عرضت اسرائيل، امس، مجدداً الانسحاب من جنوبلبنان، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 425، وأشارت الى أنها ستطلب مساعدة فرنسا لتحقيق ذلك. وفي الوقت نفسه أطلقت اسرائيل اشارات جديدة الى رغبتها في استئناف الاتصالات مع سورية بشأن العودة الى المفاوضات، وبالأخص بشأن الخروج من لبنان. وأعلنت مصادر اسرائيلية ان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ارسل موفدين الى إحدى العواصم الأوروبية للبحث في استئناف المفاوضات مع سورية التي قالت المصادر نفسها "انها ارسلت اشارات ايجابية بهذا الهدف". وفي لقاء مع "الحياة"، أكد وزير الخارجية اللبناني فارس بويز ان الولاياتالمتحدة "لم تقل لنا يوماً ان اسرائيل مستعدة لتنفيذ القرار 425 بحذافيره". راجع ص 18 واعتبر ان الاعتقاد بأن اسرائيل عرضت على لبنان تنفيذ ذلك القرار وان لبنان رفض هو "خطأ شائع". فيما أوضح أحد المفاوضين اللبنانيين السابقين ان الاسرائيليين "مهووسون بالمضمون الأمني لاتفاق 17 أيار" وأن عقلهم السياسي "بقي أسير هذا الاتفاق ويسعى الى تسويقه بمشاريع اتفاقات". ونسب الى نتانياهو قوله، خلال الاجتماع الاسبوعي لمجلس الوزراء أمس، انه "إذا وافقت الحكومة اللبنانية على ان تقيم معنا تدابير أمنية فاننا سننسحب من جنوبلبنان وفقاً للقرار 425". وأكد بيان صدر عن مكتب نتانياهو ان الحكومة الاسرائيلية "لا تريد انسحاباً من جانب واحد يؤدي الى زيادة اعتداءات حزب الله على الجليل في شمال اسرائيل". لكن منسق الأنشطة الاسرائيلية في لبنان اوري لوبراني قال في حديث اذاعي ان اسرائيل "لم تعد تشترط بشكل رسمي اتفاق سلام أو تطبيعاً قبل تطبيق القرار 425". وأضاف أ ف ب: "اننا نقترح ان نناقش فقط ترتيبات أمنية، واردة في أي حال بوضوح في القرار ... ولا أعرف ما اذا كانت هذه الأمور ستنجح لكن الأمر يستأهل المحاولة على الأقل". وأوضحت صحيفة "معاريف"، امس، ان سكرتير الحكومة داني نافيه والمستشار السياسي لنتانياهو أوزي أراد موجودان في احدى العواصم الأوروبية يرجح أنها باريس "للتحقق من المسألة السورية". وأشارت نقلاً عن "تقارير سرية" وصلت تل أبيب من واشنطن الى "تلميحات سورية تؤكد رغبتها في استئناف الاتصالات مع اسرائيل للتوصل الى صيغة تضمن العودة الى طاولة المفاوضات". وتستند التقويمات الاسرائيلية على ما يبدو الى تصريحات أدلى بها أخيراً السفير السوري في الولاياتالمتحدة وليد المعلم خلال محاضرة القاها في بلتيمور. ونقلت المصادر عن المعلم قوله ان "حال اللاحرب واللاسلم القائمة بين اسرائيل وسورية خطيرة للغاية"، مشيراً الى التوتر الذي شهدته العلاقات بين الجانبين في السنة الماضية وشارفت على اندلاع حرب بينهما. وقالت اسرائيل ان الرئيس الأميركي بيل كلينتون خصص جزءاً كبيراً من المكالمة الهاتفية التي أجراها مع نتانياهو الاسبوع الماضي لمناقشة "الاشارات السورية الواضحة بهذا الشأن". واكد وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين، امس الاحد، استعداد فرنسا للقيام "بنقل رسائل" حول انسحاب اسرائيلي محتمل من جنوبلبنان. وقال فى حديث اذاعي: "نحن على استعداد للتحدث ولتقديم خدمات للاسرائيليين واللبنانيين والسوريين". وتتهم اسرائيل سورية بمساندة المقاومة اللبنانية في هجماتها في الجنوب المحتل، وتسعى الى ربط مسألة استئناف المفاوضات بوقف هذه الهجمات. وتوقفت اسرائيل منذ زمن عن المطالبة بتوقيع اتفاق سلام أو تطبيع العلاقات مع لبنان ثمناً لانسحابها من الجزء المحتل. واعتبرت الصحافة الاسرائيلية