وصل التنافس في الاشهر الاخيرة من الانتداب البريطاني في فلسطين عام 1948 بعد قرار التقسيم ذروته بين منظمة الهاغانا من جهة والمنظمتين الارهابيتين الارغون "ايتسل" والشتيرن "ليحي" من جهة اخرى ذلك ان الاولى كانت تمثل التيار "اليساري" العمالي الحاكم بقيادة بن غوريون في المجتمع اليهودي الفلسطيني والاخريين التيار اليمني المسترشد بتعاليم فلاديمير جابوتنسكي البولوني 1880 - 1940 الذي كان ابرز قادته مناحيم بيغين البولوني ايضاً خليفة جابوتنسكي. وكان أهم مجال لهذا التنافس المجال العسكري اي العمليات العسكرية والارهابية ضد الفلسطينيين التي حلّت محل مثيلتها ضد البريطانيين في الفترة السابقة لقرار التقسيم، وكان اخطر مسرح لهذا التنافس مدينة القدس وريفها لما تمثله القدس من أهمية رمزية وتاريخية ودينية وسياسية واستراتيجية. وكان حصاد هذا التنافس المرتجى مكاسب سياسية لدى الرأي العام اليهودي في فلسطين تحدد موقع كل من التيارين على الخريطة السياسية للدولة العبرية المرتقبة الولادة فور انتهاء الانتداب في 15 أيار مايو 1948 بعد ان حصلت على الضوء الاخضر في قرار التقسيم. وكان هامش المزايدة لمصلحة "ايتسل" و"ليحي" في القدس على الهاغانا واسعاً رحباً ذلك ان موقفهما السياسي المعلن دونما لبس او حرج بالنسبة للتقسيم كان الرفض القاطع المطلق له من حيث المبدأ والدعوة الصريحة لمناهضته بقوة السلاح لاستثنائه مناطق من اسرائيل الكبرى في نظرهم "منحت" للدولة العربية بموجب قرار التقسيم وهو القرار الذي استثنى ايضاً مدينة القدس وريفها من كلٍ من الدولة العبرية والدولة العربية كما نصّ على إنشاء وضع خاص منفصل Corpus Separatum لهما اي للقدس وريفها تحت الوصاية الدولية، وبالمقابل كان موقف القيادة الصهيونية المتمثلة بالوكالة اليهودية بقيادة بن غوريون الرسمي المعلن هو القبول بالتقسيم باستثنائاته جميعاً بما في ذلك مدينة القدس وريفها وهو الموقف الذي جعل من الممكن اصلاً استحصال هذه القيادة على قرار التقسيم اذ ان الدول اللاتينية الكاثوليكية لما كانت صوتت في حينه في هيئة الامم تأييداً لمبدأ التقسيم لو كان تضمن ادخال مدينة القدس في الدولة العبرية. بيد انه اذا كان موقف القيادة الصهيونية القبول اللفظي الظاهر باستثناء القدس من الدولة العبرية المرتقبة فان سياستها الفعلية الباطنة المجسدة في خطة الهاغانا الستراتيجية الكبرى خطة دال Plan Dalet السرية كانت ضم القدس وما امكن من غيرها من المناطق العربية داخل الدولة العربية الى الدولة العبرية بقوة السلاح، وبالفعل باشرت قيادة الهاغانا بتنفيذ الخطة دال في الاسبوع الاول من شهر نيسان ابريل عام 1948 عندما قدّرت ان ارتخاء القبضة البريطانية على البلاد وصلت مرحلة تتيح لها الفرصة بالبدء بتنفيذ خطتها الكبرى وهكذا شرعت في افتتاح خطة دال بعملية "نحشون" التي حشدت لها 1500 من مقاتليها وهو ما أشرنا اليه سالفاً. المحادثات بين الهاغانا وبين "ايتسل" و"ليحي" عشية الهجوم على دير ياسين كان الطرف الاقوى بين المنظمات الثلاث في القدس الهاغانا التابعة للقيادة العمالية بزعامة بن غوريون وكان عداد قواتها في المدينة 5335 جندياً وحارساً وذلك في اول تشرين الثاني نوفمبر 1947 قبيل صدور قرار التقسيم. وكان اهم هذه القوات التي نمت وتطورت بعد قرار التقسيم وحدات جيش الميدان ووحدات البالماخ الضاربة. وانقسمت وحدات جيش الميدان الى كتائب ثلاث: كتيبة "مخمش" وكتيبة "موريا"، وكتيبة "بيت حورون" وتمركزت سرايا البالماخ في المستعمرات القريبة من قرية القسطل على طريق تل ابيب - يافا - القدس الرئيسية كما تمركزت وحدة منها في معسكر شنلّر في ضاحية غربية من القدس على بعد كيلومترين الى الشرق من دير ياسين. وفي 14 شباط فبراير 1948 عيّن بن غوريون قائداً جديداً للهاغانا في القدس اي للاحياء اليهودية منها هو ديفيد شلتئيل وزوده بتعليمات فحواها ان عليه انتهاج خطة على مرحلتين في المدينة. المرحلة 1 الى حين خروج البريطانيين في 15 أيار 1948 والمرحلة ب مباشرة بعد الجلاء البريطاني، وفي المرحلة الاولى على الهاغانا التحصّن واعداد المدينة ومداخلها للدفاع، منع هجر الاحياء اليهودية الحدودية، تأمين المواصلات بالمستعمرات المجاورة، منع اخلاء البلدة القديمة من اليهود، السيطرة على طريق القدس - باب الواد المؤدية الى الساحل والسيطرة في كل فرصة عسكرية وسياسية على احياء العرب بهدف تأمين تواصل المناطق اليهودية في المدينة جغرافياً، وفي المرحلة ب بعد الجلاء البريطاني، تلخصت الاوامر بجملة مقتضبة: "تحرير البلدة القديمة والقدس بأكملها". كان شلتئيل الماني الاصل خدم في الفرقة الاجنبية الافرنسية وعمل رئيساً لاستخبارات الهاغانا قبل توليه منصبه بالقدس وكان رئيس "الايتسل" في القدس مردخاي رعنان بينما كان يهوشع زطلر رئيس "ليحي". وعندما بدأت الهاغانا بعملية "نحشون" في 4 نيسان لاحتلال القرى القرى العربية الواقعة على جانبي طريق يافا - القدس في السهل الساحلي واحتدمت معركة القسطل في جبال القدس بعد احتلالها في اليوم نفسه من قبل قوات البالماخ ضمن اطار عملية نحشون ذاتها شعر قائداً "ايتسل" و"ليحي" بالقدس بالحرج تجاه هذا التحرك الواسع النطاق من قبل الهاغانا فقررا ان يقوما بعمل "يضاهي" ما تقوم به الهاغانا. ويقول اسحاق ليفي رئيس استخبارات الهاغانا في القدس في حينه في مذكراته انه نظراً لقلة مواردهما نسبياً ولعجزهما عن القيام بعملية واسعة النطاق على غرار الهاغانا وخشية ان يتم "عزلهما" لدى الرأي العام اليهودي المقدسي وقع اختيارهما على دير ياسين وكان ذاك في 6 نيسان. ويقول مئير بعيل الذي كان يعمل في استخبارات البالماخ "ان قادة "ايتسل" و"ليحي" جاؤوا الى شلتئيل طالبين منه الموافقة على الهجوم على دير ياسين فقال لهم: لماذا دير ياسين؟ هذه قرية هادئة ويوجد اتفاق عدم تعدّي بين غيفعات شاؤول المستعمرة الاقرب الى دير ياسين وبين مختارها والقرية لا تشكل اي خطر امني علينا ومشكلتنا هي المعركة الدائرة في القسطل والذي اقترحه ان تندمجوا في معركة القسطل وساعطيكم مستعمرة بيت فيغان كقاعدة للهجوم على قرية عين كارم التي تتوجه عبرها النجدات العربية الى القسطل. فأجاب قائدا "ايتسل" و"ليحي" بأن الهجوم على عين كارم عملية في غاية التعقيد فقال شلتئيل: اعطيكم عملية اهون منها، خذوا مستعمرة موتا قاعدة لكم للهجوم على قرية قالونيا القرية الاقرب الى القسطل حيث يمكنكم ان تفعلوا ما تشاؤون Conquer, Destroy, Demolish لأن القوات العربية تتمركز فيها اي في قالونيا". ويتابع ليفي انه عندما تبيّن لشلتئيل بأن قادة "ايتسل" و"ليحي" مصممون على مهاجمة دير ياسين ارسل الى كل من المنظمتين في 7 نيسان الرسالة الآتية: "اود ان الفت