لم تكن الجلسة التشريعية العامة التي عقدها المجلس النيابي اللبناني امس عاصفة كما كان متوقعاً. فالحكومة استردت سلسلة الرتب والرواتب على ايقاع اعتراضٍ هادئ من النواب. وشهدت الجلسة استيضاحات ومواقف في شأن القرار الرقم 425 الذي اعيد الى الواجهة اخيراً. وتميز الجانب التشريعي من الجلسة بجدل على مشروع قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية لها. وأقرت الجلسة 12 مشروعاً واقتراح قانون وأعيد اربعة، اثنان الى اللجان المشتركة لإعادة درسهما، واثنان لتصحيحهما. وأرجأت مناقشة ثمانية مشاريع الى جلسة اليوم. ترأس الجلسة رئيس المجلس نبيه بري وتمثلت الحكومة برئيسها رفيق الحريري وعدد من الوزراء. وخصصت الساعة الاولى منها لتلاوة الاوراق الواردة. ثم تحدث النائب نسيب لحود الذي اعتبر ان "المشكلة الاهم لم تعد العجز في الموازنة ولا تفاقم الدين العام ولا شحّ الموارد ولا الركود في الاعمال والبطالة والحرمان ولا الاستدانة، بل هي هذا السباق غير المتكافئ بين تراكم تلك المشكلات وتفاقمها من جهة، والمعالجات المفترضة لها من جهة اخرى وهي تراوح مكانها في حلقة مفرغة". وأضاف لحود "يخطئ المسؤول الذي يظن ان الوقت يلعب لمصلحته في هذا السباق، بل يخطئ من يظن ان الوقت محايد، فكيف يمكن ان يكون لمصلحته او محايداً، وفائدة الدين العام تبلغ 250 مليون دولار شهرياً. فإذا كنا جادين في وعينا لدقة الوضع وفي كسب السباق بين الدين والنمو، فالموضوع ليس بالتأكيد تدبير هذا التمويل لذاك المشروع، او فتح بازار بين المناطق المحرومة لتتنافس على الفتات. الموضوع هو اعادة النظر في تلك الخيارات والسياسات بالذات". ثم تحدث النائب علي الخليل الذي اقترح تقديم مذكرة الى الامين العام للامم المتحدة كوفي أنان لمناسبة زيارته لبنان تصحح الاخطاء في مفهومه لمضمون القرارين الرقمين 425 و426 اذ اشار الى ان "تنفيذهما يتطلب ترتيبات امنية مع اسرائيل". ودعا الخليل الى "عدم التجاوب مع الكلام التضليلي الاسرائيلي على هذين القرارين". وفي موضوع سلسلة الرتب والرواتب وصف استعادة الحكومة لها "استمرار لسياسة التسويف والهرطقة". ودعا الى "اقرار زيادة غلاء معيشة بنسبة 20 في المئة ورفع الحد الادنى للاجور الى 300 ألف ليرة لبنانية". وسأل النائب طلال المرعبي "كيف يمكن الحكومة ان تبادر بحل الازمات، في حين ان هناك تباعداً بين وزرائها، وعدم تجانس بين الوزراء ورئيس الحكومة". وتمنى ان "تلتزم الحكومة مهلة الشهر التي وضعتها لإعادة مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب الى المجلس النيابي". وقال النائب نجاح واكيم ان "وزراء ومسؤولين في الحكم اعترفوا بأن هناك فساداً واهداراً وسرقات، وهم في الوقت نفسه عطّلوا قدرات الجهات المختصة على المحاسبة والمراقبة". وأضاف: "سمعت تصريحاً لوزير الدفاع محسن دلول يتحدث فيه عن الفساد في احد مرافق الدولة ولم تتحرك الجهات الرقابية، فإذا كان القضاء معطلاً من هذه الناحية فلنشكل لجنة تحقيق نيابية، ولتتم