اجمع عدد من الصناعيين والتجار السوريين على ان لبنان هو "الرابح الأكبر" من الاتفاق السوري - اللبناني الخاص بخفض الرسوم الجمركية في بداية السنة المقبلة بنسبة 25 في المئة تمهيداً لالغائها، لكنهم قالوا "ان ذلك لا يعني وجود طرف خاسر في الاتفاق" الذي وصفوه بانه "خطوة في الطريق الصحيح" بين البلدين. وكان رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وصفه بانه "تاريخي"، غير ان بعض رجال الاعمال السوريين أبدى "قلقاً" من آثار الاتفاق بسبب "اختلاف النظام الاقتصادي في البلدين". وقال المدير العام ل "مجموعة ماس الاقتصادية" فراس طلاس "ان لبنان هو الرابح الأكبر اقتصادياً وسورية الرابح الأكبر سياسياً لكن ليست هناك خسارة لأي طرف في المجالين". ورأى الخبير الاقتصادي السوري محمد الاطرش ان البعد السياسي للاتفاق يهدف الى تعزيز التعاون السياسي والامني بين البلدين خصوصاً في مجال الصراع العربي - الاسرائيلي. وقضى الاتفاق، الذي وقع أخيراً في دمشق، باطلاق حرية تبادل جميع المنتجات الصناعية الوطنية المنشأ بين سورية ولبنان اعتباراً من 1/1/1999 ضمن احكام "اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى" وخفض الرسوم الجمركية السارية المفعول على المنتجات الصناعية الوطنية المتبادلة بواقع 25 في المئة سنوياً اعتباراً من 1/1/1999 ودراسة امكانية تحرير تبادل السلع الزراعية بين البلدين. وسيصبح الاتفاق نافذاً بعد اقراره في المجلس الاعلى المنصوص عنه في "معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق" الموقعة العام 1991 الذي يرأسه رئيسا الجمهورية في سورية ولبنان وتقره السلطتان التشريعيتان في البلدين. وأوضح الاطرش وزير اقتصاد سابق ان الطرفين ما كانا استطاعا التوصل الى الاتفاق "لولا التقارب الكبير والتنسيق بين البلدين في الحقلين السياسي والامني"، وقال: "كما نجم الانفصال النقدي والجمركي عام 1950 عن تباعد سياسي، مهد التقارب السياسي منذ 1984 لدعم العلاقات الاقتصادية". وأشار الى ان تأييد الخطوات يستند الى اعتبارات أوسع وأهم من الاعتبارات الاقتصادية البحتة مع الاعتراف بأهمية الاخيرة. وقال الصناعي السوري سامر الدبس: "ان ايجابيات الاتفاق لسورية قليلة والسبب ان السوق اللبنانية سوق مفتوحة وبامكان اي معمل صناعي ان يصدر الى لبنان باستثناء البضائع المحمية جمركياً في لبنان كالمياه المعدنية والغازية" وأضاف: "كصناعي لا أجد ان العائق في وجه التصدير الى لبنان هو التعرفة الجمركية فحسب لأن لبنان بلد مفتوح على العالم، وعندما تحاول البضائع السورية دخوله تجد منافسة من بضائع الشرق الاقصى وتركيا وغيرها". واعتبر السيد الدبس ان خفض الاسعار على فواتير البضائع المستوردة، يؤدي الى تهميش فاعلية التعرفة الجمركية، لكن السيد طلاس أوضح ان خفض نسبة الجمارك على مدى أربع سنوات يبقى ضمن مضمون اتفاقية منطقة التجارة العربية الحرة التي تتضمن اطلاق حرية تبادل المنتجات الزراعية والصناعية العربية خلال 10 سنوات ابتداء من مطلع السنة الجارية. وأشار السيد طلاس الى ان اهمية الاتفاق السوري - اللبناني تتمثل في فتح الحدود امام الصناعات اللبنانية من دون عوائق علماً انه كان هناك الكثير من الصناعات اللبنانية التي يمنع دخولها الى سورية عملاً بنظام حماية الصناعات الوطنية. وعلى رغم تقارب مستوى التنمية الاقتصادية في البلدين، يتوقع الخبراء ان تكون مصلحة لبنان أكبر لأن السوق السورية اكبر سواء