سيحاول دنيس روس هذه المرة ان يخرج بشيء ملموس من بنيامين نتانياهو. قد ينجح وقد لا ينجح، لكن الواضح ان الإدارة الاميركية تسعى رغم الصعوبات التي تواجهها في التعاطي مع الحكومة الليكودية الى تحريك المسار الفلسطيني - الاسرائيلي من منطلق ان لا مجال لتحريك المسارين الآخرين مع سورية ولبنان يوماً من دون اتمام هذا الشرط. اضافة الى ان لا مستقبل لعملية السلام التي هي مصلحة اميركية من دون احياء المسار الفلسطيني. الواضح ان الزيارة التي قام بها شمعون بيريز للرئيس ياسر عرفات في غزة تشكل مساهمة متواضعة في دعم الموقف الاميركي الهادف الى إظهار ان سياسة نتانياهو ليست طبيعية وان هناك موقفاً آخر في اسرائيل يدعم عملية السلام ويرى ان لا مفر من الوصول الى صيغة الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية على أرض واحدة... هي أرض فلسطين. من المهم ان ينجح دنيس روس، خصوصاً انه يؤمن مع الفريق الاميركي المكلف عملية السلام بتحريك المسار الفلسطيني - الاسرائيلي انطلاقاً من التعهدات المتبادلة بموجب اتفاق اوسلو الذي يشكل الانطلاقة الحقيقية لعملية السلام بعدما وضع مؤتمر مدريد اسسها. ولكن ما هو أهم من نجاح الجهود الاميركية ان اسرائيل تظهر في الوقت الذي تحتفل فيه بالذكرى ال 50 لإعلان الدولة اليهودية انها منقسمة على نفسها أكثر من أي وقت، وانه بدل ان تكون استفادت من تجارب نصف قرن ومن حروبه لإيجاد صيغة للتعايش مع محطيها، اذا بها تبدو دولة توسعية مفروضة على محيطها لا أكثر. يكفي للتأكد من ذلك الاشمئزاز الذي شعر به الملك حسين بعد لقائه الأخير مع نتانياهو في ايلات عندما أخرج له رئيس الحكومة الاسرائيلية خرائط ليبرر الأسباب التي تدعوه الى عدم قبول المبادرة الاميركية، رغم ان هذه المبادرة أقل بكثير من الطموحات الفلسطينية. وكأن أمن اسرائيل أو مستقبلها مرتبط بقدرتها على ابتلاع مزيد من الأراضي العربية بدل ان تكون جزءاً من المنطقة وعنصراً فاعلاً في دعم استقرارها. كذلك يكفي ما يردده الرئيس حسني مبارك الذي سيستقبل نتانياهو اليوم عن عدم احترام الرجل كلمته وكأن أهمية رئيس الوزراء الاسرائيلي تقوم على قدرته على ممارسة لعبة التحايل على الواقع المتمثل في ان حكومة اسرائيل اعترفت بشعب اسمه الشعب الفلسطيني وان لا مفر من الإقرار بحقوق هذا الشعب كاملة... فهل يعتبر "بيبي" ان مجرد الاعتراف بالحقوق الفلسطينية هو اعتراف بعقدة الذنب وبأصحاب الأرض الذين شردوا... وان عليه بالتالي ان يعيد لهم بعض حقوقهم؟ ليس في المنطقة من يريد القضاء على دولة اسرائيل باستثناء بعض العقول المريضة مثل ذلك الحزب الذي يطالب بتهجير الفلسطينيين من الضفة والذي سيدخل حكومة بنيامين نتانياهو... عملياً، يفترض في دنيس روس الذي اصطحب معه هذه المرة مارتن انديك مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ان يعي ان المسألة لم تعد مرتبطة بأي منطق من أي نوع كان وان المطلوب معالجة عقل مريض يرى ان وجوده مرتبط بإلغاء الآخر. هل ان ذلك ممكن أواخر القرن العشرين