المحاسبة قبل ان تكبر الجرائم، خصوصاً ان الفارق بين كلفة الاعمار المحققة والكلفة الحقيقية، يتجاوز البليوني دولار اميركي، وبهذا المبلغ نستطيع حل كل مشكلات تمويل السلسلة وعودة المهجرين وانماء المناطق المحرومة". ودعا النائب زاهر الخطيب الى "رفض اي تفسير للقرار 425 سوى الانسحاب من دون قيد او شرط والعودة الى اتفاق الهدنة للعام 1948". وقال "نشرت صحيفة قبل ايام ان مسؤولاً غربياً جال على الرؤساء الثلاثة وبحث معهم في مضمون القرار 425، وحاول اقناعهم بوجهته. واحد رفض مطلقاً البحث فيه، وآخر قال انها مسألة مشروطة، وثالث قال ان هذا الطرح مبكر". الذي رفض مطلقاً هو الرئيس نبيه بري، والمسؤول الغربي هو السفير الفرنسي دانيال جوانو الذي نقلت عنه الصحيفة انه بحث مع الرئيس الحريري في نقاط المراقبة وتفاصيل اخرى". وهنا تدخل الحريري مؤكداً ان "هذا الكلام كذب، وان شيئاً من هذا لم يحصل". فرد الخطيب "قد يكون الكلام غير صحيح لكننا نريد من رئيس الحكومة التزاماً امام المجلس لعدم الانجرار وراء اي محاولة من هذا النوع". وانتقد "استقبال الرئيس الحريري الرئيس سليم الحص وشنّ حملة عليه فور مغادرته القصر الحكومي"، سائلاً عن "جدوى المشاورات اذا كانت الصدور ضيقة الى هذا الحد؟". ثم تحدث النائب ابراهيم بيان عن "استمرار الاهمال في منطقة الهرمل" طارحاً موضوع الطفلة زينب ناصر الدين التي خطفت قبل اسبوع ولم تظهر الى الآن. وناشد بري "الايعاز الى الجهات المختصة للبحث والتحري عنها". وأعاد النائب حسين الحاج حسن طرح موضوع "المناطق المحرومة في بعلبك والهرمل وعكار والضنية التي تنتظر على ابواب القرن الواحد والعشرين بديهيات التنمية المتوجبة في اوائل القرن العشرين، اي بفارق زمني يناهز المئة عام". وقالت النائبة نائلة معوض: "حضرنا بالامس مؤتمر التعليم العالي الذي تنظمه يونيسكو في بيروت". وتوجهت الى بري قائلة "اريد ان اسألك انت يا دولة الرئيس، عن مشروع قانون إلزامية التعليم الذي تقدمت به قبل اشهر، وهو ما زال نائماً في ادراج المجلس". وسألت عن معنى ان تكون الحكومة خصصت مبلغاً زهيداً خمسة بلايين ليرة في موازنة سنة 98 للمدارس الرسمية. وشدد النائب محمود عواد على "ضرورة عدم السماح برفع عجز الموازنة، وضرورة اقرار سلسلة الرتب والرواتب بالسرعة المطلوبة". وسأل النائب جورج قصارجي عن زيادة الضرائب على البريد والاتصالات الهاتفية. فعلق بري ان "هذا الامر سببه الرغبة في انعاش شركات الخليوي". ودافع النائب بهاء الدين عيتاني عن المشاورات التي يجريها الحريري. وأكد ان "لبنان يحتاج الى استقرار يكسبه ثقة شعبه التي تتحقق بالامتناع عن التجريح والتهجم الشخصي. وهذا يحصل مع الاسف باسم الاصلاح". وأضاف ان "المطالبة بإعادة المهجرين وانصاف المناطق المحرومة واقرار سلسلة الرتب والرواتب ودفع مستحقات المستشفيات كلها يجب ان تحصل ولكن مع المحافظة على نسبة العجز في الموازنة". وبعدما عرض النائب أحمد فتفت وصالح الخير لمطالب شمالية، اختتمت