من حيث حجم اجمالي الناتج المحلي أو حجم القوة الشرائية. ويبلغ عدد سكان سورية حوالى 16 مليون شخص ما يعني انهم سيكونون سوقاً للمنتجات اللبنانية. وقال الخبراء الاقتصاديون: "ان وجود فائض في الميزان التجاري لمصلحة سورية وبنسب كبيرة حالياً لا يعبر عن حقيقة الوضع، والسبب في ذلك يعود الى تمتع الانتاج الصناعي في سورية بحماية جمركية اذ يمنع استيراد السلع المنتجة في سورية سواء من لبنان أو غيره، مع ارتفاع قيمة الرسوم الجمركية المفروضة في سورية عن القيم المحددة في لبنان في الوقت الذي تدخل كل المنتجات السورية لبنان بحكم الحرية الاقتصادية". وجاء في احصاءات المجلس الأعلى السوري - اللبناني ان قيمة الصادرات اللبنانية الى سورية بلغت عام 1997 نحو 38 مليون دولار في مقابل 326 مليون دولار قيمة الصادرات السورية الى لبنان بفائض 288 مليون دولار لصالح سورية، علماً ان قيمة الصادرات النفطية تصل الى 162 مليون دولار. وبقي الميزان التجاري بين البلدين يحقق فائضاً لمصلحة لبنان حتى نهاية الثمانينات حيث ازدادت واردات لبنان من سورية التي اصبحت تحتل المرتبة بين الرابعة والتاسعة من بين دول العالم التي يستورد لبنان منها. وتمثل قيمة الصادرات السورية الى لبنان 10 في المئة من اجمالي قيمة الصادرات السورية الى العالم في حين تمثل قيمة الصادرات اللبنانية الى سورية 8.5 في المئة من اجمالي قيمة الصادرات اللبنانية الى العالم. وقال وزير الاقتصاد السوري السابق: "ان درجة الانفتاح السوري على الصادرات اللبنانية المصنعة ستكون أعلى بكثير من درجة الانفتاح اللبناني على الصادرات السورية المصنعة، لأن مستوى الحماية الحالي في سورية اعلى منه في لبنان مما يعني حصول لبنان على ميزة تنافسية اكبر لصادراته في السوق السورية تجاه صادرات طرف ثالث غير مشمول بالاتفاق". وقالت مصادر في المجلس الأعلى السوري - اللبناني "ان عدد السلع الصناعية الممكن تصديرها الى سورية يصل الى 141 سلعة منها 27 سلعة صناعية غذائية و21 كيماوية و15 للغزل والنسيج و19 سلعة ورقية و59 سلعة من الصناعات المختلفة". وفي هذا الاطار أكد السيد طلاس على ضرورة الاخذ في الاعتبار عند تطبيق الاتفاق وجود ثلاث فئات للمنتجات الصناعية المتبادلة بين البلدين منها الصناعات اللبنانية الموجود لها مثيل في سورية وتتفوق عليها السلع اللبنانية بالجودة بينما سعر السورية ارخص مما سيخلق منافسة حقيقية، وفي حال استطاع المنتج السوري ان يرتقي بالجودة تكون المنافسة اشد اما اذا بقيت الحال على ما هي عليه يحسم الزبون الامر ويختار حسب قدرته الشرائية. ويشمل النوع الثاني الصناعات السورية المتفوقة في السعر والجودة مثل الصناعات النسيجية السورية القادرة على اغراق السوق اللبنانية بالكامل، غير ان الاضرار المترتبة على ذلك قليلة لأن سوق النسيج في لبنان صغيرة. وأشار السيد طلاس الى وجود فئة ثالثة هي الصناعات اللبنانية غير الموجودة في سورية وستعيش عصراً ذهبياً حيث ستمنح سوقاً عدد سكانها 16 مليون نسمة من دون منافس، ومن ضمن هذه الصناعات الزجاج والاسمنت والكيماويات الموجودة اضافة الى بعض الصناعات الغذائية المطبوعة في الذاكرة السورية مثل "غندور". لكن المدير العام ل "ماس" قال: "في الحالات الثلاث يظهر وجود تكامل بين السوق السورية واللبنانية أكبر من التنافس، غير ان جني فوائد الاتفاق يحتاج الى اعادة النظر في انظمة التجارة الخارجية السورية كاملة والا بقي الاتفاق حبراً على ورق".