انتباهكم الى ان احتلال دير ياسين والاحتفاظ بها يمثلان مرحلة في خطتنا العامة، ولا مانع لديّ من ان تنفذوا العملية شرط ان تكونوا قادرين على الاحتفاظ بها واذا لم يكن في وسعكم ذلك فانني احذركم من نسف القرية الذي سيجر في اعقابه ترك سكانها لها واحتلال الانقاض من قبل قوات غريبة وهذا الوضع سيثقل على المعركة العامة بدلاً من ان يخفف وسيكلف احتلال المكان مرة اخرى ضحايا عديدة من رجالنا، وثمة سبب آخر أود ان اطرحه عليكم وهو انه اذا جاءت الى المكان قوات غريبة فسوف تتعرقل خطة انشاء مطار بالقرب من القرية". ويتابع ليفي قوله: "عندما علمت برسالة شلتئيل الى المنظمتين اسرعت اليه وشرحت له خطورة عمله حيث ان سكان دير ياسين امناء على العهد بيننا وبينهم وانه لا يجوز ان نؤذيهم بهذا الشكل البشع واستئذنته بأن انصحهم باخلاء قريتهم دون ان أعلمهم بأن الهجوم عليهم وشيك الحدوث، رفض شلتئيل رجائي قائلاً بأنه لا يستطيع ان يعرّض ارواحاً يهودية للخطر بمثل هذا التحذير حتى ولو كان هناك اتفاق بيننا وبين "دير ياسين" ويختتم ليفي كلامه قائلاً: "لو ان شلتئيل منع المنظمتين من الهجوم على دير ياسين لامتنعا". ويتضح بجلاء مما سبق وخصوصاً من "تحفظات" شلتئيل على العملية ان قيادة الهاغانا اعطت "ايتسل" و"ليحي" ضوءاً أخضر مشعاً للهجوم على دير ياسين وان مصيرها كان مقرراً ومحتوماً إن عاجلاً أم آجلاً على رغم اتفاق عدم التعدّي معها فان لم يكن على ايدي المنظمتين الارهابيتين فعلى ايدي الهاغانا. الاستعدادات للهجوم يقول المؤلف الاسرائيلي بِرلمَتر الذي كتب سيرة مناحيم بيغن قائد "ايتسل" الاعلى انه لكي نفهم ما حصل في دير ياسين يجب ان نفهم ذهنية بيغن ونظرته الى العرب في اطار الظروف السياسية والعسكرية القائمة وهي ذهنية ونظرة استلهمهما من مرشده جابوتنسكي مؤسسة الحركة التنقيحية Revisionist و"التنقيحية ترفض رفضاً قاطعاً اي ادعاء لعرب فلسطين بأية حقوق سياسية او اقليمية Territorial في ارض اسرائيل... وجابوتنسكي حرص على نزع الرومانسية عن الشرق وهو القائل "الشرق هو الغريب عني My stranger ونحن معشر اليهود نحمد الله على انه ليست لنا اية علاقة بالشرق... ولا بد من كنس الروح الاسلامية Islamic Soul من ارض اسرائيل". ويتابع برلمتر كلامه قائلاً ان نظرة "ايتسل" و"ليحي" تتفرع عن الحركة التنقيحية لكنها اكثر "راديكالية" من نظرة جابوتنسكي ويمكن تلخيصها بأن "العرب انما هم قتلة ووحوش الصحراء Beasts of the desert وليسوا شعباً يتمتع بشرعية الشعوب". ويلقي الكاتب اليهودي الاميركي كورزمان ضوءاً اضافياً على ذهنية "ليحي" عام 1948 عندما يخبرنا بأن قادة المنظمة اسرّوا له بأنهم خططوا في ايار من السنة ذاتها لنسف مسجد قبّة الصخرة في الحرم الشريف وان "منطقهم" في ذلك كان ان "المعبد الثاني بُني على انقاض المعبد الاول وان لا بد من ان يقام المعبد الثالث على انقاض المسجد". وبعد اتخاذ القرار للهجوم على دير ياسين اجتمع قادة ال"ايتسل" و"ليحي" "العسكريون" لوضع خطة الهجوم وحضر الاجتماع عشرة منهم بما في ذلك بن زيون كوهين قائد الهجوم القادم ممثلاً لل "ايتسل" الارغون ومساعده يهودا لبيدوت ويهوشع غولدشميت ضابط عمليات "ايتسل" وحضر عن "ليحي" الشتيرن بتحيا زليفنسكي قائد وحدات "ليحي" ومردخاي بن عوزيهو ضابط عملياتها. ودار النقاش في الاجتماع حول تفاصيل