أكثر ما يُلفت في الماركات التي إشترتها مجموعة فولكسفاغن الصيف الماضي هو إلتقاؤها كلّها في صفة واحدة: ليست أي منها ماركة مبيعات ضخمة، بل لكل منها موقعها النخبوي بين أرقى ما عرفته أسماء ماركات صناعة السيارات، من رولز رويس ستنتقل الى بي إم ف مطلع 2003 الى بينتلي ولامبورغيني وبوغاتي، مروراً بقسم كوزوورث لأبحاث المحرّكات وإنتاجها. وما تلك "المشتروات" إلا إنعكاساً منطقياً لهدف فردينان بيش، رئيس مجموعة فولكسفاغن التي تضم، الى جانب الماركات المذكورة، كلاً من آودي وسيات وسكودا: ليست أولوية مجموعة فولكسفاغن اليوم زيادة حجم المبيعات بقفزات مفاجئة بضم ماركات ضخمة الإنتاج، فهي المجموعة الأولى أوروبياً والرابعة عالمياً، بل تغيير صورة المجموعة ككل، لينعكس التحوّل على كل من ماركاتها في مجال تخصصها. ألا تهتم المجموعة في زيادة حجم المبيعات؟ طبعاً تهتم، لكن الطريق التي تسلكها فولكسفاغن لتحقيق ذلك تبدأ من رفع شأن ماركاتها الشعبية فولكسفاغن وسكودا وسيات تحديداً، لزيادة قيمة كل منها، وهامش الربح بالتالي، ثم التوسّع حجمياً ما أمكن. ففي نهاية المطاف، لا يبدأ حملةُ الأسهم بسؤال إدارة شركاتهم سنوياً: "كم سيارة بعنا في السنة الأخيرة"... بل "كم سنربح بالسهم الواحد"؟ ومن منظار تغيير صورة ماركات فولكسفاغن تدخل تحديداً آودي "آر 8" الرياضية. فهي تعكس النقلة التالية لماركة آودي التي عُرِفَت حتى الآن بعلامات محددة ثلاث: نخبوية توجه موديلات الصالون لديها، ورياضية عدد من تلك الموديلات، وتحديها صيغة الدفع الخلفي لدى منافستيها الرئيسيتين مرسيدس-بنز وبي إم ف، بإقتراح خيارَي الدفع الأمامي أو الرباعي كواترو. النقلة التالية؟ التوغل أكثر في المجال الرياضي، لإفساح هامش حركة أوسع لماركة فولكسفاغن نفسها في المجال النخبوي الرزين. فمشروع بيش يقضي بتحويل فولكسفاغن الى ماركة منافسة لبي إم ف ومرسيدس-بنز وغيرهما من الماركات النخبوية، ما يقضي بتحرّك آودي بعض الشيء نحو صورة أكثر رياضية. لذلك مثلاً، عندما إشترت مجموعة فولكسفاغن ماركةَ لامبورغيني في تموز يوليو الماضي، لم تضمّها إلا الى شركة آودي، في مقابل ضم الماركات الأخرى تحت جناح مجموعة فولكسفاغن ككل. هل ستتقاطع توجهات ماركات المجموعة لتتآكل مبيعات بعضها بالتالي، مع وقوع آودي ضحية تقدّم ماركة فولكسفاغن ذاتها الى ميدان الفخامة التي بقيت من إختصاص الأولى وحدها في المجموعة حتى الآن؟ ليس بالضرورة، فمشاركة آودي في سباق 24 ساعة لومان في حزيران يونيو المقبل بسيارة "آر 8" في الصورة العليا تدل تحديداً على إنتقال الماركة من صورة رياضية الى أخرى أكثر نخبوية ولو بقيت رياضية، وإلا، لماذا لم تختَر آودي الراليات التي عرفت فيها نجاحات كبيرة في الثمانينات مع موديلات "كواترو"؟ بكل بساطة، لأن الصورة الرياضية التي تعود بها المشاركة في الراليات هي صورة رياضية "شعبية" التوجه، كالتي تحصلها موديلات فورد أو ميتسوبيشي أو تويوتا وغيرها، بينما ستتحوّل صورة آودي الرياضية، بإنتقالها من عالم الراليات الى سباقات 24 ساعة لومان، من منافسة لماركات شعبية التوجه، الى منافسة مرسيدس-بنز وبورشه وجاغوار. وأين سيقع الخط الفاصل بين آودي ولامبورغيني في تلك الحالة؟ يُستبعد جداً حصول أي تقاطع بين الماركتين المختلفتين جذرياً في توجه موديلاتهما، وفي تسعيرهما، وفي حضارة كل منهما. ما يُرجّح حصوله هو تحول آودي الى نوع من "المجموعة الرياضية" ضمن مجموعة فولكسفاغن، فتصبح راعية الماركات أو التوجهات الرياضية العالية في المجموعة، بينما تبقى رياضية الراليات لماركات مثل سكودا وسيات تحت مظلّة ماركة فولكسفاغن... ما يفسح مجالاً للمراهنة على إمكان دخول ماركة فولكسفاغن نفسها ميدان فورمولا واحد في وقت قريب للعب أيضاً في ميدان الريادة التقنية مع بي إم ف وهوندا العائدة وبيجو وربما جاغوار ممثلة فورد في تلك الحالة، ومرسيدس-بنز التي قد تترك المسابقة بعد 2002 وغيرها. وبتحوّل آودي الى "المجموعة الرياضية" ضمن مجموعة فولكسفاغن ككل، ستمثّل لامبورغيني أثمن ما يمكن الحصول عليه من عالم تخصص آودي، أو المرادف الرياضي لما ستمثّله نفاسة مايباخ لدى ديملركرايسلر، أو رولز رويس لدى بي إم ف في 2003 وبوغاتي لدى فولكسفاغن، أو بتعبير آخر: أغلى المتوافر والأقل إنتاجاً. يبقى أن التوسّع الصناعي، كأي توسّع آخر، يشبه إعداد الولائم الكبرى. وكل ما يتمنّاه المرء لبيش ولمسوّقي ماركاته هو قدرة هضم الأسواق لكل تلك "الأطباق"، وخصوصاً تمييزها عن بعضها بوضوح. فالمبالغة في الإنتشار لا تُنهك من يتم الإنتشار على حسابهم فقط، بل خصوصاً "الجيوش" المنتشرة ذاتها. حتى جيش بونابرت لم يهزم فعلياً في واترلو، بل في روسيا التي أنهكت "طموح" إمبراطور أوصله هاجس حماية أسوار باريس... الى موسكو. لكن بيش لا يحتاج الى العودة الى أوائل القرن التاسع عشر: آباء "سيارة الشعب" أنفسهم سمعوا بالبرد الروسي ذات يوم.