خرجت الشركات الكندية الناشطة في انتاج الذهب عن مسارها التقليدي لحماية استثماراتها عن طريق حض المصارف المركزية الرئيسية في العالم، خصوصاً الاوروبية، على عدم طرح ما تملكه من احتياط الذهب في الاسواق لما لهذا العمل في وجهة نظرها من نتائج سلبية على اسعار المعدن الاصفر. وكشفت شركتا "باريك غولد" و"بليسر دوم" عن ارسال وفد كندي رفيع في مهمة غير اعتيادية الى عدد من العواصم الاوروبية اخيراً لهذا الغاية. وتعتبر الشركتان المذكورتان من شركات التعدين الكبيرة في اميركا الشمالية كنداوالولاياتالمتحدة. وقال الناطق باسم "باريك غولد" ان فريقاً "يتألف من رئيس وزراء كندا السابق براين مالروني والحاكم السابق للمصرف المركزي الكندي جون كراو اجتمع الى حاكم بوندسبنك المركزي الالماني هانز تيتماير ونظيره الفرنسي جان كلود تريشيه. وامتنع الناطق عن التعليق على طبيعة اللقائين ونتائجهما واكتفى بالاشارة الى ان الوفد قام بمهمته بتكليف من "باريك غولد" و"بليسر دوم" والاعضاء الآخرين في مجلس الذهب العالمي لندن الذي يضم مجموعة "انغلو غولد" اكبر الشركات الدولية في مجالها. الا ان كراو اكد في تصريحات للصحافيين "ان الهدف من مهمة الوفد هو التعرف على سياسات المصارف المركزية بخصوص احتياط الذهب لديها، لا سيما مصارف دول الاتحاد الاوروبي التي تنفرد بنحو 40 في المئة 14 ألف طن من اجمالي احتياط الذهب لدى المصارف المركزية في العالم. وجاءت مبادرة الوفد الكندي وسط مخاوف من احتمال قيام المصارف الاوروبية بطرح كميات من احتياط الذهب في الاسواق اسوة بما فعل نظرائها في استراليا وهولندا والارجنتين العام الماضي حينه شهدت اسعار الذهب سلسلة تراجعات قياسية هبطت بسعر الاونصة الى نحو 280 مقابل 417 دولاراً في شباط فبراير 1996 ونحو 300 دولار في الوقت الراهن. وعلى رغم تناقض هذه المبادرة مع مبادئ السوق الحر، اقله ظاهرياً، الا انها وجدت تأييداً واسعاً من قبل شركات التعدين ومن بينها شركة "بوليدن" المحدودة التي تشترك في احد اكبر مشاريع انتاج الذهب في السعودية وتأثرت مثل غيرها من الشركات الكبيرة من تدني اسعار المعدن الاصفر. وقال نائب رئيس الشركة جيمس بورلاند ل "الحياة" اول من أمس: "حين نتحدث عن امكانات دعم الاسعار لا يمكننا التقليل من أهمية احجام المصارف المركزية عن طرح كميات كبيرة من احتياط الذهب لديها في الاسواق". وأشار الى ان الاوضاع الحالية التي تمر بها اسعار الذهب تبرز اهمية المناجم المتدنية الكلفة مثل منجم "صخيبرات"، أحد اكبر مشاريع"الشركة السعودية للمعادن الثمينة" التي تساهم فيه شركة "بوليدن" المحدودة بنسبة 50 في المئة وبلغ انتاجه العام الماضي نحو 63 ألف اونصة. وأشار بورلاند الى ان تراجع كلفة الانتاج ساهم في تخفيف آثار تراجع الاسعار على أداء المنجم. ورفض اعطاء ارقام محددة واكتفى بالقول "ان الكلفة النقدية كانت اقل بكثير من 200 دولار للأونصة في حين بلغ متوسط سعرها نحو 330 دولاراً". وذكر ان متوسط الاسعار للعام الماضي يشكل تراجعاً بمعدل 58 دولاراً للأونصة مقارنة مع 1996 مما يشير الى حجم الخسائر التي تتكبدها مشاريع الذهب بسبب تقلبات الاسعار. وأضاف: "انخفاض الاسعار بمعدل 10 دولارات للونصة يقتطع من عائدات الشركة بوليدن مبلغ 1.3 مليون دولار". وتشكل مشاريع الذهب نحو 12 في المئة من النشاط التعديني لشركة "بوليدن" تملكها مجموعة "تريلبورغ" السويدية التي قررت العام الماضي نقل مقر شركتها الفرعية الى تورونتو وطرح نصف اسهمها للاكتتاب العام في كندا في صفقة قدرت قيمتها بزهاء 350 مليون دولار. وأقر بورلاند في الوقت نفسه بجدية العوامل التي تدفع المصارف المركزية الى التفكير بتقليص حجم احتياط الذهب لديها وأثر ذلك على مسار اسعار الذهب لكنه امتنع عن التعليق على صدقية سيناريوهات متشائمة تحدثت عن احتمال تعرض الاسعار لتدهور خطير في المستقبل المنظور. ويشار الى ان بعض المراقبين يعتقد ان الذهب بدأ يفقد مكانته كعامل احتياط منذ قررت الولاياتالمتحدة التخلي عن مقياس الذهب عام 1971 وتراجعت اهميته بدرجة اكبر في الاعوام الاخيرة بسبب انحسار مخاطر التضخم وتدني معدلاته في غالبية الدول الصناعية. وقال بورلاند: "تبقى هذه السيناريوهات مجرد احتمال بعيد وان كانت في حال صحتها ستؤدي حتماً الى اغلاق عدد كبير جداً من المناجم العاملة، لا سيما المناجم ذات الكلفة العالية، فضلاً عن احداث توازن دقيق بين العرض والطلب وتعرض المصارف المركزية لخسائر فادحة في قيمة احتياط الذهب لديها". وأكد مراقبون في تورونتو ان النتائج الخطيرة للسيناريوهات المتشائمة لم تكن بالتأكيد بعيدة عن مهمة الوفد الكندي الذي حاول استخدامها لاقناع المصارف المركزية الاوروبية بضرورة اعطاء الذهب دوراً مناسباً في تشكيلة احتياط المصرف المركزية الموحد لدول الاتحاد الاوروبي. وقالوا "ان شركات التعدين، ممثلة بمجلس الذهب العالمي، ربما تكون حققت بعض النجاح وتأمل ان يترجم هذا النجاح في نهاية المطاف الى قرار تتخذه المصارف المركزية الاوروبية في وقت لاحق من الشهر الجاري بحيث لا تقل نسبة عامل الذهب في تشكلة احتياط المصرف الموحد عن 10 في المئة". ويشار الى ان الذهب يشكل في الوقت الراهن نسبة 30 في المئة من اجمالي احتياط المصارف المركزية لدول الاتحاد الاوروبي.