الهجوم وتتطرق الى كيفية معاملة الاسرى والشيوخ والنساء والاطفال. ويخبرنا بن زيون كوهين كما ورد في شهادة بخط يده اودعها في مؤسسة جابوتنسكي في تل ابيب انه "كان ثمة اختلاف في الآراء ولكن الاكثرية كانت تحبّذ تصفية جميع الرجال وكل من يقف بجانبهم اكانوا شيوخاً ام نساء ام اطفالاً واتضح من ذلك انه كانت هناك رغبة عارمة للانتقام لما حدث في كفار اتسيون وعطاروت". والاشارة هنا الى معركتين بالقرب من مستعمرتين الاولى جنوبالقدس على طريق الخليل والثانية شمالها على طريق رام الله انتصر فيهما المجاهدون قبل ذلك بقليل على قافلتين للهاغانا. وثمة وثيقة ثانية لكوهين بخط اليد اضيفت الى الشهادة الاولى في مؤسسة جابوتنسكي تكرر حرفياً ما جاء في الشهادة الاولى. ويخبرنا يهودا لبيدوت مساعد كوهين في شهادة له عن الاجتماع "ان الاقتراح خلاله بتصفية سكان دير ياسين انما جاء من "ليحي" وان الفرض من ذلك كان ان نثبت للعرب ماذا يحدث عندما تشترك "ايتسل" و"ليحي" في عملية واحدة وان نُحدِث عاصفة من الاصداء تجتاح البلد بأسره وتصبح نقطة تحول في القتال بيننا وبين العرب وبكلمة كان المقصد تحطيم معنويات العرب ورفع معنويات الجالية اليهودية بالقدس ولو قليلاً وهي التي كانت في الحضيض نتيجة الضربات الموجعة التي كان قد تلقتها مؤخراً". ويضيف لبيدوت ان فكرة الهجوم على دير ياسين كانت من وحي يهوشع غولدشميت ضابط عمليات "ايتسل" وهو من ابناء مستعمرة غيفعات شاؤول جارة دير ياسين و"ان الدافع الاساسي كان اقتصادياً ذلك اننا كنّا في امس الحاجة الى الغنائم لتموين القواعد لمنظمتينا التي كنا اسسناها حديثاً مع بقاء الهدف الامني العسكري". ويدعي لبيدوت ان قادة "ايتسل" تحفظوا على اقتراح "ليحي" بتصفية سكان دير ياسين قائلين ان الموضوع سياسي وليس عسكرياً وبالتالي يحتاج الى موافقة القيادة السياسية ل "ايتسل" وان القيادة السياسية لم تُقِرّ اقتراح "ليحي" وطلبت منهم "التركيز على الناحية العسكرية اثناء احتلال القرية" Focus on the Military Side. ونستخلص مما سبق عن اسباب اختيار دير ياسين هدفاً ولدوافعه الآتي اولاً: قرب دير ياسين من المستعمرات الست المقابلة لها والتي ذكرناها سالفاً وخاصة مستعمرة غيفعات شاؤول التي كانت على بعد 1200 متر فقط من قلب القرية الحارة. ثانياً: سهولة الوصول اليها على الطريق الرئيسية بينها وبين غيفعات شاؤول الصالحة لمرور المصفحات. ثالثاً: كون دير ياسين عقدت اتفاق عدم تعدّي مع غيفعات شاؤول مما يدل على خوفها وبالتالي ضعفها. رابعاً امكان استغلال عنصر المفاجأة لاعتماد دير ياسين على اتفاق عدم التعدّي. اما الدوافع فأربعة: أ التنافس مع الهاغانا والرغبة في تسجيل انتصارات عليها لدى الرأي العام اليهودي المقدسي، بالانتقام لمعركتي كفار اتسيون وعطاروت مع ان دير ياسين لم تشترك في ايهما، ج السلب والنهب لكون دير ياسين من القرى العربية الغنية، د التنفيس عمّا في الصدور من كراهية عنصرية دفينة. ومن الواضح من كلام لبيدوت عن اجتماع القادة انه يحاول القاء اللوم رجعياً على "ليحي"، اما ادعاؤه بتحفظ "ايتسل" على المساس بالمدنيين فرياء وهراء ذلك ان "ايتسل" هي التي ابتدعت فن زرع الالغام الموقوتة في الاسواق العربية المكتظّة ابتداء من عام 1938 وهي التي قامت بعد قرار التقسيم في تشرين الاول نوفمبر عام 1947 بالقاء القنابل