الكثيرون من الناس حولي أسمعهم يعبّرون عن اسفهم لأنهم يفقدون شبابهم. وأحب ان أخبرهم ان عليهم ان يفرحوا لأنهم لا ينتمون الى الجيل الاصغر. وبصدقٍ لا اقول هذا تعزيةً للنفس، او من قبيل رفع المعنويات الذاتية. فبعد قراءة الصحف في الاسبوعين الماضيين أدركت انه لم يعد يوجد اي شيء رومنطيقي او مُجدّد ومُنعش، او حتى مغامر في أمر الشباب. اي لم يعد يوجد كل ما يفترض اننا فقدناه منذ صرنا ناضجين. فلنستمع اولاً الى استقصاءات الرأي العام في ما خصّ حرب الخليج حيث ان اكثرية صغرى من البريطانيين تؤيد القتال، وهؤلاء لم يصبحوا اكثرية الا بفضل الدعم القوي للحرب بين البالغة أعمارهم 16 الى 24 سنة. ان اكثرية كبرى من هؤلاء الشبان تؤيد قصف العراق. وأنا، هنا، قد لا اكون معنية كثيراً بالنقاشات الدائرة حول عملية "رعد الصحراء". ما يهمّني حقيقةُ ان الشبان ليسوا مع السلام، أكان هذا عن حق أم عن خطأ. ففي وقت ما مقبل يحين أوان التفكير بالسياسات الصائبة والمراجعات، أما في هذا العمر فيفترض في الشبية ان تُرهبها فكرة الحرب من حيث المبدأ. فهي ينبغي كما اظن، ان تكون داعية للحب والسلام، مُدينةً نفاق جيل الآباء ونقص المثاليات لديه. وهذا، كما هو واضح، ليس واقع الحال. فشبيبتنا اليوم تريد من حكومات الآباء او الحكومات التي يقودها جيل الاب باسم الشعب، ان تذهب الى… الحرب. قد يقال ان الامور كانت مختلفة حين كنا في سنّهم، واننا امتلكنا كماليات الحلم كما غنّينا اغاني السلام مع جان بايز وجون لينون، بل كان لدينا اساتذة علّمونا قصيدة بوريس فيان الشهيرة التي كتبت على شكل رسالة الى رئيس الجمهورية ورفعت الهرب من الجندية الى سوية القيم العظمى. وقد يقال ان شبان اليوم يواجهون مجتمعات ما بعد الكولونيالية، بل ما بعد الحرب الباردة، وانهم لا يتحسسون نفس الحاجة الى السلام كما شعرناها. وهذا ربما كان صحيحاً، الا ان الشبان انفسهم استفادوا من نتائج الثورة الجنسية التي خاضها اهلهم. فاذا ما لم يكونوا مسالمين، فانهم سيكونون، في أسوأ الحالات، اقل بيوريتانية من آبائهم واقل اصداراً للأحكام الحاسمة. مع هذا تواجهنا قائمة اخرى من استقصاءات الرأي العام كفيلة بجعل الآباء يشعرون بالخجل من جراء نزعة المحافظة عند ابنائهم. فمما تبين في مسلسل قصة كلينتون - لوينسكي ان الشبيبة الاميركية ممن تقل اعمارهم عن العشرين، هم الذين حسموا بمعاقبة كلينتون عقاباً صارماً اذا ما تأكد انه يكذب. وهكذا فالشبيبة بأكثريتها لم تؤمن بأن حياة الرئيس العاطفية هي مُلكه وحده. لقد ظنت انه يستحق القصاص على خطاياه. نعم، ولّت الايام التي كان فيها جيلنا، عن حق او عن خطأ ولكن بالتأكيد عن مغامرة اكبر، يقرأ بصوت عال دعوات كروبسكايا الى الحب الحرّ، او يذهب جماعاتٍ الى نوادي السينما ليشاهد ويناقش ويتمتع ب "جول وجيم"، ذلك الفيلم المنعطف. لا بل ان جيل آبائنا، حتى جيل آبائنا، يبدو في امور كثيرة أشد تسامحاً من جيل صغار اليوم. أرأيتم لماذا أنا مُمتنّةٌ لولادتي في الوقت الذي ولدت فيه وليس بعده بعشرين سنة. الا انه، وبعد كل حساب، ربما كانت الصحافة تبالغ قليلاً اذ ان اشخاصاً من جيلنا كتبوا معظم التحليلات التي تناولت الاستقصاءات. لكنني، على أي حال، لا أزال أطمح في ان التقي بشاب في السادسة عشرة يتقدم لاتهامي بأني محافظة وذات أفكار عتيقة. عند ذلك يزيد قليلاً املي بالمستقبل، وقد أبدأ بتمنّي عدم الاكتهال على نحو لا رجوع عنه.