تعيش جاغوار في السنوات الحالية منعطفاً مهماً في تاريخها، يمتزج فيه التفاؤل برعشة لا تقترن بالضرورة بأية أبعاد خطرة. فبإعلان الحكومة البريطانية أوائل الشهر الماضي تقديم دعم قيمته 43 مليون جنيه إسترليني نحو 70 مليون دولار أميركي لإقناع فورد موتور كومباني مالكة جاغوار منذ 1990 بإنتاج موديل جاغوار المقبل في بريطانيا، ضمنت الماركة إنتاج موديلها المعروف برمز "إكس 400"، والموجه الى قطاع السيارات المتوسطة-الكبيرة D segment، في مصنع فورد الإنكليزي في هايلوود، لينزل الى الأسواق في أوائل 2001 فينافس موديلات مثل آودي "آي 4" ومرسيدس-بنز "سي" وهوندا "أكورد" وغيرها. لكن قبل "إكس 400"، ستُطلِق جاغوار أوائل 1999 موديلاً آخر يعرف حتى الآن برمز "إكس 200" سيُعرض في برمنغهام الخريف المقبل، للمنافسة في قطاع السيارات الكبيرة E segment مثل مرسيدس-بنز "إي" وآودي "آي 6" وليكزس "جي إس 300" وهوندا "ليجند". وستنتج سيارة جاغوار هذه في إنكلترا أيضاً، في مصنع الشركة في كاسل برومويتش في منطقة برمنغهام. بمعنى آخر ستتحوّل جاغوار من صانع سيارات صالون "إكس جاي" المنتمية الى القطاع الفخم العالي F segment ويضم موديلات مثل مرسيدس-بنز "إس" وليكزس "إل إس 400" وآودي "آي 8"، وكوبيه وكابريوليه "إكس كاي 8" في قطاع السيارات الرياضية الفخمة، الى منتج سيارات من قطاعَين إضافيين لينمو إنتاج الشركة بنسبة تناهز خمسة أضعاف الإنتاج الحالي: من 43775 سيارة في 1997 الى 200 ألف سيارة في 2001. لكن هذا الجانب المشرق سيحمل في طياته بعض التحديات، منها ما تم تخطيه ومنها ما سينتظر رد فعل الجمهور. فهل هي جاغوار غير الماركة الوحيدة التي لا تزال تمثّل شخصية السيارة الإنكليزية بمقصورتها الغنية بالخشب والجلد والكروم، الى تميّز وضعية الجلوس المتدنية بعض الشيء لتشعر بأنك مزنّر فعلاً بأناقتها، الى هويتها الخارجية في تصميم الهيكل كحيوان مستعد للوثوب، الى نُبل محركّاتها الجديدة بأسطواناتها الثماني؟ لكن، إن جاء من يقول أنها ستنتج في أحد مصانع فورد الأميركية في أوهايو، هل ستنظر إليها النظرة ذاتها؟ تلك إجابة تتطلّب تفكيراً عميقاً، على الأقل لمن يحب هذه الماركة فعلاً. لذلك فإن نجحت مساعدة الحكومة البريطانية بنحو عشرة في المئة من كلفة مشروع "إكس 400"، في إقناع فورد بإنتاج السيارة في إنكلترا وليس في الولاياتالمتحدة أو حتى في أحد مصانع الشركة في ألمانيا، لا بد من التساؤل عن مدى إقتناع فورد من الأساس بصواب إنتاج جاغوار خارج إنكلترا، وعدم إدراكها سلفاً بمخاطر أمركة ماركة إنكليزية عريقة لا يقل عمرها عن 75 عاماً. أليست لدى فورد ماركتها الفخمة لينكولن في الولاياتالمتحدة؟ فما لها من "جاغوار أميركية" قد لا تفيدها بأكثر من "تهريب" زبائن الماركة الإنكليزية الى ماركات أخرى... قد تكون أوروبية أخرى أو يابانية؟ هنا تتوقّف المسألة الإنكليزية في جاغوار. فصحيح أن "إكس 200" و"إكس 400" ستحظيان بتصميمين خارجي وداخلي من جاغوار نفسها، وفي إنكلترا، لكن الصحيح أيضاً هو أن قاعدتَي هاتين السيارتين ستكونان مشتركتَين مع موديلات أخرى ستسوّقها فورد تحت تسميات جاغوار وفورد وميركوري بالنسبة الى "إكس 400"، ومع لينكولن أيضاً في ما يختص ب"إكس 200". جاغوار أو فورد؟ إنكليزية أو أميركية؟ وما يمنع جاغوار من أن تكون كل ذلك في وقت واحد، إن لم يكن لبقائها بد من ذلك؟ وفوق ذلك، إن تشاركت "إكس 200" بقاعدة "ديو 98" DEW 98 مع موديلات أخرى من فورد وميركوري ولينكولن، ثم تشاركت "إكس 400" بقاعدة مشتركة مع فورد "مونديو"/"كونتور/ميركوري "ميستيك"، فهذا لا يعني حكماً تشابه هذه السيارات في ما بينها. هناك الألواح الخارجية وتصميم المقصورة اللذان يميّزان أولاً بين الموديلات ولو رُكّبت على القاعدة ذاتها، خصوصاً إن لم يبخل الصانع في بعض التفاصيل كتركيب أزرار أو عدّادات مشتركة مثلاً. هناك أيضاً خيارات المحرّكات وعلب السرعات التي تمكن برمجتها بأنماط أداء مختلفة الى حد بعيد بين فئات هذه الماركة وتلك، ناهيك بإمكان خص الماركات العريقة بأرقى المحرّكات وأكبرها وأقواها. أنظمة التعليق أيضاً قابلة للضبط في معايير مختلفة، لا سيما عندما يتوافر فيها خيار ضبط إلكتروني تمكن برمجته بسهولة لتمييز أدائه بين الماركات، ولو بقيت قواسم مشتركة معيّنة بين موديلات القاعدة المشتركة. فوق ذلك هناك معاملة الزبون لدى الموزّع، والتي يمكن أن تبقى مختلفة بين الماركات. طبعاً، سيكون هناك دائماً فريق لا يرى إلا النصف الفارغ من الكوب، أو المليء. لكن ثمة أمثلة قواعد مشتركة لا تخيّب الأمل على الإطلاق، وأبرزها تلك المعتمدة في عدد من موديلات مجموعة فولكسفاغن. يصعب التشكيك مثلاً بنخبوية ماركة آودي تابعة لمجموعة فولكسفاغن، أو بروعة قيادتها وجودتها حتى أدق التفاصيل، ناهيك بريادتها التقنية بين أهم الصانعين في العالم. مع ذلك، فبإستثناء قاعدة "آي 8" الفخمة العليا، تبقى قواعد موديلاتها الأخرى مشتركة مع موديلات أخرى تباع تحت تسميات فولكسفاغن... وحتى سيات أو سكودا. تضع هذه السيارات جنباً الى جنب، أو تقودها الواحدة تلو الأخرى فتشعر أنك في عوالم مختلفة عن بعضها. وينطبق الأمر على ساب التي تعتمد قاعدة موديل أوبل "فيكترا" في موديليها "3-9" و"5-9" ممدودة في الأخيرة. وقد تكون هنا تحديداً ضربة المعلّم التي سددها كل من البريطاني إليكس تروتمان الرئيس التنفيذي لشركة فورد والأسترالي اللبناني الأصل جاك نصر رئيس عمليات السيارات لدى فورد ورئيس فورد أوروبا. فبإنتاج موديلَي جاغوار المقبلين في إنكلترا، أهديا البريطانيين وغيرهم ممن تستهويهم إنكليزية جاغوار تحديداً كل ما يريدونه، بما في ذلك 2900 وظيفة مباشرة جديدة عدا عن الوظائف غير المباشرة لدى منتجي القطع. وبإعتماد قواعد مشتركة بين موديلاتهم المختلفة، يهدون حاملي أسهم شركة فورد العائدات الكافية لإحتفاظهم بأسهم تزداد قيمتها مع زيادة أرباح الشركة. وبين من قد يبكي على فرادة موديلات جاغوار الماضية، ومن سيفرح بتلك السياسة التي ستسمح بإستمرار شركة عريقة بدأت بتسمية سوالو سايدكار، أو "إس إس" لإنتاج الدراجات النارية والمركبات المحاذية لها، قبل التحوّل الى السيارات في الثلاثينات وتغيير التسمية الى جاغوار بعد الحرب العالمية الثانية بسبب رمزية "إس إس" المؤلمة منذ أيام النازية، لا بد من الإشارة الى أن فورد لم "تغتصب" جاغوار في نهاية المطاف، بل أنقذتها من تبعات أخطاء التوجيه والدمج التي أوصلتها، مع ماركات أخرى مثل روفر، الى الإختيار بين أحضان الصانعين الأجانب... أو الإندثار. وللأصوليين من محبي إنكليزية جاغوار البحتة، قد يمثّل صالون "إكس جاي 8" وكوبيه وكابريوليه "إكس كاي 8" قيمة إستثنائية لليوم أو المستقبل، على الأقل عاطفياً، فهما آخر موديلين مبنيين على قاعدتَين مصممتين لدى جاغوار قبل إنضمامها الى فورد. فقاعدة صالون "إكس جاي 8" الحالي إكس 300 هي تطوير لقاعدة الجيل السابق، ولو بنسبة كبيرة، بينما تأتي "إكس كاي 8" إكس 100 على قاعدة مطوّرة من تلك التي أطلِقَت عليها "إكس جاي إس" الماضية في 1975 وقاعدة "إكس كاي 8" مستخدمة أيضاً في أستون مارتن "دي بي 7". أهم ما في الأمر هو تمني بقاء تميّز جاغوار، وبإنكليزيتها تصميماً وإنتاجاً، لأن بانوراما السيارات العالمية يحتاج الى جاغوار في عداده. قد لا تصاب صناعة السيارات بحالة كآبة مزمنة إن إنطفأ في السنوات القليلة المقبلة إسم مثل رولز رويس. لكن هل يمكن قول الشيء ذاته في جاغوار؟ فإن أحب الثري رولز رويس وهابها الفقير، بقيت جاغوار قريبة من جعب الشرائح الثرية الى المتوسطة الدخل، والى قلوب من يستطيعون إقتناءها في الواقع... أو في المخيّلة على أمل يوم ما!