جدة تستعد لاستقبال مهرجان "منطقة العجائب" الترفيهي    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    الإتحاد يُعلن تفاصيل إصابة عبدالإله العمري    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    مبارة كرة قدم تفجر أزمة بين هولندا وإسرائيل    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الثقة به مخاطرة.. «الذكاء الاصطناعي» حين يكون غبياً !    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    984 ألف برميل تقليص السعودية إنتاجها النفطي يومياً    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    حديقة ثلجية    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    الغرب والقرن الأفريقي    جودة خدمات ورفاهية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    رحلة طموح    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرن الافريقي خيّب الآمال في 1998 وتحول مجدداً بؤرة نزاعات وحروب . السودان يواصل تجربته الاسلامية والصومال يبدأ سنة تاسعة من حرب القبائل واريتريا تُعيد حنيش الى اليمن وتتورط في نزاع حدودي مع اثيوبيا
نشر في الحياة يوم 30 - 12 - 1998

خيّب القرن الافريقي آمال الكثيرين في العام 1998 بتحوله مجدداً الى بؤرة للنزاعات والحروب، إذ كان التناغم في العلاقات الاريترية - الاثيوبية - الجيبوتية منذ منتصف 1991 فريداً في القارة الافريقية كلها، ويعد بتحويل دول القرن نموذجاً للاستقرار في القارة السمراء. لكن في منتصف 1998 اعادت هذه الدول منطقة القرن الافريقي الى بؤرة للنزاعات والحروب تذكرنا بايام الحرب الباردة. إذ اندلع نزاع على الحدود بين اريتريا واثيوبيا في الاسبوع الثاني من آيار مايو تحول حرباً ضارية حتى حزيران يونيو. لكن القتال تواصل في شكل متقطع مع انتها السنة التي شهدت اتهامات من اريتريا لجيبوتي بدعم المجهود الحربي الاثيوبي، فردت جيبوتي بقطع علاقاتها مع اسمرا.
وربما كان الحدث الايجابي المميز في القرن، بل في كل القارة هو انهاء النزاع الاريتري - اليمني على جزر حنيش في البحر الاحمر قبل نهاية السنة. إذ قررت محكمة دولية في تشرين الاول اكتوبر سيادة اليمن على الجزر، والتزمت اريتريا قرار المحكمة وسلمت الجزر الى اليمن في اول الشهر التالي وعادت العلاقات بين البلدين الى طبيعتها.
وفي رأس القرن نفسه، اي في الصومال، كانت خيبة الآمال نفسها وربما اكبر من تلك في الاثيوبية - الاريترية. إذ كانت مصر جمعت كل الفصائل الصومالية المتنازعة الى اتفاق القاهرة في الايام الاخيرة من 1997، وتعهد هؤلاء عقد مؤتمر مصالحة في مدينة بيداوه في شباط فبراير يعقبه تشكيل حكومة وطنية. وتأجل المؤتمر اربع مرات ولم يعقد، فيما استمرت الحرب الاهلية في هذا البلد لتدخل في العام 1999 سنتها التاسعة.
السودان واصل في 1998 تجاربه في الحكم الاسلامي ليعلن في نهاية السنة نهج "تنظيم التوالي السياسي"، اي التعددية الحزبية على الطريقة السودانية الاسلامية. ومن المقر ان يبدأ تطبيق هذه التجربة مع بداية السنة. لكن في المقابل استمرت الحرب في جنوب السودان وفي شرقه، وفشلت جولتين من المفاوضات بين الحكومة والمتمردين في التوصل الى حل لمشكلة الجنوب. كما لم تظهر نتائج ملموسة لما اطلقت عليه الحكومة "السلام من الداخل". فالفصائل الجنوبية التي وقعت اتفاقات سلام مع الحكومة لم تغير في المعادلة السياسية التي تحتم وجود "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة العقيد جون قرنق في اي اتفاق لتحقيق "السلام من الداخل"، الامر الذي لم يحصل. بل شهدت الخرطوم وكذلك مناطق جنوبية معارك ضارية بين الفصائل الجنوبية الموالية للحكومة التي اضطرت الى نزع سلاح هذه الفصائل في نهاية السنة.
الى ذلك، واصلت الولايات المتحدة الحظر الشامل الذي فرضته ضد السودان قبل عامين بسبب "إيواء الارهاب على ارضه" وهو السبب الذي دعا واشنطن الى توجيه ضربة عسكرية الى موقع في الخرطوم في آب اغسطس.
الصومال
بدأت سنة 1998 الصومالية مع بصيص امل يعد بانهاء الحرب الاهلية المستمرة منذ ثماني سنوات، إذ كانت الايام الاخيرة من 1997 شهدت توقيع زعيمي التنظيمين الرئيسيين علي مهدي محمد وحسين محمد فارح عيديد على اول اتفاق شامل يجمع غالبية التنظيمات الصومالية المتصارعة الى خطة متكاملة تنهي معاناة شعبهم. ونص الاتفاق الذي وقع في القاهرة قي 22 كانون الاول ديسمبر 1997واطلق عليه "إعلان القاهرة"، على تقاسم السلطة على اساس فيديرالي ومنح الاقاليم المكونة للدولة حكماً ذاتياً، وان يتولى مؤتمر للمصالة يعقد في بيداوه لانتخاب مجلس رئاسي ورئيس للوزراء.
وفي الشهر الاول من السنة اعلن علي مهدي ان مