سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تقرير اقتصادي سوري عشية بدء المفاوضات الرسمية مع المفوضية الاوروبية . الشراكة السورية - المتوسطية معادلة صعبة مفتاحها تعزيز الايجابيات وتخفيف مضاعفات السلبيات 2 من 2
تناولت الحلقة الاولى من هذا الموضوع اقتراب زيارة رئيس المفوضية الاوروبية جاك سانتير ونائبه مانويل مارين دمشق لبدء المفاوضات الرسمية حول توقيع اتفاق الشراكة الاوروبية - السورية، بعدما اتخذت دمشق قراراً "استراتيجياً" بدخول المفاوضات بعدما كانت المفاوضات التمهيدية التي جرت العام الماضي اظهرت عمق الهوة بين موقفي الجانبين. وجاء في دراسة اعدها خبراء اقتصاديون سوريون ان "تحرير التجارة بين طرف قوي المجموعة الاوروبية وطرف ضعيف سورية لا يؤدي الى تحقيق المكاسب التجارية والاقتصادية الناتجة عن تحرير التجارة لصالح الاطراف"، لذلك فإن الخبراء اقترحوا بعد قراءة مشروع الاتفاق الاولي "ضرورة اعتماد سياسة تدخلية تتجاوز قوى السوق لدعم اقتصاد الطرف الضعيف بصورة مكثفة يشمل دفع وتشجيع تدفق الاستثمارات نحوه. وفي الوقت نفسه يعمل الطرف الضعيف على تعبئة قواه لتطوير ذاته ومنشآته وانظمته وتطبيقها من خلال رؤية شاملة تنطوي على استراتيجية عمل متكاملة لجهة الاهداف والسياسات والمؤسسات والاجراءات". وتحت عنوان السلبيات والايجابيات المترتبة على تطبيق الاتفاق، ذكرت الدراسة في اطار السلبيات ان الاتفاق "غير متوازن" لأن سورية ستكون في مواجهة 15 دولة اوروبية متقدمة ومنفتحة ومن ثم سيعني الاتفاق على تكاليف انتقالية لأن قيام منطقة التجارة الحرة يعني ان تستورد سورية المنافسة الى "عقر دارها" ومواجهة منتجاتها الصناعية لمنافسة البضائع الاوروبية في سوقها، كما ان الغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية سيحفز الاستهلاك الخاص لتوفير طائفة اوسع من السلع الاستهلاكية كما ونوعاً في السوق المحلية ما يضعف معدلات الادخار، وسيؤدي تحرير التجارة الى مزيد من تدهور ميزان سورية التجاري الخاص بالسلع الصناعية بعد استبعاد النفط ما سيدفع المستهلكين الى شراء السلع المستوردة من دول اوروبا بدلاً من السلع المحلية، كما ان عملية تحسين وتطوير الانتاج الصناعي لمواجهة التنافس تتطلب استثمارات كبيرة مما يزيد مصاعب الميزان التجاري واحتمالات ارتفاع في عجز الحساب الجاري الخارجي. ويشير التقرير الى ان الغاء الرسوم الجمركية والضرائب المماثلة التي تتحقق من وارداتنا من الاتحاد الاوروبي لتدخل خزانة الدولة والتي تتجاوز ستة بلايين ليرة تشكل نحو نصف اجمالي الرسوم الجمركية على كل الواردات السورية كما يشكل نحو 8.5 في المئة من اجمالي الضرائب والرسوم عامة. وفي الوقت ذاته فإن التزامات الدولة المالية ستزداد بسبب النفقات التي ستفرضها الشراكة المترتبة على اعادة هيكلة الاقتصاد عامة والصناعية خاصة وتحسين الاداء الاداري ومجابهة الاثار الاجتماعية السلبية التي ستنجم عن تحرير التجارة، وهذا يستدعي ايجاد موارد مالية داخلية اضافية لأن معونات الاتحاد الاوروبي التي لا تتجاوز ستة بلايين دولار ومبلغ مماثل كقروض ميسرة من بنك الاستثمار الاوروبي لكافة دول جنوب المتوسط لا تلبي هذه الحاجات. وعلى رغم هذه السلبيات، فإن المحللين اعترفوا بوجود عدد من المزايا التي ستمنحها الشراكة في المدى المتوسط والطويل اذ ان تحرير التجارة سيؤدي الى زيادة المنافسة بين المنتجين المحليين انفسهم وإلى احتدامها في مواجهة السلع الاجنبية بعد ان تحصنوا لفترة طويلة في خندق الحماية. كما ان الغاء الرسوم الجمركية على المدخلات الصناعية من سلع وسيطة ومواد أولية يعني خفض تكلفة الانتاج المحلي ما ينعكس على تدعيم التنافس داخلياً وخارجياً وخفض الاسعار او تعظيم الربح مع ما ينجم عنه من توفير امكانات اعادة الاستثمار وخلق فرص عمل وتطوير المنشآت، اضافة الى ان الشراكة بسبب التأثير الايجابي للمصداقية التي تتمتع بها اقليمياً وعالمياً ستعزز حوافز الاستثمار المحلي والعربي والاجنبي في سورية. ويشدد الخبراء الرسميون على ان الاتفاق لا يمنع أي تكامل عربي - عربي او تكامل اقتصادي اقليمي. وقالوا ان الشراكة ستؤدي الى توجيه الادخار المحلي للاستثمار في اسهم الشركات التي ستنشأ بسبب تعزيز الاتفاق للمناخ الاستثماري المطلوب بدلاً من تجميده بالمجوهرات او العقارات او الاحتفاظ به نقداً كما هو حاصل الآن. وجاء في دراسة التقرير ان "ابرز المكاسب" سيكون في اعادة تخصيص عوامل الانتاج من عمالة ومواد اولية ورأس مال وتوجيهها نحو القطاعات التي تتمتع فيها سورية بمزايا نسبية ويتحقق معها اكبر قدر من القيمة المضافة محلياً في اشارة الى المحاصيل الاستراتيجية مثل القطن وما يعنيه من امكانات واسعة في صناعات النسيج والتريكو والالبسة الجاهزة بحيث يتم تصنيع كل الانتاج السوري بعد استيعاب القاعدة التكنولوجية الضرورية للانطلاق. ويخلص المحللون إلى نتيجة مفادها ان عولمة الاقتصاد والانتاج قدر قائم بكل ما تعنيه من توجه نحو الانفتاح واقتصاد السوق ومن ثم فلن يكون المستقبل بالنسبة لسورية استمراراً للحاضر، وأنه من الأنسب لسورية ان ترتبط باتفاق الشراكة مع ما يعنيه من تكاليف في البداية تحقيقاً للمزايا والمكاسب اللاحقة التي ستفتح امامها اكبر سوق في العالم وتضمن لها دعم الاتحاد الاوروبي المالي والفني بالتنسيق مع البنك الدولي لبرنامجها الاصلاحي متوخية في الوقت ذاته خفض التكاليف والاعباء الانتقالية وتعظيم المكاسب والمزايا ما امكن.