قد لا يكون المستشرق الالماني هانس هيندريخ شايدر، الاشهر بين المستشرقين الاوروبيين، غير انه، منذ رحيله عن عالمنا يوم 12 اذار مارس 1957، يعتبر واحداً من كبار الذين أسهموا في دراسة اديان الشرق والاديان الايرانية والمذاهب الاسلامية بشكل عام. ولربما كانت طبيعة فكره المتنوعة غير الواقفة عند اختصاص واحد، هي ما ساهم في جعله خارج التصنيفات، ومن المعروف ان من يقف خارج التصنيف، يقف خارج حلقات الاهتمام، ومن هنا حين يذكر اعلان الاستشراق الالماني في يومنا هذا، قد ينسى شايدر، او في احسن الاحوال قد يعطى مكانة ثانوية بينهم، غير ان في هذا ظلماً للرجل ومكانته الحقيقية ما بعده ظلم. فالحال ان شايدر كان من أغزر المستشرقين الألمان، في النصف الاول من القرن العشرين علماً، ولقد ساهم تنوّع اهتماماته الفكرية وتلمذته خاصة على ماكس فيبر من اعطاء كتاباته العديدة والمتنوعة طابعاً خاصاً، موسوعياً وتجليلياً دقيقاً في الوقت نفسه، هو الذي كان يتقن نحو عشرة ألسن، بينها اللغات السامية الرئيسية: العربية والعبرية، اضافة الى الايرانية وغيرها. ولكن، لئن كان فكر شايدر قد تنوّع واتّسع ليشمل الاهتمام بغوته وشبنغلر وفون هوفمنشتال، فان بداياته الحقيقية كانت مع الحسن البصري الذي تخرج من حلقته في مسجده بالبصرة كبار المفكرين المعتزلة، وغيرهم من ابرز متكلمي القرن الهجري الاول، وكان الحسن البصري موضه اهتمام شايدر، منذ العام 1919 وكان عهدذاك قد عاد من تطوعه في الحرب العالمية الاولى وهو فتى في الثالثة والعشرين من عمره، أغرم بالفكر الاسلامي وبالتاريخ الديني للشرق الاوسط ولآسيا عموماً، يومذاك التقى عالم اللغة الاشورية برونو مايرز ونصحه بان يتخذ من الحسن البصري ومدرسته الفكرية موضوعاً لدراسته، ففعل معتمداً على "طبقات ابن سعد" غير انه سرعان ما ادرك، كما قال بنفسه ان "المادة التي يقدمها ابن سعد وغيره من مؤلفي علم الرجال لا تكفي بأي حال من الاحوال لهذا البحث" ومن هنا وجد ان أفضل السبل لفهم الطابع الديني الحقيقي للحسن البصري يكمن في العودة الى "مؤرخي الدين الاسلامي وخاصة مؤلفي سير المتكلمين والصوفيين"، فقاده ذلك الى عالم ظل يغوص فيه حتى نهاية ايامه في العام 1957. وعالم شايدر متنوع على اي حال، وهو متنوع بتنوع تنقله بين البلدان والمراحل الفكرية، حيث ان مؤرخي سيرة حياة شايدر يقسمون تلك الحياة الى مراحل اولاها ميدانها برسلاو - كونغزبرغ، والثانية ميدانها برلين، اما الثالثة فميدانها غوتنغن، وهي استمرت من العام 1946 حتى العام 1957 اي حتى آخر عام من اعوام حياته. وخلال تلك المراحل الثلاث وضع شايدر العديد من المؤلفات والدراسات، وعلّم اللغات السامية وكتب في الشعر وفي التاريخ الاقتصادي للدين - متأثراً هنا خاصة بماكس فيبر استاذه، الاول والاخير - وكتب في الاديان الآسيوية ولا سيما عن ماني، ومن سبقه من اصحاب تلك الاديان، واهتم بالحلاج انطلاقاً من اعمال ماسينيون حول هذا الاخير، كما اهتم بالشعر الايراني حافظ على وجه الخصوص، وكتب عن الطرق الصوفية في تركيا، ولهل أهم كتبه في هذه المجالات "اختلاط الديانات القديمة لايرات واليونان" 1926 و"عزرا الكاتب" 1930 و"ابحاث ايرانية" 1930 و"كتاب ايران" 1934 و"الدراسات الشرقية" 1935، و"المانيا والشرق" 1944، هذا ناهيك عن ترجمته الشهيرة لكتاب بوهل عن "حياة محمد" 1930. وفي مجالات الدراسات والمقالات كتب شايدر دراسات اساسية وهامة عن "التصوف الاسلامي" و"ابن عربي" و"الحسن البصري" و"البكتاشية" و"المغول". ويرى كاتبو سيرته ان "طريق شايدر من "الحسن البصري" الى "حافظ" انما عبّر عن ميله الى "الظواهر الفكرية التي تقف عند الحد الفاصل بين الدين وعلم الجمال" وهو الظلق في هذا الاهتمام منذ قراءته للكوميديا الالهية لدانتي بلغتها اللاتينية الاصلية وكان بعد في السابعة عشر من عمره. اما بالنسبة الى موقفه من الشرق، هو الذي وقف عمره كله على دراسة الشرق بكل تجلياته وابعاده، فانه كان موقف يقوم على "الحوار الفكري مع الشرق" اكثر مما يقوم على "هضم الشرق وتمثله" كما كان يفعل او يريد الرومانطيقيون، ومن هنا كان شايدر يدرس الشرق من دون ان يقيم ادنى علاقات مع الشرقيين، كما انه "لم يذهب الى الشرق الحقيقي ابداً بل كان يرى ان "الدراسات الشرقية هي الطريق الذي يستطيع الغرب ان يدرك، عبره، ذاته تحديدها ازاء الشرق مع اقتباس ما يلائمه من تراثه الفكري". ومن المعروف ان موقف شايدر هذا من الشرق يلتقي الى حد كبير مع موقف غوته في "الديوان الغربي الشرقي"، ومن هنا يعتبر شايدر غوته ثاني اكبر استاذ له بعد ماكس فيبر.