت بابون المسؤولية عن احتجاز 90 شخصاً عندما كان يشغل منصب رئيس لدائرة الشرطة في لاجيروند في عهد حكومة فيشي الموالية للنازية. واستبعدت هيئة المحلفين التهمة الاخطر الموجهة الى بابون والتي تحمّله مسؤولية مقتل اعداد من اليهود الذين اعتقلوا بموجب مذكرات تحمل توقيعه ورحلوا الى معسكرات الموت النازية. وبالرغم من العقوبة التي صدرت بحقه، بقي بابون طليقاً وانتقل من لاجيروند الى باريس، بعدما قرّر رئيس فريق المحامين الذين تولوا الدفاع عنه جان - مارك فارو، استئناف الحكم. واظهرت وقائع محاكمة بابون التي استمرت ابتداء من 8 تشرين الاول اكتوبر الماضي وجهات نظر متفاوتة حول كيفية التعامل مع المتهم ومن خلاله مع الحقبة السوداء في تاريخ فرنسا المتمثلة بحكومة الماريشال فيشي والمتعاونين معها. والاجماع الفرنسي القائم حول ضرورة مواجهة هذه الصفحة من الماضي التي انقضى عليها حوالى 50 عاماً، لا يعني ان هناك اجماعاً مماثلاً على ما ينبغي استنتاجه من خلالها. وذوو الضحايا الذين قضوا في معسكرات الاعتقال النازية، حاولوا بمساعدة محامي حق الدفاع العام، تحميل بابون المسؤولية عن كل ما تعرّضوا له من آلام ومآسٍ. فشاركوا بكثافة في الجلسات، واحضروا معهم صور ذويهم الذين قتلوا بعد ترحيلهم وعرضوها في قاعة المحكمة، وقرأوا رسائل تلقوها منهم تروي تفاصيل حياتهم في المعسكرات. وتلوا اسماء القتلى وبكوا وأبكوا الحضور. ولكن في مواجهة هؤلاء هناك من يعتبر على غرار المحامين الذين دافعوا عن بابون ان المأساة التي تعرض لها اليهود خلال الحرب العالمية الثانية تفوق بكثير حجم بابون ودوره فيها. وبالنسبة لهم، لم يكن بابون اكثر من مجرّد موظف نفذ بانضباط ما يطلب منه دون ان يكون له دور فاعل في حملة الابادة التي استهدفت اليهود. واستناداً الى هذا الموقف دعا محامو بابون الى تبرئته لأنه لم يكن في موقع المقرر وإنما المنفّذ لأوامر خارجة عن ارادته. ووسط هذين الموقفين برز خلال المحاكمة موقف ثالث مفاده ان محاكمة بابون ضرورية لأنه مسؤول عما قام به طوعاً خصوصاً وان الخيار كان متاحاً امامه للتخلي عن الخدمة في جهاز الشرطة التابع لحكومة فيشي، مثلما فعل العديد من الموظفين في حينه. ويحذّر اصحاب هذا الموقف، من أي خلط بين محاكمة بابون ومحاكمة الحقبة المتمثلة بحكومة فيشي.