يعتقد رئيس الوزراء البريطاني انه، اذا بالغ في مسايرة بنيامين نتانياهو، سيساهم فعلاً في اطلاق عملية السلام من جمودها الراهن. هذا يعني ان توني بلير لا يعرف زعيم ليكود، بل لا يريد ان يعرفه ولا يرغب في معرفته، وانما يتعامل معه كأي مناضل غربي مؤيد لاسرائيل في مطلق الاحوال ومهما كانت سياساتها سيئة وعدوانية. واذ أعلن بلير انه "فخور" بصداقته لاسرائيل فانه لم يعلن جديداً، بل الجديد ان يكون لدى اي سياسي يحترم نفسه ما يكفي من الكياسة والوعي ليقول انه صديق لاسرائيل في عهد نتانياهو. انه بذلك لا يكتفي بتحدي العرب الذين يبدو انه لا يطمح الى صداقتهم، وانما يستفز ايضاً كل من لديه حد ادنى من الحس السياسي السليم في الغرب. سيقال ان بلير يقوم بهذا الدور من اجل التوصل الى احياء عملية السلام. اذا افترضنا حسن النية، فهل نفترض ان الديبلوماسية البريطانية بكل خبرتها لم تتوصل بعد الى ادراك ان حكومة اسرائيل تعمل وفق برنامج واضح هدفه نسف عملية السلام، وانها حققت حتى الآن معظم برنامجها هذا؟ قد يقال ايضاً ان بلير قصد اسرائيل لاقناعها بقبول الافكار الاميركية، ولكن أليست هذه مهمة بائسة لرجل دولة في مكانته؟ ولعله ما كان ليفعل لو لم يكن متأكداً ان الافكار الاميركية مصاغة لمصلحة اسرائيل، وهذا يندرج في اخلاصه للصداقة التي يفتخر بها. إذا فهمنا جيداً فإن اقتراح بلير استضافة مفاوضات فلسطينية - اسرائيلية ليس مبادرة بريطانية، انه مجرد تسجيل لمواعيد اقترحتها واشنطن على الطرفين لمشاورات تجرى في مكان ما في اوروبا. فليكن لندن اذاً، وهذا يمكّن رئيس الوزراء البريطاني من الايحاء بأن زيارته اثمرت. بل يمكنه ايضاً من الايهام بأن رئاسته للاتحاد الاوروبي لم تمر بلا انجازات. حقيقة الأمر ان بريطانيا لا تشعر بأي مسؤولية خاصة في سلام الشرق الاوسط، وليس لديها اي دافع لاستخدام ديبلوماسيتها القادرة والفاعلة - اذا توفرت الارادة - للتأثير في سياسات الادارة الاميركية وحكومة اسرائيل. سمع توني بلير من الفلسطينيين، في مناطق الحكم الذاتي كما في الأردن، ما يذكّره بمسؤولية بلاده في تسليم فلسطين لعصابات الهاغانا والارغون. وقيل له ان بلاده ارتكبت خطأ بحجم جريمة، ولا يعفيها من المسؤولية ان تكون الولاياتالمتحدة ورثت عنها وصمة الخطأ وأوزاره فصنعت منها سياسة منحازة ببشاعة. لكن بلير تجاهل كل تلك الاشارات وتعامل معها بصمت مدروس وكأنه لم يتعلم شيئاً من دروس ارلندا، على رغم انه فاخر بدروس تلك التجربة خلال وجوده في اسرائيل. ولو جازت المقارنة بين ارلندا وفلسطين لكان بلير مدعواً للعب دور نتانياهو فكلاهما يحمي مستوطنين في مواجهة مواطنين اصليين، الا ان بلير لم يلعب هذا الدور لذا أمكن التوصل الى اتفاق سلام في ارلندا، وبات المحك الآن في تطبيق هذا الاتفاق واحترامه. نتانياهو لا يحترم الاتفاقات لأنه رجل عصابة وليس رجل دولة. لا داعي للأوهام، فهذه الجولة التي قام بها بلير بعد اسابيع قليلة على زيارة وزير خارجيته، تهدف فقط الى تهنئة اسرائيل بالذكرى الخمسين لانشائها، أما محطاتها الاخرى فبدت استكمالاً لديكور التهاني. مدهش هذا الحرص الذي ابداه بلير في تدليل نتانياهو و"تغنيجه"، حتى المدرسة التي تحمل اسم رابين لم يزرها رئيس الوزراء البريطاني، وحتى انه لم يعترض على وقاحة مضيفه الذي كرر انه لا يرى دوراً لاوروبا الا في مسائل جانبية في عملية السلام. لم ينقص سوى ان ينتهز بلير المناسبة لتهنئة اسرائيل أيضاً بهذا الرجل نتانياهو الذي منحتها اياه السماء ليكون في قيادتا وهي على وشك الدخول فعلاً في تاريخ المنطقة من باب السلام. توني بلير من نمط القادة الجدد، بمقدار ما يثير اداؤهم الداخلي الاعجاب بمقدار ما يثير اداؤهم الخارجي العجب. مثله مثل كلينتون يدين بشيء من نجاحه للوبي اليهودي، فلا غرابة اذا اخضع المبادئ والقوانين الدولية لخدمة اسرائيل، من قبيل رد الجميل.