بالنسبة الى الديبلوماسيين الغربيين، كان مولوتوف اول مسؤول سوفياتي كبير يطلق عليه لقب "مستر نيات" اي "السيد لا" وذلك لانه كان قد اعتاد خلال كافة اللقاءات مع الغربيين، وفي كافة اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن، ان يبادر الى رفض اي اقتراح او فكرة يتقدم بها الغربيون، حتى من قبل ان يصغي الى تفاصيلها. كان في ذلك صوت سيده ستالين الذي كان يصرّ، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية على اتخاذ مواقف سلبية تنبع من شك في كل خطوة يخطوها الغرب، حتى ولو كانت خطوة في اتجاه التقارب معه. كان فياتشيسلاف مولوتوف، اذن وفي نظر الغربيين بشكل عام، ولكن ايضاً في نظر الرأي العام السوفياتي، واحداً من اكثر المقربين الى ستالين، خدمة له وايمانا به واصراراً على التمسك بكل سياساته. ومن هنا كانت دهشة السوفيات والعالم كله كبيرة، مساء يوم الثالث من آذار مارس 1949، حين سرى في موسكو النبأ، الذي سيعلن رسمياً في صباح اليوم التالي مفيداً بان مولوتوف قد تمت تنحيته عن وزارة الخارجية السوفياتية ليعين بدلاً منه اندريه فينشنسكي 66 سنة. صحيح ان العالم كله قد فوجىء بالنبأ على الرغم من ان انباء وتحركات من هذا النوع لم يكن من شأنها ان تفاجىء احداً في ظل حكم ستالين الذي كان كثير الشكوك ودائم التقلب، غير ان المقربين من ستالين في الكرملين كانوا يعلمون علم اليقين ومنذ الخريف الفائت بان مولوتوف راحل لا محالة. منذ الخريف الفائت، اي منذ اعتقال زوجته ايفي مولوتوف بتهمة التجسس لصالح الصهيونية الاميركية. منذ ذلك الاعتقال كان أهل الكرملين قد لاحظوا تبدلاً أساسياً في تصرف ستالين ازاء وزير خارجيته، حيث ان ستالين كان يتعمد ان يسيء اليه امام الآخرين، او ان يتفادى رد السلام عليه، اضافة الى ان مولوتوف لم يعد، منذ اول العام 1949 منتمياً الى حلقة المقربين من ستالين، ولم يعد يدعى للعشاء معه، ولا الى حضور العروض الخاصة للأفلام التي كانت تنظم لستالين. من هنا كان واضحاً ان ايام مولوتوف كانت معدودة. اما زوجته ايفي فكانت قد اعتقلت في شهر تشرين الثاني نوفمبر من العام الفائت بعد ان زعمت اجهزة "الكي. جي. بي." - المخابرات السوفياتية - ان زوجة وزير الخارجية السوفياتية ضالعة اكثر مما يجب في نشاطات صهيونية معادية للفاشية وانها تبني علاقات متينة مع أوساط المسؤولين الاسرائىليين، ولا سيما غولدا مائير التي كانت في ذلك الحين اول سفيرة لاسرائيل في موسكو. ويروى ان غضب ستالين قد بدأ يحل على ايفي مولوتوف منذ اللحظة التي سمعها فيها، خلال عشاء نظم في احدى قاعات الكرملين وحضرته غولدا مائير، تتحدث بلغة "اليديش" لغة يهود بولندا واوروبا الوسطى والشرقية مع السفيرة الاسرائىلية. عند ذلك طلب ستالين من اجهزته مراقبة ايفي، ثم بدأ اعتقال العديد من اعيان اليهود المتعاونين، او الذين قيل انهم متعاونون، مع منظمات صهيونية في الولاياتالمتحدة كما في اسرائيل، هذا على الرغم من ان ستالين كان رئيس اول دولة في العالم اعترفت باسرائىل حال اعلان قيام هذه الاخيرة. مهما يكن فان ستالين، بعد اشهر من قيام الدولة العبرية كان مؤمناً بان ثمة مؤامرة صهيونية تدبر ضده، ووصل ايمانه ذاك الى ذروته يوم لاحظ العلاقات المتينة التي بدأت تقوم بين غولدا مائير وبين زوجة مولوتوف. مهما يكن فان مولوتوف، ما ان جرى اعتقال زوجته، حتى خضع لضغط ستالين واعلن انفصاله عنها وكذلك ادانته لها ولتصرفاتها، آملاً من ذلك ان يحفظ ماء وجهه امام زعيمه، وان يحافظ له على مركزه، غير ان ذلك كله لم يفده، اذ ما ان مرت اربعة شهور، حتى كانت اجهزة المخابرات السوفياتية قد بدأت بمراقبته، مع أمل ضئيل من لدن ستالين بان يتمكن من ان يسجّل مأخذاً عليه، لكن مولوتوف كان مخلصاً حقاً لستالين، وكان اخلاصه قديماً، هو الذي اشتهر خاصة منذ كان نائباً عاماً شديد القسوة خلال محاكمة التروتسكيين في سنوات الثلاثين، حيث ارسل الكثير منهم الى المشنقة دون ان يرف له، أو لسيده، جفن. اذن، رغم هذا كله، حلت نهاية مولوتوف، بعد نهاية زوجته، وعرف الغرب في ذلك اليوم من شهر آذار مارس 1949، ان ستالين قد قرر التخلص من مولوتوف الذي نراه من الصورة المرفقة مع ديغول خلال استقباله له في موسكو قبل ذلك بسنوات وانه تخلص منه بالفعل ضارباً عرض الحائط باخلاصه القديم وبتفانيه المشهود.