على التجمعات العربية المدنية في القدس فقتلت 17 مدنياً في باب الزاهرة في 29 كانون الاول ديسمبر عام 1947 وقتلت 25 مدنياً وجرحت العشرات في باب الخليل في 7 كانون الثاني يناير 1948. ويذكر ان يهوشع غولدشميت صاحب فكرة الهجوم على دير ياسين وضابط عمليات "ايتسل" الذي حضر اجتماع القادة هو ذاته الذي قاد الشاحنة المليئة بالمتفجرات التي نسفت فندق الملك داوود بالقدس في 22 تموز يوليو 1946 ما اسفر عن مقتل 75 مدنياً من بريطانيين وعرب ويهود. خطة الهجوم وترتيباتها الاخيرة حشدت "ايتسل" و"ليحي" قوة عدادها 200 من أشرس مقاتليهما للهجوم على دير ياسين ووُضع حوالى 70 منهم في الاحتياط. ونُظّم الباقون كقوة هجومية قسمت الى اربع شراذم وعُين كل من يهودا لبيدوت ويهودا سيفل كلاهما من "ايتسل" ومنشه ايخلر ومردخاي بن عوزيهو كلاهما من "ليحي" قادة للشراذم وكانت نسبة مقاتلي "ايتسل" من المجموع الثلثين. وعين بن زيون كوهيت "ايتسل" قائداً للهجوم ككل بينما تولى بتحيا زليفنسكي قيادة رجال "ليحي". ووزعت على المقاتلين البنادق والرشيشات الاتوماتيكية بالتساوي كما اعطي كل مقاتل قنبلتان يدويتان ومسدس وهراوة وكان لكل شرذمة مدفع رشاش Bren وأغلب الظن ان الهراوات كانت للاجهاز على الجرحى العرب توفيراً للذخيرة. وحملت الشراذم كميات وافرة من المواد المتفجرة gelignite. وتضمنت خطة الهجوم التحرك على اربعة محاور اولاً: شرذمة "ليحي" بقيادة مردخاي بن عوزيهو تتقدم من غيفعات شاؤول وتهاجم دير ياسين من الشمال باتجاه الزاوية القائمة حيث تلتقي الطريق الرئيسية غرب - شرق الموصلة من غيفعات شاؤول الى دير ياسين بالطريق شمال - جنوب التي تمر امام وسط البلدة الحارة. ثانياً: شرذمة مختلطة تتقدمها مصفحة عليها مكبر صوت بقيادة منشه ايخلر تندفع من الشرق الى وسط البلد على الطريق الرئيسية من غيفعات شاؤول. ثالثاً: شرذمة بقيادة يهودا سيفل تنطلق من مستعمرة بيت هاكيريم وتهبط في الوادي الفاصل بينها وبين دير ياسين لتتسلق الطرف الآخر من الوادي وتقتحم القرية من الناحية الشرقيةالجنوبية عند جامع الشيخ ياسين وشرذمة بقيادة يهودا لبيدوت تنطلق من بيت هاكيريم ايضاً وتهاجم القرية بحركة التفافية من الجنوب الغربي حتى تسيطر على اعالي القرية الغربية من الخلف اي من الغرب. وتفيد شهادة لاحقة لمردخاي جيحون ضابط استخبارات الهاغانا في منطقة بيت هاكيريم ان قيادة الهاغانا أوكلت اليه مهمة احتلال تل الشرافة جبل هرتسل الآن الواقع الى جنوب شرق دير ياسين على ان يتزامن ذلك مع تحرك قوات المنظمتين الأخريين لنصب مدفع رشاش ثقيل Spandau بهدف توفير سيطرة نارية على درب دير ياسين - عين كارم لمنع النجدات من الاخيرة ولضرب مواقع القرية العليا الغربية ولازعاج الفارين من دير ياسين. وعينت ساعة الصفر في الخامسة والنصف مع الفجر على الا يُبدأ باطلاق النار من قبل القوات المهاجمة حتى يصل كل منها الى ىهدفه في اطراف القرية العدة وفي وسطها وبعد ان تطلق رشقة ضوئية من مدفع رشاش ايذاناً بالبدء بالهجوم العام. ولا بد من كلمة هنا عن مكبّر الصوت الذي كان منصوباً بجانب المدفع الرشاش Bren على المصفحة الاقتحامية ذلك ان دوره في المعركة غدا قطب الرحى في الروايات التبريرية اللاحقة للمنظمتين الارهابيتين لما اقترفت ايديهما في دير ياسين، ومعلوم لكل دارس للتكتيك الهجومي للقوات