الكتاب: إيرانوفلسطين 1897 - 1937 المؤلف: علي أكبر ولايتي المعرّب: سالم مشكور الناشر: دار الحق - بيروت - 1997 وثائق جديدة تخرج إلى النور لتلقي أضواء كاشفة على حقائق مجهولة في تاريخ فلسطين، وتضع أمامنا معلومات مفيدة عن تطورات عملية تهويد فلسطين منذ اواخر القرن الماضي وحتى ثلاثينات القرن الحالي. الوثائق في كتاب وزير الخارجية الايراني السابق الدكتور علي اكبر ولايتي "ايرانوفلسطين 1897 - 1937" توضح علاقة ايرانبفلسطين منذ أواخر القرن الماضي عبر ممثليتها في كل من القدس وحيفا والقاهرة. وهذه الملفات والوثائق التي اميط اللثام عنها للمرة الأولى في وزارة الخارجية الايرانية، ترفع "الستار عن أوضاع ايران ورجالها السياسيين والدينيين ودورهم وعلاقاتهم في ما يتصل بالموضوع الفلسطيني". والهدف من ذلك كما يشرح المؤلف "المساهمة في كشف الدسائس والمؤامرات التي انتهت بفاجعة فلسطين في قلب العالم الاسلامي...". ويبسط وضع ايران في تلك السنوات العجاف عندما خضعت هي ايضاً للتقسيم بين الروس والبريطانيين، فلم تستطع القيام بدور ما تجاه ما يُدبّر لفلسطين وللمنطقة برمّتها. يلفت المؤلف في التوطئة الى اهمية فلسطين وموقعها السياسي الدولي، فيقول انه كان فيها قبل الحرب العالمية الثانية "ستون مندوباً سياسياً اجنبياً يقيمون في القدس وحيفا وتل أبيب، بينهم 26 مندوباً في القدس وحدها...". وتشير وثائق وزارة الخارجية الايرانية الى ان "المسيو اسكوينج كان يتولى منصب القنصل الفخري لإيران في حيفا قبل العام 1880م، وكان المذكور يعمل في هذه المنطقة تحت اشراف القنصلية الايرانية في مصر. الى ذلك كان كل من انيس جبري وتوفيق عفيفي قنصلين فخريين لإيران في مدينتي يافا وعكا، واستمرا في هذا المنصب حتى عام 1935". وفي الوثائق معلومات تفصيلية عن اوضاع فلسطين الاجتماعية لا سيما سياسات عائلاتها والتنافس القائم بينها كعائلتي الحسيني والنشاشيبي، ومجريات هذا التنافس والاخطار التي جلبها على فلسطين. يقسم المؤلف كتابه الى سبعة فصول، يعرض في الاول منها الفكرة الصهيونية وتأسيس مدارس الأليانس اليهودية في بغداد ثم مدّ هؤلاء نفوذهم الى ايران، فتأسست فيها العام 1896 اول مدرسة يهودية تحت اسم "بني اسرائيل اليانس". ثم تفرع عن هذه المدارس مدارس اخرى ناشطة، رعاها وأشرف على نشاطاتها السفارة الفرنسية في طهران التي كانت تمدها بكل انواع العون والمساعدة لتوسيع نشاطاتها مستغلة ظروف الاضطراب الداخلي. وهذا الأمر دفع مدراء تلك المدارس للتدخل في الشؤون الداخلية لإيران، كما منعت "الأليانس" مفتشي المعارف من ممارسة اعمالهم. وزاد الطين بلة تدخل هذه المدارس في مختلف نشاطات اليهود على كل الاراضي الايرانية، وممارسة الضغوط على اليهود الايرانيين للهجرة الى فلسطين بعد مؤتمر بال العام 1897. الفصل الثاني "فلسطين في أوائل القرن العشرين" يعرض لانكماش ايران على اوضاعها الداخلية بسبب كثرة مشاكلها وخمول ديبلوماسيتها الخارجية لا سيما في بلاد الشام، ويعتمد المؤلف على وثائق ممثلية ايران في القاهرة لتوضيح هذه الفترة من تاريخ فلسطين. ويشير إلى وثائق تتحدث عن قيام بعض اليهود في كل من العراقوإيران بجمع الليرات الانكليزية لتمويل شراء اراضي الفلسطينيين، والمساعدة المكشوفة التي قدمها الانكليز لليهود لترسيخ نفوذهم وكيف ان الشعب الفلسطيني برمّته "من مسلمين ومسيحيين يعارضون اليهود وتشكيل كيان لهم في فلسطين". في