"إن العقولَ كلما ارتفعت، شعرت بالوحدة" - حسن كامل الصبّاح - - 1 - فَتَحْتَ بابَ البحرِ أم فتحتَ قبّة السماءْ؟ وكنتَ قابضاً على تميمةِ الزَمَنْ أشعلتَ كهرباءَ الله في غياهِبِ المُدُنْ وعدتَ حاملاً لواءكَ الجميلَ نحو البرّ - 2 - يا مُرْجِفَ الأسلاكِ في عرائها وباعثاً كالنصلِ ضوءكَ الخفيَّ في كثافةِ الوجودْ كأن موسيقى النجومِ أرسلت بريدها إليكَ واستراحَ في يديكَ سرُّها المفقودْ. - 3 - تقولُ سروةٌ على الطريقِ أجْهَشَتْ بحفنةِ الدموعِ فوقَ وجهِكَ الجميلْ: هل أنتَ نائمٌ هناكَ أم هنا؟ أميّتٌ؟ أم انّ شيئاً ما كأنه السُباتُ يعتريكْ؟ - 4 - تابوتُكَ الذي كقاربٍ على المياهِ لا يزال عائماً رأيتُهُ يموجُ في دمِ الهلاكْ البحرُ لا يردُّ صرخَةَ الغريبِ والسماءُ لا تجيب دعوة المَلاكْ أنت الذي رأيتَ البحر يعلو كان هذا البحرُ لا يراكْ. - 5 - ترُفُّ هذه الطيور في ضريحكَ الصغير، حرّةً وقلبُكَ الذي يدقُّ مثل ساعةٍ على التراب، لا يزالُ خائفاً كأنما فراشةُ الثلوجِ تحتَ حاجبيكَ هامَتْ ثم لم تَعُدْ غصونها تشيبُ تنحني تكاد تلمس العروقَ في يديكْ يبهرها الضوء الذي يطلع من عينيك فترتمي كعشبةٍ على جدار الماءْ هناكَ طائرٌ على الجبالِ يقتفي خُطاكْ والبركُ الزرقاء كالعيونِ - 6 - أبصرتْكَ عابراً وساحراً... وصاعداً الى السماءِ ظِلُّكَ العظيمُ فارشٌ جناحَهُ تلوذُ تحتَهُ الأنهارُ والطيورُ والثعالب الجميلهْ وتقبع البيوتُ في معاطف الدخانْ - 7 - هي الحياةُ غابةٌ يملأها تنهُّدُ الكمانْ - 8 - كأنكَ السَهْمُ الذي لا يخطئ التسديدَ واصلاً ما بينَ عروةِ المكانِ والزمانْ وبين غاربِ الأيامِ والجَسَدْ. - 9 - يا وَحْدَةَ العقولِ كلما أضاء زيتُها، توحَّشَتْ كأنها البحارُ أظلمت على امتدادِ مائها العظيمْ كأنّ عقلكَ المَهيبَ قلعةٌ مغلقة الأبوابْ كأنّما الجميلُ لا يقيمُ الا في جمالِهِ اليتيمْ. - 10 - لا، ليس ما تلبسه القناعَ إنّه حليبُ فجرنا القديمْ فعينُكَ السوداءُ حلّقَتْ طيورها كرحلة النبيّ في حدائقِ النجومْ وأرسلت الى الصحراءِ طائراً يقول إنني أتيتُ فانهضوا من وهْدَةِ الرمالِ نحو الشمس وارفعوا بيارقَ الضياءِ في ظلامكم أنا الذي أتيْتُ كي أزفَّ للرمالِ عُرْسَها وأبعث الحياة في عفونةِ الحَجَرْ وأنحني كدمعةِ المطر على يباسِ هذا العطشِ المجهولْ. - 11 - الشرقُ في عمائِهِ يموجُ والخرافة التي تشبُّ نارُها البلهاءُ لا تزالُ كالغراب في صدورهم كأنَّ طائر العقول قد مضى الى الأبَدْ كأن أمّةً تنامُ روحها البكماءُ في العَدَمْ. - 12 - أسلاكُ هذا العالمِ القديمِ أظلمت وأنت من دفعت فيه دفقة الضياءْ بمركبات الشمسِ وهي في الظلامِ تستردُّ طفلها المخطوفْ أنا الذي سمعتها ترنُّ في غياهِبِ الضبابْ وأبصَرَتْ عيناي وجهك الذي ينام في أصابِعِ السماءِ والشَجَرْ وأبصرَتْ عيناكَ ما أرى وكان يحتويكَ الضوءُ والظلامُ والسحابُ والجنوبُ والقَمَرْ.