اليهودية في هذه المرحلة بما في ذلك قوات الهاغانا ان هذه القوات كانت دائمة الاعتماد في هجماتها على الاهداف المدنية العربية اضافة الى القصف والتفجير والضرب بالنار على عنصر الحرب النفسية عن طريق مكبرات صوت على ناقلات واذاعات في الراديو تدعو السكان المستهدفين الى الاستسلام والفرار امعاناً في خلق الذعر والبلبلة في صفوفهم واضعافاً للمقاومة وتيسيرا لمهمات الوحدات القتالية وهذا ما حدث بالفعل في هجمات الهاغانا على الاحياء العربية في كل من حيفا والقدس ويافا وغيرها. بيد ان الامر اصبح في الروايات التبريرية اللاحقة لما حدث في دير ياسين ان مكبر الصوت كان انما دليل على "فروسية" "ايتسل" و"ليحي" حيث ان النية على استعماله وهو لم يستعمل كما سنبيّن لاحقاً عني التخلي عن عنصر المفاجأة وبالتالي تعريض المهاجمين انفسهم للهلاك حرصاً على ارواح المهاجمين. وما ذلك طبعاً الا هراء في هراء، ويذكر ان "ايتسل" اعتمدت هذه الحجة بالذات في اثر مذبحة فندق الملك داوود عام 1946 حين ادّعت بأنها انذرت الفندق بوجوب اخلائه قبل الانفجار بثلاثين دقيقة فجلت بذلك اللوم لما حدث على ضحاياها. وهكذا انهمك رجال اتسل و"ليحي" في الاعداد للهجوم وتدربوا في منطقة مبنية قريبة في حي الشيخ بدر المهجور وهو من الاحياء العربية في القدس الغربية الذي تم الاستيلاء عليه سابقاً على القاء القنابل اليدوية الى داخل كل منزل واطلاق رشقات رصاص على داخل كل غرفة قبل دخولها وسرقوا المصفحة التي كانت تخص الهاغانا كما سرقوا سارية من مبنى حكومي لرفع الراية الصهيونية على القرية وقاموا بجولات استطلاعية حوالى دير ياسين ووصلوا الى مشارفها ورافقهم في ذلك رجال من الهاغانا والتقوا بأعضاء الهاغانا الذن كانوا يتمركزون في مواقع مقابل دير ياسين واتفقوا معهم على كلمة السر: "سنضرب العدو". ولا بد هنا من العودة قليلاً الى مئير بعيل الذي روينا عنه اعلاه ما جرى بين شلتئيل قائد الهاغانا في القدس وقادة "ايتسل" و"ليحي" في مقابلة حاول الاول فيها ان ينيهم عن الهجوم على دير ياسين واختيار قرى سواها ذلك ان بعيل اصبح ابرز ناقد عمالي يساري لأفعال "ايتسل" و"ليحي" في دير ياسين في المناظرة العنيفة التي ما زالت قائمة الى يومنا هذا حول ما حصل فعلاً في 9 نيسان عام 1948 وحول دور الهاغانا في المعركة ويخبرنا بعيل التابع لمخابرات البالماخ في حينه انه كُلف بمراقبة المعركة المقبلة حتى يرفع تقريراً الى قادة الهاغانا يقيّم فيه إداء المنظمتين الارهابيتين العسكري لكونهم كانوا ينظرون في صلاحيتهما للاندماج في قوات الهاغانا اي جيش الدولة العبرية المزمع اعلانها قريباً. ويقول بعيل انه اندسّ بين صفوف المهاجمين حين بدء تحركهم نحو دير ياسين حاملاً رشيشاً من نوع Tommy لم يطلق منه رصاصة واحدة وانه اصطحب معه مصوراً يحمل آلة تصوير من نوع "لايكا" وان المصوّر التقط 36 صورة عن مراحل المعركة كلها ارسلها بعيل مع تقرير الى قيادة الهاغانا فور انتهائها وسنتطرق الى بعيل وروايته ومشاهداته لاحقاً. قبيل منتصف ليل 8/9 نيسان تحركت قوة "ليحي" بقيادة بتحيا زليفنسكي من حي الشيخ بدر مسرح تدريبهم الى مستعمرة غيفعات شاؤول نقطة انطلاقها اذ تمركزوا في موقع للهاغانا ملاصق لمصنع البيرة. وفي الوقت نفسه وصلت قوة "ايتسل" بقيادة بن زيون كوهين الى مستعمرة بيت هاكيريم نقطة انطلاقها.