رأى وزير التخطيط العراقي السابق مهدي الحافظ، أن الدراسة التي أعدتها مجموعة من خبراء البنك الدولي حول الوضع المالي في العراق «تأتي في وقت حساس للغاية بالنسبة إلى تطوير الحياة الاقتصادية في البلاد، وتقدم مساهمة كبيرة لجعل القطاع المالي في جميع اركانه عنصراً مشجّعاً للتغلب على الصعوبات التي تواجه الاقتصاد». وشدد في مقابلة أجرتها «الحياة» معه، ان القيمة النقدية لهذه الدراسة هي أنها تقدم مثلاً طيباً للمعونة الدولية الواجب تطويرها وتوسيعها مستقبلاً، وهي تحوي قضايا وظواهر مهمة يجدر ان تستخلص منها الدروس اللازمة لتقويم المسار المالي للدولة. وأوضح أن الحكومة العراقية أعلنت في شباط (فبراير) 2009 إستراتيجية شاملة للإصلاح المالي والنقدي، أهمها إستراتيجية إصلاح القطاع المصرفي للفترة الممتدة بين عامي 2008 و2012 تضمنت مرحلتين مترابطتين، وتتركز على تحديث النظام المصرفي في شكل خاص. وتستهدف خلاصتها الرئيسة تعزيز المصارف المملوكة للدولة وتحديث الاطار التنظيمي الكامل. ومع ان هنالك تقدم ملحوظ تحقق في المسار المالي والنقدي، كإعادة تشكيل المصرف المركزي العراقي واصدار عملة جديدة وتوسيع نطاق عمل المصارف الخاصة، فإن الجهود لا تزال قائمة لاستكمال مهمة اصلاح القطاع بصورة جذرية. وكان البنك الدولي أصدر تقريراً مهماً حول هذا الموضوع، بناء على طلب رسمي من الحكومة العراقية، بهدف الوقوف على فهم أفضل للقطاع المالي في العراق. وقدم هذا التقرير كل من وزير المال ومحافظ المصرف المركزي العراقيين. ويلاحظ ان التقرير الذي أعدته مجموعة من خبراء البنك الدولي بإشراف الخبيرة المصرية سهر نصر، ركز على محورين رئيسين هما: تقويم الاصلاحات المتخذة بشأن أداء القطاع المالي ورصانته، وتقويم مساهمته في رفع النمو الاقتصادي للبلاد. الاعتماد على النفط وأشار الحافظ الى ان توصيات التقرير تتركز في مهمات جوهرية يمكن اختصارها في إبراز آثار النظام المصرفي على النظام المالي في العراق، مع الإشارة الى سيطرة المصارف الحكومية على معظم اصول القطاع. وأوضح التقرير أن الأداء الاقتصادي والمالي يعتمد في شكل كبير على الصناعة النفطية في البلاد، إذ إن العائدات النفطية تشكل نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ومن شأن تطوير القطاع المالي ان يدعم نمو القطاعات الاقتصادية غير النفطية في البلاد. ولاحظ التقرير توجه المصارف الخاصة لتطوير عملها، بهدف تأمين أداء مصرفي متقدم، لكن هذه الجهود لا تزال في حاجة الى تعزيز وتطوير مستمرين. وهناك سبعة مصارف حكومية تسيطر على القطاع المصرفي، خاصة مصرف الرافدين ومصرف الرشيد والمصرف العراقي للتجارة. ويذكر ان هذه المصارف تملك 86 في المئة من الاصول المصرفية، بالاضافة الى 69 في المئة من القروض، اما المصارف الخاصة فهي صغيرة وضعيفة الامكانات، ويبلغ عددها اربعين مصرفاً. ودعا التقرير إلى اصلاح المصارف الحكومية، خاصة مصرف الرافدين ومصرف الرشيد، وإلى إعادة توزيع ادوار المصارف الحكومية والمصارف الخاصة بما في ذلك «المصرف العراقي للتجارة» الذي تأسس كمصرف تجاري متخصص، لكنه يعمل كمصرف تجاري عام ويقوم بدور مهم في النظام المالي. المصارف وقال الحافظ ان التقرير «شدد على الحاجة إلى اعادة النظر بدور المصارف الخاصة، خصوصاً انها تعمل في بيئة غير متجانسة بالقياس للمصارف الحكومية»، مضيفاً ان «ثمة حاجة إلى ردم ثغرات جوهرية في وضع هذه المصارف». وتابع ان الاسواق المالية تتركز في هيئة الاسواق المالية العراقية، وهي هيئة لا تزال صغيرة وغير متطورة، وان كانت لديها قدرة كاملة للتطور في المستقبل، كما ان قطاع التأمين لا يزال محدوداً، ويخضع لهيمنة مؤسسات تابعة للدولة وغير مشمولة بالرقابة المطلوبة، بالاضافة الى ان البنية التحتية للقطاع المالي لا تزال ضعيفة وتشكل عقبة واضحة امام التمويل. وأوضح ان اصلاح البنية التحتية للمصارف إلى المستوى المطلوب، «يتضمن التسجيل الائتماني وصياغة انظمة قانونية واطر حسابية وتدقيق متقدمة»، لافتاً إلى ان الصناعات الصغيرة والمتوسطة الحجم هي الاخرى غير متطورة جيداً. وأشار إلى ان بعض الدراسات تشير الى ان نحو خمسة في المئة فقط من مشاريع الاقتصاد الرسمية حصلت على قروض مصرفية. وتابع ان الاخذ بتوصيات التقرير سيجعل القطاع المالي اكثر قدرة على النهوض بمهمات الوساطة المالية والمهمات الكبيرة المتعلقة بدعم التنمية الوطنية وحل المشاكل القائمة في الحياة الاقتصادية، الامر الذي يتطلب جهوداً كبيرة ومثابرة من الحكومة والجهات المختصة.