توقع وزير الخارجية المصري السيد عمرو موسى أن تركز المبادرة الأميركية المتوقعة في شأن عملية السلام للشرق الأوسط على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي حصراً. وقال في حديثه الى "الحياة" إنه على رغم كل الجهود والاتصالات في الأشهر الماضية لم تحرك عملية السلام الى أمام انما "يجب ألا نقول للأوروبيين مثلاً في هذه المرحلة ان لا فائدة من عملهم أو للأميركيين ان لا فائدة من مبادرتهم. فلنتركهم يبادرون ولنرَ ما هو رد الفعل. ثم سنصل الى لحظة ما قد تؤدي بنا الى القول: لا فائدة. ولا بد من البحث عن بدائل". وهنا نص الحديث: أي دور يمكن للأمين العام كوفي أنان ان يؤديه ما دامت الأممالمتحدة مستبعدة عن عملية السلام؟ - نحن نرحب بالأمين العام باعتباره الشخص الأول في النظام الدولي الذي يستطيع ان يتحدث باسم الجميع خصوصاً بعدما أظهر قدراته ومهارته وتوصل الى اتفاق جيد مع الحكومة العراقية تم بمقتضاه تجنب كارثة كان يمكن ان تحل بهذه المنطقة اذا استخدم الخيار العسكري. ونتيجة نجاح كوفي انان استعادت الأممالمتحدة الثقة بها وبدورها وبأنها ليست منظمة هامشية أو مهمشة وتستطيع، خصوصاً حين تدلهم الأمور، ان تتدخل وتحدث فرقاً. وبالنسبة إلى موضوع السلام في الشرق الأوسط، فإن الأممالمتحدة لم تكن خارجة أبداً. فهي تمكنت من تعبئة الرأي العام العالمي السياسي في مواضيع مثل الاستيطان وحق تقرير المصير وموضوع اللاجئين وأي موضوع يتعلق بالسلم والأمن الدوليين. وموضوع السلام في الشرق الأوسط مرتبط تماماً بالسلم والأمن الدوليين وهو من اختصاص الأممالمتحدة… فدور الولاياتالمتحدة لا ننكره، بل نراه ضرورياً. إلا أن هذا لا يقدح بدور الأممالمتحدة لأنها الاطار العام والأساسي والنهائي الذي يجب ان تتم في اطاره واطار مبادئه وقراراته عملية السلام. قال كوفي أنان ان لا مجال للكلام عن "الازدواجية" الذي يكرر في العالم العربي ذلك لأن القرارات المعنية بالعراق تم تبنيها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة بينما القرارات في شأن اسرائيل ليست كذلك. أتوافقونه الرأي؟ - الأمين العام يتحدث من الناحية الفنية عن الفرق بين قرارات صدرت بموجب الفصل السابع وأخرى بموجب الفصل السادس. لكن الانطباع العام والشعور العام في هذه المنطقة هو ان هناك كيلاً بمكيالين. وهذا لا يُطبَّق على أساس حرفية القرارات وانما لأمور يعيشها الرأي العام هنا. يعني ان هناك تحدياً من جانب السياسة الاسرائيلية لقرارات واتفاقات عقدت. وهو نفس ما وُجِّه الى الرئيس العراقي صدام حسين. هل يتجاهل الأمين العام النواحي السياسية والقانونية بتركيزه على الناحية الفنية؟ - لا أريد ان أقول ان الأمين العام يتجاهل هذا لأنه يتحدث من وجهة نظر قانونية وفنية بحتة عن الفرق بين قرارات يتم تبنيها بموجب الفصل السابع أو السادس. ولا أريد ان أوجه أي كلمة تعتبر نقداً للأمين العام. فنحن نؤيده ونرى ان موقفه يتطلب التأييد والدعم الكاملين. حتى في التمييز؟ - الأمين العام لم يميّز لأن القرار 242 مثلاً قرار واجب الاحترام. ولا يمكن ان يكون الأمين العام في بيانه هذا يقول ان هناك قرارات تتوجب الاحترام والتنفيذ وأخرى لا. ان كافة القرارات واجب تنفيذها، وما كان يتكلم عنه هو آلية فرض التنفيذ. ما هي أولويات الملفات التي تطرحها مصر مع الأمين العام أثناء زيارته للقاهرة؟ - سيتم التشاور معه في عملية السلام، سنتكلم عن موضوع الاستيطان وتقرير المصير والسلام عموماً والتهديدات الموجهة لعملية السلام. وهذه التهديدات تعني ان المنطقة قد تعود الى نقطة الصفر وهو ما يهدد السلم والأمن الدوليين. وهنا، لا يمكن اعتبار الأممالمتحدة خارجة عن ذلك. لذلك، سيكون الحديث طويلاً مع الأمين العام، وأعتقد ان الرئيس حسني مبارك سيتحدث معه في هذه الأمور على أساس دور الأممالمتحدة في استقرار المنطقة وفي التوصل الى سلام ، خصوصاً في وجه التحديات القائمة. الولاياتالمتحدة حرصت على استبعاد الأممالمتحدة عن عملية السلام. ما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به الأممالمتحدة؟ - لك الحق. لو كانت عملية السلام نشطة، ويتحدث ويتفاوض الأطراف فيها مع بعضهم، فهو غاية المراد. لكن عملية السلام نفسها في حال موت وقد تنتهي بسبب التعنت. في حال الانتهاء هناك تهديد للاستقرار في المنطقة وللسلم والأمن الدولي. وهنا يأتي دور الأممالمتحدة. تقصد عبر مجلس الأمن المعني بصون السلم والأمن الدوليين؟ - لا أدخل الآن في تفاصيل من هذا الشكل اقتصر في اجابتي على ما قلته. بعد ذلك، لكل حادث حديث. ماذا تتوقعون من الأمين العام في زيارته للأراضي المحتلة واسرائيل. هل ستحضونه على زيارة مستوطنة هار حوما في جبل أبو غنيم كما فعل وزير خارجية بريطانيا روبن كوك؟ - الأمين العام عنده ولاية من الأممالمتحدة بقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ضد المستوطنات فالأمر لا يحتاج الى حض. وهو في زيارته الى الأراضي المحتلة واسرائيل يمثل الأممالمتحدة التي أصدرت قرارات بينها القرار الرقم 242 الذي أقر مبدأ "الأرض في مقابل السلام"، وقرارات تعتبر المستوطنات اجراء غير قانوني، وقرارات تعطي للاجئين حقهم بالعودة أو التعويض، وقرارات خاصة بالقدس. كل هذه القرارات ستشكل مراجع الاستناد للأمين العام. وهذه مسألة لا تحتاج منا موقفاً. فهو الأقدر على تقدير هذه الأمور. وفد فلسطين لدى الأممالمتحدة لفت نظر كوفي أنان الى ضرورة تجنب ما يجعله مشاركاً في الاحتفالات الاسرائيلية في القدس لما ستنطوي عليه من مساهمة الأمر الواقع في التصديق على اعتبارها "عاصمة" لإسرائيل. هل لديكم مخاوف مشابهة؟ - نعتبر ان كوفي أنان يفهم تماماً هذه الأمور وأبعادها فهو يمثل الأممالمتحدة والمجتمع الدولي الذي قرر عدم شرعية ضم القدس. وعندما يزور القدس، حسب تحليلي، فإنه يزورها باعتباره يحمل قرارات الأممالمتحدة الخاصة بالقدس، وهي قرارات ملزمة. هذه القرارات تؤكد ان احتلال القدسالشرقية غير مشروع، وضمها غير مشروع، وانها موضع تفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ومن ثم، فإن وضعها معلق. يكثر الكلام عن أفكار اوروبية وأخرى للأمم المتحدة وأخرى أميركية لانقاذ عملية السلام. مصر تشبه "المطبخ" لدى كثير من المعنيين في هذا الاطار. هل لديكم أفكاركم. والى أين تتجه كل هذه "الأفكار"؟ - كما ذكر وزير خارجية بريطانيا، روبن كوك، أول من أمس هنا في القاهرة انه بصفته رئيس الاتحاد الأوروبي، تحدث وتشاور مع وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت والتشاور مستمر بين الأوروبيين والأميركيين بالنسبة إلى الخطوة المقبلة نحو ما يسمى بالمبادرات، سواء كانت مبادرة أميركية - وهذا ما نتوقعه - أو أوروبية في حال عدم وجود مبادرة أميركية. المشاورات مستمرة ونحن طرف فيها سواء مع الجانب الأميركي أو الأوروبي أو بين العرب. المشكلة تكمن في السياسة الاسرائيلية وردود فعلها غير المطمئنة. فالسلام الذي تتحدث عنه مختلف عن الذي يتحدث عنه الجميع، ولا يمكن قبوله لا عربياً ولا منطقياً. لذلك ان الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع المقبلة ستكون حاسمة في كثير من الأمور الخاصة حين نصل الى الحد الزمني المتفق عليه في اتفاق الخليل حزيران يونيو 1998. فإما ان يثبت ان الحكومة الاسرائيلية لا تولي قيمة لأية اتفاقات حتى تلك التي وقعتها في شأن الخليل، أو انها تنفذ الالتزامات في اطار الاتفاق الانتقالي، حتى يمكن ان نصل الى مفاوضات المرحلة النهائية. كل هذا يجعل من الضروري ان تكون هناك مبادرات لدفع الأمور من خلال المشاورات المكثفة حالياً. ودفع الأمور يعني التحدث الى الحكومة الاسرائيلية في ضرورة التنفيذ. الجهود الدولية المبذولة منذ أشهر، بما فيها الجهود الأميركية، لم تنجح في تحقيق الوقف الموقت لبناء المستوطنات. فأي مبادرات وأي محاولات؟ - لك الحق. وأنا لا أستطيع ان أتحدى ما تقولينه. وصحيح، ان كل الاتصالات التي تمت لم تؤد الى نتيجة. انما أيضاً، يجب ألا نقول للأوروبيين مثلاً في هذه المرحلة ان لا فائدة من عملهم أو للأميركيين ان لا فائدة من مبادرتهم. فنلتركهم يبادرون ولنر ما هو رد الفعل. ثم سنصل الى لحظة ما قد تؤدي بنا ان نقول: لا فائدة. ولا بد من البحث عن بدائل. وهي؟ - لن نبحث فيها الآن. القرار الرقم 425 بات موضع بحث مستفيض بسبب محاولة الاسرائيليين تنفيذه بشروط غير مقبولة للبنانيين والسوريين. هل في الطروحات القائمة من مجال للتنفيذ؟ - طُرح القرار ال 425 من اسرائيل بأكثر من لغة وتفسير وليس في الطروحات الأخيرة جديد. موقفنا في مصر هو تأييد الموقف اللبناني تماما… والقرار ال 425 لا يستلزم مفاوضات. تلك "المبادرة" الأميركية الآتية التي لا بد انكم على اطلاع عليها، هل تتعلق بالمسار الفلسطيني - الاسرائيلي حصراً؟ - نعم. انها خاصة بالمسار الفلسطيني. فالمسار السوري مجمد اذن؟ - ليس مجمداً. انما لا يوجد طرح قُدّم الى السوريين يأخذ في الاعتبار ضرورة الانسحاب من كل أراضي الجولان واستئناف المفاوضات حيث توقفت… وان أي تسوية غير عادلة وغير متوازنة لن تستقر ولن تستمر. طالما ان رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو أوضح انه على غير استعداد للتوصل الى التسوية العادلة والمتوازنة، فلماذا لا تكفون عن تسويق عملية سلام وصفتها بأنها شبه ميتة؟ ما الخطأ في الانتظار، بدلاً من التسويق، الى حين اتخاذ الرأي العام الاسرائيلي موقفاً من حكومته؟ - في هذا المنطق بعض الصحة وبعض الخطأ. الخطأ هو استخدام عبارة تسويق عملية السلام. فلا أحد يسوق عملية السلام بهذا الشكل المشوَّه الذي وصلت اليه. وهذا اتهام خاطئ. فنحن العرب لا نسوّق عملية السلام بشكلها اليوم، ولا يمكن لنا تسويق هذه العملية الجاري تشويهها. الخطأ الآخر يكمن في الدعوة الى ترك الأمور. فهذه غاية المنى للجانب الاسرائيلي. انما يجب ان نتحرك بحثاً عن بدائل. فليست كل البدائل سيئة. بإمكاننا التشاور فيها جميعاً. فنحن لن نترك هذه الأراضي وهذه القضية لتسمم الأجواء مرة اخرى. ذكرت التشاور بحثاً عن بدائل. وأنت منذ سنتين تتحدث عن تفاؤل بتنسيق عربي ليؤدي الى قفزة في التعاون والتنسيق بين الدول العربية. هل ما زلت على تفاؤلك أم انك أصبت بخيبة أمل؟ - لم أكن متفائلاً ولست متشائماً. ذلك لأن هناك الآن حداً أدنى من العمل العربي أصبح واضحاً، ولأن الرأي العربي الآن لا يسمح باللعب على حساب المصالح العربية. وهذا الرأي العربي لا يسمح بمواقف تتخذ بصرف النظر عن واقع الأمور وحقائقها. وبالتالي يوجد حد أدنى أصبح موجوداً في العمل العربي وهو مطمئن بعض الشيء. هناك الكثير مما نريده، سواء من ناحية خلق المصالح الاقتصادية العربية المشتركة، أو موضوع السلام، أو موضوع العراق أو السودان أو ليبيا. صحيح ان هناك أموراً عدة تتطلب "تظبيط"، انما على الأقل هناك حد أدنى مطمئن. وأني أشير الى ردود الفعل بالنسبة الى العراق، وبالنسبة إلى المؤتمرات الاقتصادية الاقليمية بغض النظر عن التقدم في عملية السلام. واذا عدنا الى قرارات القمة العربية الأخيرة في القاهرة في حزيران يونيو 1996 لوجدنا ان هناك تنفيذاً والتزاماً بدرجة لا بأس بها، وهذا جيد.