مع فشل المهمة الاخيرة للمبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط دنيس روس باتت أوضاع عملية السلام في المنطقة مرشحة للانتقال من السيئ الى الأسوأ، شأنها في ذلك شأن الديبلوماسية الاميركية الخاصة بها التي صارت تعتبر نفض يديها من العملية برمتها خياراً جدياً يجنب ادارة بيل كلينتون مضاعفات الضغط على حكومة بنيامين نتانياهو. لم تعد هناك في الفترة الاخيرة وساطة اميركية مجدية بين الفلسطينيين والاسرائيليين وتحول الامر الى مساومة اميركية - اسرائيلية بشأن انسحاب محدود النطاق لقوات الاحتلال الاسرائيلي من الضفة الغربية. اميركا تقترح الانسحاب من 13.1 في المئة ونتانياهو يصر على 9 في المئة بشروط مشددة يطالب الفلسطينيين بتنفيذها. وقد تناسى الطرفان الاميركي والاسرائيلي ان الاتفاقات الموقعة تنص في الواقع على انسحاب من 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية يعقبه انسحاب ثالث واخير بالنسبة نفسها. ان حديث وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت عن تحقيق روس "بعض التقدم" ما هو الا شراء للوقت للتفكير في ما يمكن عمله الآن بعدما وضع نتانياهو عصا التعطيل في عجلة الديبلوماسية الاميركية. اعترفت هي ان "بعض التقدم" ذاك "ليس كافياً لنقول ان انفراجاً قد حدث". وقد فسر الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية جيمس روبن تصريحات اولبرايت بقوله: "عملية السلام ليست في مسارها، والفجوات لم يتم تضييقها". اليوم يعود الرئيس بيل كلينتون من جولته الافريقية ويستمع الى تقرير من روس وأولبرايت عن الأزمة الخطيرة التي تمر فيها عملية السلام. ومن المستبعد، في ضوء سجل تعامل الرئيس الاميركي مع رئيس الوزراء الاسرائيلي حتى الآن، ان يعلن كلينتون ان المسؤولية في الازمة الحالية تقع على كاهل نتانياهو. اذ من غير المرجح ان يجازف كلينتون باثارة غضب المنظمات اليهودية المتنفذة والكونغرس، والارجح ان تواصل ادارته تأقلمها مع تنصل نتانياهو من اتفاقات اوسلو والالتزامات التي تفرضها عليه. ان هذا وضع خطير للغاية يستغل فيه نتانياهو الوقت الذي ينقضي بين موت عملية السلام وبين موعد اصدار شهادة وفاتها رسمياً في مصادرة مزيد من الاراضي الفلسطينية وبناء مستوطنات يهودية جديدة عليها. والخطأ الاميركي الذي لا يقل عن جريمة كبرى ضد الحقوق العربية يكمن في اعلان واشنطن ما يعرفه اي طفل عربي، وهو ان عملية السلام في مأزق خطير من دون ان تحدد الطرف المسؤول عن المأزق تمهيداً للضغط عليه لاعادة العملية السلمية الى سكّتها الصحيحة. لقد ضيعت ادارة كلينتون التي ورثت عملية السلام عن ادارة جورج بوش فرصة ثمينة لتحقيق الاستقرار في الشرق الاوسط وتأمين مصالحها القومية في المنطقة، وهي الآن - بخضوعها المذل لارادة ليكود - تبدد القليل الباقي من أي نية حسنة تجاه الولاياتالمتحدة في المنطقة العربية وتفتح الاحتمالات امام تجدد الصراع الدموي في المنطقة الى اجل يصعب التكهن بمداه