تسعى الحكومة السودانية إلى شراء ذهب بالعملة المحلية لتبيعه بهدف الحصول على الدولارات اللازمة لتسديد ثمن واردات الغذاء وسلع أساسية أخرى. ويقول وكيل مبيعات المصرف المركزي السوداني محمد آدم «نشتري كل الذهب من التجار المحليين والباحثين عنه». وخارج مكتبه في سوق الذهب، يبرم تجار الذهب صفقاتهم في سوق مزدحمة ومبنى متهالك في وسط المدينة يتساقط طلاء جدرانه. ويتطلع السودان لتوسيع مناجم الذهب وتعزيز إنتاجه ليبقي اقتصاده صامداً. ويقبع فوق ما يعتقد أنها أكبر احتياطات من الذهب في أفريقيا وقد منحت الحكومة عقود تنقيب لأكثر من 600 شركة تعدين للبحث عن الذهب ومعادن أخرى. وتأمل الخرطوم في أن تحقق ما يصل إلى ثلاثة بلايين دولار من صادرات الذهب هذه السنة أي مثلي الإيرادات المحققة في العام الماضي. وبلغت الإيرادات 603 ملايين دولار بحلول مطلع نيسان (أبريل) وفق أحدث البيانات الرسمية. باحثون عن الذهب ويأتي جزء كبير من الإنتاج حالياً من شركات تعدين صغيرة وأفراد تغريهم أسعار الذهب المرتفعة للتنقيب عنه في أطراف نائية من البلاد. ويشتري المصرف المركزي حالياً ذهبهم الذي كان في الماضي يهرب إلى الخارج غالباً. وتقدر الحكومة أن نحو 250 ألف سوداني يبحثون عن الذهب معظمهم في الشمال حيث كانت صحراء النوبة مصدراً له منذ عهد الفراعنة. وقال تاجر الذهب جمعة محمد سعيد الذي يسافر كل شهر إلى منطقة صحراوية على مسافة 300 كيلومتر شمال الخرطوم «أذهب دائماً وأشتري الذهب من السكان ثم أبيعه إلى المصرف المركزي... أحياناً أشتري بضعة غرامات وأحياناً 500 غرام أو كيلو، أنا دائماً مشغول». ويجلب سعيد الذهب إلى الخرطوم حيث يتاجر مع المصرف المركزي. ويتحقق الخبراء من نوعيّة الذهب قبل أن ينتهي به المطاف فوق مكتب آدم. ويشير آدم إلى أن المصرف المركزي عيّن ثلاثة وكلاء مبيعات في سوق الذهب يشترون المعدن النفيس بثمن أقل بقليل من السعر العالمي. لكن مسؤولاً كبيراً في منظمة دولية أوضح أن الوكلاء يدفعون أحياناً أكثر من السعر العالمي لمنع التجار الآخرين من شراء الذهب وتهريبه إلى دبي وهي سوق كبيرة للذهب. وقال «يدفع المصرف المركزي أحياناً أكثر كثيراً من أسعار السوق، ما يرفع التضخم، لكنهم يحتاجون الدولارات التي تأتي من صادرات الذهب». والبلايين الثلاثة التي يهدف السودان لتحقيقها من صادرات الذهب هذا العام أقل كثيراً من إيراداته النفطية التي بلغت خمسة بلايين دولار على الأقل في 2010. لكن الحكومة تأمل في إبقاء الاقتصاد صامداً بينما تتفاوض للتوصل إلى حل لمسألة رسوم تصدير النفط من جنوب السودان. وتواجه الخرطوم عجزاً في الموازنة مقداره 6.5 بليون جنيه (1.4 بليون دولار) بعد أن استقل جنوب السودان قبل سنة. وقال خبير التعدين المطلع على شؤون السودان ويعمل في كندا، تكر باري «السودان يقترب من الصدارة في أفريقيا من حيث الإمكانات المعدنية... ويعتبر شماله الشرقي في موقع متقدم جداً على قائمة أفريقيا للتنقيب عن الذهب». رسوم باهظة وتشرح مصادر أن رسوم الامتياز التي يجب على الشركات الراغبة في الاستثمار في قطاع الذهب السوداني دفعها، أعلى مما هي في دول أفريقية أخرى مثل غانا أو إريتريا اللتين أصدرتا قوانين أكثر تشجيعاً للاستثمار. وقال وزير المال السابق، عبدالرحيم حمدي «تحت الضغط يعيدون النظر في القوانين». وغالباً ما تكون مشاريع التعدين باهظة الكلفة لأن معداتها تنقل من مسافات طويلة. وتخرج الجامعات المحلية عدداً قليلاً من المؤهلين للعمل بالتعدين وغالباً ما تعتمد الشركات على قوى عاملة كبيرة من المغتربين. وتتوقع شركة «لا مانشا» تراجع إنتاج الذهب العائد إليها نحو 16 في المئة هذا العام بسبب استنفاد الطبقة العليا في منجم الحصاية الرئيس بعد استغلالها 20 سنة. وتحتاج الشركة للاستثمار في تقنيات جديدة للحفر على مستويات أعمق. وأكد سعيد تاجر الذهب الذي يتاجر مع المصرف المركزي، أن منقبين غير محترفين في المنجم الذي يزوره كل شهر يواجهون المشكلة ذاتها. وتابع «في بادئ الأمر كانوا يتجولون بأجهزة كشف المعادن ويكتشفون الذهب على السطح، الآن يحتاجون للحفر على مستوى أعمق، ما يزيد الكلفة».