هذه الظروف انعقد مؤتمر القاهرة العام 1921 للمسؤولين السياسيين والأمنيين البريطانيين في منطقة الشرق الادنى. "هذا المؤتمر الذي لم يُنشر عنه إلا القليل من المعلومات، شكّل منعطفاً مهماً في السياسة الخارجية البريطانية، ولا نبالغ اذا قلنا ان التاريخ الجديد للشرق الاوسط بدأ من هذا المؤتمر". وبحثت في المؤتمر مواضيع مناطق ما بين النهرين والجزيرة العربية وفلسطينوإيران، وكنتيجة لهذا المؤتمر، عيّن الشاه الإيراني ممثلاً جديداً في فلسطين على دراية تامة بأمورها الداخلية، وقد أوضح في احد تقاريره عدد اليهود الايرانيين الكبير في فلسطين وإمكان العمل لعدم تلاشيهم في "بحر الصهيونية". في الفصل الثالث "مرحلة ترسيخ الصهيونية في فلسطين" يعرض المؤلف للصدامات بين "المسلمين واليهود" في إيران والتي كانت من "تدبير أياد توخت تسخيرها بمساعدة السفارات الاجنبية لإثارة الرأي العالم لمصلحة الصهيونية". تلك الصدامات وقعت في حارة اليهود في طهران "وانتهت بتدخل الشرطة، إلا أنها كانت بمثابة الفتيل الذي اشعل سلسلة صدامات دينية" دفعت اليهود للهجرة الى فلسطين. وسبّب ذلك - كما تقول التقارير الإيرانية - مشكلة اقتصادية واجتماعية في لإيران. وتناول الفصل الرابع "إيران وقضية فلسطين في عصبة الأمم" انضمام إيران إلى عصبة الأمم ودورها الضعيف فيها، ولجنة الوصاية على سورية ومن ضمنها فلسطين والموافقة على انشاء "وطن قومي لليهود" في فلسطين، والاشتباكات التي حصلت العام 1928 بين الفلسطينيين واليهود في القدس وأطلق عليها اسم "حادثة البراق الشريف" وفيها وقف الانكليز موقف المتفرج. تلك الحادثة أدت الى انعقاد مجلس العصبة، لكن خلافات الدول الاسلامية الأعضاء دفعت مجلس العصبة الى عدم اختيار أي من ممثلي الدول الاسلامية لعضوية اللجنة الخاصة بفلسطين. "الأبعاد الداخلية والخارجية لقضية فلسطين" عنوان الفصل الخامس وفيه يشرح اسباب التنافس الذي قام بين العائلات الفلسطينية ودور الاحزاب الفلسطينية السلبي، وعدم وجود قائد واحد تلتف حوله كل فلسطين. كما يستعرض اوضاع الدول الاسلامية خلال الحربين العالميتين وموافقة قادة ايران على ايجاد دولة يهودية في فلسطين ما يشكل "عائقاً كبيراً امام تأسيس امبراطورية او اتحاد عربي..." كما جاء في اقتراح لمسؤولي وزارة الخارجية الايرانية. في الفصل السادس يعرض لدور علماء الدين الشيعة في قضية فلسطين، ودعوة علماء النجف لتحرير فلسطين والوقوف سداً واحداً ضد مشروع تقسيم فلسطين الى دولتين، ومطالبة العلماء بانعقاد مؤتمر اسلامي وإصدار فتوى للجهاد في فلسطين. وفي الختام يقدم جوانب من فصول "المقاومة" عندما واجه أهالي بلاد الشام المؤامرات والدسائس وعمليات التهويد. ويعرض لشخصية ثورية لعبت دوراً بارزاً في هذه المواجهات، هو الشيخ المجاهد عزّالدين القسّام، الذي نظّم مجموعات المجاهدين ونفذ عمليات مميزة. ويروي تقرير قنصلية ايران في فلسطين تفاصيل استشهاد القسّام العام 1935 وردود الفعل الفلسطينية واليهودية والانكليزية والاثر الذي تركه في تاريخ فلسطين الحديث. ويختم المؤلف كتابه بالقول "ان مخطط الصهاينة بعيد المدى، ويستهدف الهيمنة الشاملة على الشؤون السياسية والاجتماعية للعالم الاسلامي، والقضاء على الفكر الاسلامي، وهدم صروح الحضارة الاسلامية السامية". ويضمّن الكتاب عشر رسائل متبادلة بين الشريف حسين ومكماهون وصك الانتداب على فلسطين الصادر العام 1922.