ثلوج غير معهودة مطلع الربيع غمرت موسكو وأدت الى اختناقات مرورية لبضع ساعات، إلا انها لم تهدئ روع السياسي الروسي فلاديمير جيرينوفسكي بطل "الصرعات" الكثيرة الذي عطل عمل البرلمان ونظم "حمّاماً" لزملائه النواب برش المياه والبصاق في وجوههم. وزعيم الحزب الديموقراطي الليبرالي اشتهر بپ"أسلوبه" في التعامل السياسي، فمرة يجر نائبة في البرلمان من شعرها، وأخرى يضرب صحافية، وثالثة يقدم سيناريوهات عن "مؤامرات الامبريالية الأميركية" ضد روسيا و"رمزها"… جيرينوفسكي. وفي اجتماع عقده مجس الدوما أول من أمس الأربعاء وتوافق مع العواصف الثلجية والمغناطيسية التي يقال انها تؤثر في الحالة العصبية انفجر جيرينوفسكي غيظاً عندما رفض رئيس المجلس غينادي سيليزنيوف تغيير جدول الأعمال المثبت أصلاً. ورداً على اتهام جيرينوفسكي لسيليزنيوف شيوعي بأنه "عميل للكرملين" واعرابه عن الأسف لأنه لا يحمل مسدساً ليسكته منعه رئيس المجلس من الكلام يوماً واحداً. هنا اندفع جيرينوفسكي محاطاً بسور من أعضاء حزبه "الديموقراطيين" الى أبعد الحدود و"الليبراليين" للغاية نحو منصة الرئاسة وقطع الاسلاك وقال انه "لن يسمح لأحد بالاجتماع". ولم تجد نفعاً محاولات اقناعه، بل زادته غضباً فأخذ يفتح قناني الماء الموضوعة على الطاولة ويسكبها على رؤوس زملائه ويبصق في وجوههم صارخاً "اخرجوا من هنا ايها الأوغاد، عملاء أميركا". واضطر البرلمان الى تعليق أعماله بعدما طالب عدد من النواب بوقف جيرينوفسكي عند حده. وأشار رئيس الوزراء السوفياتي السابق نيكولاي ريجكوف الى انه "لم يشهد مثل هذا الخزي" طوال عمره. وقال وهو يختنق بالعبرات "ارحموا شيبنا". ولم يكتف رئيس الدوما باستنكار ما حصل والتأكيد ان "هذا اليوم كان الأكثر عاراً" في تاريخ البرلمان الروسي، بل اعلن أمس الخميس إثر اجتماع عقدته رئاسة المجلس عن توجيه طلب الى الادعاء العام لاثارة دعوى جنائية ضد جيرينوفسكي، أي ان المجلس النيابي سينظر في رفع الحصانة عن الزعيم القومي المتطرف. بيد ان جيرينوفسكي نفسه وصف الحادث بأنه "صراع عادي بين الأحزاب"، وأضاف امس ان حزبه هو القوة السياسية "الوحيدة الواعدة". وتوقع "انقلاباً في الكرملين" تحول فيه السلطات الرئاسية الى رئيس الوزراء فيكتور تشيرنوميردين ثم تُنظم ضده حملة اعلامية يتنازل اثرها عن الصلاحيات الى نائبه ايفان ريبكين ويحتفظ هذا بالكرسي الأول من دون انتخابات وذلك باستثارة حرب في القوقاز واعلان حال الطوارئ. وقد لا يكون كل ما يقوله جيرينوفسكي هذياناً إلا ان صرعاته الأخيرة توحي بأنه قد يؤدي دوراً سياسياً في سيناريوهات يجري اعدادها فعلاً. فقد ذكر رئيس كتلة "روسيا بيتنا" الحكومية الكسندر شوخين ان تصرفات جيرينوفسكي قد تؤدي الى حل البرلمان. وقال ان الأخير "ينفذ طلباً من جهة ما". ومعروف ان الجهة الوحيدة التي لها مصلحة مباشرة في تعطيل المجلس النيابي هي الكتلة المقربة من الرئيس بوريس يلتسن وبدأت تخوض صراعاً خفياً مع مجموعة تشيرنوميردين التي تحظى بتأييد البرلمان بجناحيه اليساري واليميني. وأياً كانت السيناريوهات والمكاسب التي سيجنيها جيرينوفسكي فإن اعتماده قاعدة "خالف تعرف" لم يعد يجدي وأخذ نفوذه وشعبيته يتضاءلان بسرعة مخيفة أصبحت سبباً اضافياً لاحتدام غضبه.