تلاوة الاوراق بمداخلة للنائب بطرس حرب لفت فيها الى التحرك الذي شهدته قصور العدل. وسأل "هل حرك هذا الموضوع لدى المسؤولين ملف القضاء؟". وانتقد شن المكتب الاعلامي للرئيس الحريري حملة على المعارضة التي قالت رأيها في المشاورات الحكومية. وسأل "لماذا لم توضع منطقة البترون ضمن لائحة الحكومة للمناطق المحرومة؟". وعندما أشار الى القرض الذي وقع امس بين مجلس الانماء والاعمار وصندوق التنمية السعودي بقيمة مئة مليون دولار، تدخل بري وسجل ان "القروض قبل ان توقع يجب ان يحصل عليها اتفاق مع المجلس النيابي وان تحدد المشاريع الانمائية التي ينبغي ان تأتي القروض على اساسها، مع المجلس ايضاً". مناقشة المشاريع ثم بدأ المجلس بمناقشة المشاريع المدرجة على جدول اعمال الجلسة. فتلي المرسوم القاضي بسحب سلسلة الرتب والرواتب من المجلس النيابي واعادته الى مجلس الوزراء. فاعترض عدد كبير من النواب وأبرزهم الرئيس حسين الحسيني الذي قال انه "يتبنى مشروع السلسلة كما هو مقدم في حال لم تلتزم الحكومة المهلة التي اعطتها لنفسها لإقراره خمسة اسابيع فيقدمه الى المجلس بصفته مشروعاً مقدماً منه". لكن النائب واكيم تدخل هنا وقال "لا يحق للحكومة استعادة المشروع قبل موافقة المجلس على هذه الاستعادة". فتدخل بري حاسماً الموضوع ان من حق الحكومة استعادة المشروع، بموجب المادة الپ103. وتبنى بري اقتراح الحسيني الذي يقضي بتحويله مشروع قانون يقدمه المجلس النيابي في حال لم تقر الحكومة السلسلة ضمن المهلة التي حددتها. ثم بدأ اقرار مشاريع القوانين المقترحة. وتوقف المجلس طويلاً امام مشروع قانون يتعلق بمكافحة المخدرات، فاعترض الحسيني على بعض بنوده خصوصاً تلك المتعلقة بإنشاء جهاز امن خاص لمكافحة المخدرات بسبب الاكلاف التي يفرضها. ورد وزير الداخلية ميشال المر ان مشروع القانون هذا وضع بالتعاون مع خبراء في الاممالمتحدة فتبين ان اكثر دول العالم اعتمدت انشاء مجلس وطني لمكافحة المخدرات وأجهزة امنية مستقلة". وعلق النائب ابراهيم امين السيد سائلاً "من اي جنسيات هم خبراء الاممالمتحدة الذين ساهموا في وضع مشروع القانون؟". فرد بري "من كل الجنسيات ما عدا الولاياتالمتحدة". وعرض المشروع على التصويت فصدق عليه كما تقدمت به الحكومة. وتوقف النواب في الجلسة امام مشروع قانون يتعلق بتمديد العمل بأحكام قانون تسهيل اندماج المصارف، لمدة خمس سنوات، فسجل النائب محمد عبدالحميد بيضون اعتراضه على هذه المدة مقترحاً جعلها سنتين، وعرض اقتراح بيضون على التصويت فسقط، وصدق القانون كما اعدته الحكومة. وطلب الحريري عدم بت اقتراح قانون بتعديل المادة الخامسة من القانون الرقم 324 عن تسوية مخالفات البناء، لكن المجلس لم يوافق وصوّت على القانون وأقر كما هو. ورفعت الجلسة في الثانية بعد الظهر الى اليوم. يذكر ان قانون دمج المصارف حدد في العام الماضي مهلة سنة لكل مصرف رأسماله دون عشرة بلايين ليرة للمركز الرئيسي و250 مليون ليرة لكل فرع لكي يقفل او يدمج نفسه بمصارف اخرى.