على رغم توقف المخرج كمال الشيخ أو "أمير السينمائيين المصريين" عن العمل منذ مرور عشر سنوات على آخر أعماله "قاهر الزمن"، فهو موجود باستمرار من خلال الأنشطة السينمائية المختلفة، وأهمها رئاسته للجنة المشاهدة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهي اللجنة المنوط بها فرز الأفلام المتقدمة للمشاركة في المهرجان. قبل أن أطرح اسئلتي عليه بادرني بقوله: "أتمنى ان تبتعد بأسئلتك عن التكرار، مللت الاسئلة المكررة في الأحاديث الصحافية والتلفزيونية، وبعد هذا العمر الطويل أصبحت أؤمن بأن التكرار ضد طبيعة الكون، يعني اذا أخذنا مأساة السينما المصرية مثالاً سنجد ان سببها الحقيقي يكمن في التكرار، تكرار الحواديت، والوجه، والمعالجات، ما أصاب الجمهور بالملل، الناس "زهقت" من الأفلام، هذه هي الأزمة بعيداً عن أي فلسفة". في مناسبة البعد عن التكرار، هل يختلف مهرجان القاهرة برئاسة حسين فهمي عما كان عليه برئاسة الراحل سعد الدين وهبة؟ - حسين مختلف كثيراً، إنه كما يقولون "أوروبي" التفكير، ولا أدري لماذا يعتبرونها شتيمة، ألا نعترف أن التفكير الأوروبي هو الأرقى؟! تقول إن التفكير الأوروبي أرقى على رغم أنك قلت في حديث سابق عن مهرجاني "كان" و"برلين" أن "الدول المنظمة لهذه المهرجانات تنظر بغطرسة إلينا، وإلى أفلامنا، فنحن في نظرها درجة ثالثة أو "كومبارس"؟ - قلت ذلك بالفعل بعدما لمسته بنفسي، من خلال المشاركة في المهرجانين، وليس هناك تناقض، فهذه الغطرسة نتاج طبيعي للفارق الحضاري، أذكر أن هيئة موسيقية في فيينا أصدرت كتاباً عن قائد الاوركسترا المصري يسري السيوي، شيء رائع، ولكن ما عنوان الكتاب؟ "قائد الجَمل يقود الاوركسترا"، هكذا يروننا، جمالاً وخياماً وصحراء، ولهم كل الحق ولا يجب أن نتعجب، ألا ننظر نحن الى الشعوب الافريقية بالنظرة نفسها، ونتخيلهم قبائل من السحرة ومطاردي وحوش الغابات، ونستقبل أي انجاز لهم بلا مبالاة؟ ولا توجد أي شبهة تعمد الى تشويه الصورة، إنه فارق طبيعي بين عالمين يشعر أحدهما بالتفوق على الآخر. أشعر في نبرة صوتك بمرارة لا يمكن تجاهلها؟ - ربما لأن قناعتي بهذا الأمر أصبحت أشبه بالعقدة، وهي عقدة قديمة، منذ أن كنت "مونتيراً" في استوديو مصر أعمل مع السينمائيين الأجانب، كان هاجسي وأنا مخرج أن انقض دعاوى الغرب بأننا بدو متخلفون من خلال أفلامي، فأصبحت أهتم كثيراً بجمال المكان، ورقي السلوك حتى لدى الشخصيات الشريرة، أجل إنها عقدة، أعترف بذلك. هل تعرضت أفلامك للظلم في هذه المهرجانات؟ -لا أقول "ظلم"، وانما تعتيم إعلامي، وضرب تحت الحزام من الإعلام الصهيوني مثلاً فيلم "الليلة الأخيرة"، بعد عرضه في "كان" تعرّض لحملة إعلامية قادها الوفد الاسرائيلي المشارك في المهرجان مفادها أن عبدالناصر يريد أن يرينا من خلال أفلامه أن مصر كلها قصور وفيلات، واعتبروه فيلماً دعائياً لأن أحداثه تدور في إحدى فيلات المعادي، وأثرت الحملة طبعاً على لجنة التحكيم، ولكن تكفيني مشاركتي في المسابقة الرسمية لپ"كان" بپ"حياة أو موت" و"الليلة الأخيرة" وهو شرف كبير. هل ترى أن هذه النظرة المتعالية خفتت في الآونة الأخيرة؟ - طبعاً، فرضت دول العالم الثالث نفسها سينمائياً مثل ايران. وهل ننسى حصول يوسف شاهين على جائزة اليوبيل الذهبي من مهرجان "كان"؟ - أكيد، إنه فنان رائع، وذكي، يعرف كيف يصل الى العقلية الغربية من دون تنازلات، ويعرف كيف يهتم بالنواحي التقنية في الفيلم ويجد لها الموارد الملائمة. ألم تصبك الغيرة من نجاحه؟ - مستحيل، أنا لي اختياراتي الخاصة جداً، ولا يزاحمني أحد في نوعية أفلامي، ولا أتأخر عن تهنئة أي زميل اذا أصاب التوفيق. أذكر أنني اتصلت أكثر من مرة بشاهين لأهنئه على جمال أعماله، كما أنني طلبته أحياناً لأقول له "أنا مش فاهم حاجة!". كمال الشيخ، صلاح أبو سيف، يوسف شاهين، توفيق صالح، عاطف سالم، كنتم ابناء جيل واحد، وقدمتم سينما مختلفة عن السائد في جيلكم، هل كان ذلك اتفاقاً، هل كنتم تياراً منظماً كحال جيل الثمانينات؟ - لم يكن بيننا أي اتفاق، الصدفة وحدها جعلت جيلنا مختلفاً، أنا بشكل خاص كنت أرفض صنع ما هو سائد، وفضلت أن أبقى مونتيراً حتى أجد الموضوع المختلف بدلاً من الاخراج المبكر لموضوع مكرر، هم أيضاً كانوا كذلك مع وجود فوارق فردية، لكن لم نحاول التنسيق ولا أعتقد أن ذلك كان ضرورياً. اشتهر كمال الشيخ في هذا الجيل بالفكر اليميني الليبرالي، كان ذلك في زمن اكتظ باليساريين سواء عن حق أو عن مواكبة للسائد، هل أنقص ذلك من حقك في النقد المتوازن؟ - نعم، حدث ذلك، كنت ضد القطاع العام، وضد الحزب الواحد، صحيح انني أحمل بعض المعتقدات التي قد تنسب الى اليسار، مثل عداوتي للاحتكار والانتهازية، ولكنني يميني ديموقراطي، وكان ذلك واضحاً للجميع، وكانت غالبية النقاد من اليسار فتجنبوا الحديث عن أعمالي، وإن كنت - إحقاقاً للحق - أذكر أن بعضهم تعامل مع أعمالي بمنتهى الحياد الفني بعيداً عن الاختلاف السياسي. يوسف شاهين خلق مدرسة، وكل مساعديه تحولوا إلى مخرجين متميزين، لماذا لم تهتم بذلك؟ - أنا لست يوسف شاهين، وما يفعله شاهين صفة خاصة جداً به، لا أعرف مخرجاً في مصر أو حتى في العالم يؤسس مدرسة للإخراج كما يفعل هو، فلماذا تطالبني أن أكون مثله؟! ربما لأن حالنا السينمائية راكدة ومعاناتنا من الفقر الإبداعي تتطلب وجود المخرج المدرسة الذي يخلق أجيالاً على المستوى المرتفع نفسه؟ - لا أتصور أن يكون هناك امتداد لي، لست ضد الفكرة أو معها، لأني لم أفكر فيها أصلاً، وأنا أرى الآن 10 - 15 مخرجاً متميزاً، يتمتعون بالثقافة ووضوح الرؤية، والاجيال الجديدة أيضاً مبشرة، لقد اعجبني جداً "هيستيريا" للمخرج الشاب عادل أديب و"هارمونيكا" لفخرالدين نجيدة. هل رأيت "صعيدي في الجامعة الأميركية"؟ - لا، لكني سمعت عن نجاحه المبهر، وعلمت أنه يجتذب كل نوعيات المشاهدين من المثقف الى الأمي، وهذا النجاح لا يأتي من فراغ، ولا يمكن أن يكون صدفة، لا بد أن الفيلم يستاهل هذا النجاح سواء من خلال صدق الكتابة وملامستها مشاعر المتفرجين، أو من خلال أداء الممثلين وقربه من الناس، وهو عامل غاية في الأهمية، احياناً يكون الفيلم ممتازاً فنياً ويسقط جماهيرياً لان نجومه لا يحظون بالشعبية اللازمة، أنا من أنصار الاهتمام بالممثل لأنه أداة التوصيل بين السينمائي والمتفرج. اذا تخيلنا أن كمال الشيخ اخرج فيلم "الليلة الأخيرة" عام 98، من سيقوم بالأدوار الرئيسية بدلاً من محمود مرسي وفاتن حمامة وأحمد مظهر؟ - صعب جداً ان اختار بسرعة، أنا أقضي أياماً لاختيار أبطال أعمالي، لكن مبدئياً ممكن لمحمود حميدة أن يقوم بدور الزوج محمود مرسي، ودلال عبدالعزيز في دور الزوجة فاتن حمامة، إن دلال فنانة متميزة جداً، ولكنها تعاني من مشكلة في اختيار الأدوار السينمائية. كثيرون وضعوا عبلة كامل وريثة شرعية لأداء فاتن حمامة، ما رأيك؟ - لا، لا، إنها نمط مستمر ومفتعل. ماذا عن دور الطبيب أحمد مظهر؟ - لا أعرف، لا أجد في ممثل حالي من يمنحني الثقة التي أدى بها "أحمد" دور الطبيب، هذا الدور يحتاج الى ثقة أكثر من أي شيء آخر. مشروعك المؤجل عن "الدكتور المشد"، قلت من قبل ان اتجاه الرأي العام ضد "صدام حسين" والعراق كان وراء تأجيله، ألا تعتقد أن هذا الاتجاه اختلف أخيراً بعد التعنت الذي يواجهه العراق من المجتمع الدولي؟ - لن أتنازل عن هذا الفيلم، لكني أنتظر اللحظة المناسبة، فمن غير المنطقي ان أطالب في فيلمي بحصول العراق على قوة نووية، بينما تجرده الأممالمتحدة حتى من الأسلحة التقليدية، الجمهور سيقول "ده كلام فارغ"، أنا في انتظار تسوية كاملة للأوضاع في العراق.