ان التصريحات التي أدلى بها نتانياهو في نهاية الاسبوع الماضي جاءت رداً على الاشارات السورية، إذ أراد ارسال رسالة الى سورية مفادها ان "هناك مواضيع للتحدث فيها وبالتحديد لبنان" الذي كبد اسرائيل 39 قتيلاً في العام 1997 وأربعة آخرين منذ بداية العام الحالي. وسيتطرق نتانياهو الذي سيقوم بجولة اوروبية أواخر الاسبوع الجاري تشمل اسبانيا والمانيا وبريطانيا والنروج الى الموضوع السوري بربطه بالمسألة اللبنانية. وقال نتانياهو أمس، خلال الجلسة الاسبوعية لمجلس الوزراء الاسرائيلي، انه "يسر اسرائيل الانسحاب من الجنوباللبناني المحتل إذا ما تم اتخاذ الاجراءات الأمنية الملائمة" التي تضمن أمن الحدود الشمالية. وعلى الصعيد ذاته أعلن الناطق باسم وزارة الجيش الاسرائيلي امنون بن ياهو ان الوزير اسحق موردخاي سيصل الى باريس يوم الخميس المقبل ليبحث مع نظيره الفرنسي في سبل خروج اسرائيل من جنوبلبنان. وقال بن ياهو في تصريح للاذاعة الاسرائيلية: "نريد ان تنشر الحكومة اللبنانية، بدعم سوري أو فرنسي أو اميركي، جيشها على طول الحدود لضمان وقف هجمات حزب الله. وأضاف: "سنقترح على الفرنسيين ان يشاركوا في ما يجري في لبنان لانهم يريدون المساهمة في العملية السلمية، معتبراً "ان الامر قد يستغرق ستة شهور أو اكثر". وفي باريس، ذكّر الناطق الرسمي باسم الخارجية ايف دوتريو، في تعليق ل "الحياة" على التصريحات الاسرائيلية، بما اكده وزير الخارجية هوبير فيدرين في كانون الثاني يناير الماضي عندما زار لبنان، اذ قال "ان فرنسا تتمنى ان تطبق اسرائيل القرار 425 الذي يطالبها بالانسحاب من جنوبلبنان من دون شروط وفي اطار سيادة لبنان وسلامة اراضيه". وسألته "الحياة" عما يمكن ان ترد به فرنسا اذا طلب وزير الدفاع الاسرائيلي مساعدتها على تطبيق القرار 425 من دون شروط، فقال: "قبل اسابيع وشهور تصدر مثل هذه التصريحات عن المسؤولين الاسرائيليين، وقلنا ان كل ما يذهب في اتجاه تنفيذ القرار هو مشجع، ولم يطرأ اي جديد على موقف فرنسا". وأفاد دوتريو ان الوزير فيدرين سيلتقي موردخاي يوم الجمعة و"من المتوقع ان يتحدث الجانب الاسرائيلي في هذا الامر، فهذه ليست المرة الاولى التي يطرح فيها الموضوع". وأكد "ان احداً لن ينتقد اقدام الاسرائيليين على تنفيذ القرار بدون شروط، لكننا نلاحظ ان هذا لا يحل المشكلة في عمقها، اذ لا بد من حل سلمي شامل طالما ان هناك اراضي عربية محتلة، منها الجولان، وهذا هو الموقف الفرنسي على الدوام". في غضون ذلك، لاحظت مصادر لبنانية ان كلام لوبراني "ليس فيه جديد" إذ ان رسالة التأكيدات والضمانات الأميركية للحكومة اللبنانية، عشية مؤتمر مدريد، اعتبرت "ان التطبيع يمكن ان يأتي تتويجاً للاتفاق على حل يؤمن السلام العادل والشامل"، أي انها "رفضت الحلول المنفردة على غرار ما جاء به اتفاق 17 ايار". وقالت هذه المصادر ان اسرائيل لم تطلب من لبنان خلال مفاوضات واشنطن التوقيع على سلام منفرد او الدخول في تطبيع للعلاقات بمعزل عن سائر الدول العربية المعنية. وأضافت ان الاعلان عن هذا الموضوع "يأتي كأنه للايحاء بأن تل أبيب قدمت تنازلاً أساسياً ومن كيسها مع ان المسألة غير مطروحة". وأشارت المصادر الى ان الجانب الاسرائيلي في اجتماعات مجموعة الرقابة العسكرية في الناقورة "كان يطلب من حين لآخر التفاهم على ترتيبات أمنية. لذلك فإن كلام لوبراني لا يحمل أي جديد سوى انه يبيع لبنان مسألة غير مطروحة في اطار الضغط السياسي للبحث معه في صفقة أمنية تحت عنوان تطبيق القرار 425 بمعزل عن سورية.