تشتهر بريطانيا بأنها تضم مجموعة كبيرة من المتاحف، الحكومية والخاصة، التي تمتلك كنوزاً لا تقدر بثمن من التحف واللوحات والآثار المتكونة في هذه البلاد على مدى القرون الأربعة الماضية. وهذا الكنوز تعكس الاهتمام الجدي المبذول للحفاظ على التراث الفني وتقديمه الى أوسع قطاع ممكن من الناس. وتعتبر الفنون التشكيلية، خصوصاً الرسم من عصر النهضة الأوروبية، في طليعة المجموعات الموجودة في المتاحف البريطانية. وقد دأبت الجهات المعنية، بدعم من الحكومة والمؤسسات الوطنية الاخرى، على إضافة الجديد والنادر الى هذه المجموعات، سواء عن طريق الشراء في المزادات أو من خلال التبرعات والوصايا التي يتركها الاغنياء وهواة اقتناء التحف لصالح "الثروة الفنية الوطنية". "الناشونال غاليري" و"البورتريت غاليري" يتجاوران في قلب لندن ويقدمان الى ألوف الزوار يومياً احدى أهم مجموعات الفن التشكيلي ليس في بريطانيا وحدها وانما في العالم أجمع. ومن ضمنها عدد كبير من لوحات عصر النهضة، من المملكة المتحدة والقارة الأوروبية، تصور مناظر طبيعية وشخصيات بارزة في تلك الأيام. وهي مشرعة أمام الجمهور على مدار السنة. وكما هو معروف، فإن الناظر الى اللوحة الكلاسيكية انما يتمعن فيها من بعد نظري واحد، أي انه يرى السطح الظاهر المواجه له. وكثيراً ما طُرحت تساؤلات عن الابعاد الأخرى للوحات، وعلى سبيل المثال كيف يبدو الجانب الخلفي من هذه الطاولة أو من ذاك الكرسي، والفستان الذي ترتديه الحسناء التي خلدها غويا في احدى لوحاته المشهورة كيف كان تصميمه من جهة الظهر؟ هذه التساؤلات كانت وراء المعرض الخاص والطريف الذي شهده "الناشونال غاليري" قبل مدة، من تنظيم طلاب الفنون وتصميم الأزياء في كلية ويمبلدون للفنون بالضاحية الجنوبية من لندن. وكان هدف هؤلاء الطلاب، كجزء من مشروع التخرج، ان يصمموا ويصنعوا ملابس وأزياء الشخصيات النسائية والرجالية المتواجدة في لوحات كبار رسامي عصر النهضة، والمعروضة حالياً في "الناشونال غاليري". اختار الطلاب لوحات لرسامين ايطاليين وهولنديين وفرنسيين واسبان والمان وبريطانيين ونمسويين، أي ان العينة تمثل الذوق الجمالي الأوروبي خلال القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. ومن الفنانين الذين اعتمد الطلاب على أعمالهم: كريفيللي، سيزار، موريتو، بارثولوميو، موروني، ستروزي، باتوني، فان آيك، غوسارت، دايستر، كودي، هونثورست، فيلاكويز، جيوردانو، بيرونو، لوبرون، غويا، ديلاروش، رينوار، هولباين، كراناخ، هوغارت، غينزبوروه، رينولدز، رايت، ستابس وسارجنت. وبعد الاختيار، صمم الطلاب أزياء وملابس شخصيات اللوحات تماماً كما رسمها الفنان وبالألوان والزخارف والمطرزات نفسها، بل ومع الاكسسوارات من قبعات وقفازات ومشالح ومجوهرات وغيرها. وعندما انجزت هذه التصاميم، ارتدتها عارضات وعارضون في "الناشونال غاليزي" وراحوا يتجولون في أروقة المتحف أمام اللوحات ذاتها، مما أفسح المجال أمام الزوار في ذلك اليوم بأن يشاهدوا من أبعاد متكاملة، الأزياء والملابس كما كانت في القرون الماضية وحتى مطلع القرن الحالي. بدت العارضات خصوصاً والعارضون الى حد ما في قاعات المتحف وكأنهن خرجن للتو من لوحات أرادها رساموها ان تخلد الشخصيات والمناظر الطبيعية بالألوان الجامدة. ولكن طلاب الفنون والتصميم اضفوا عليها بعض اللمسات الحية فإذا بالجماد يتحرك بين الزوار... حتى ولو ليوم واحد! تصوير إسبر معماري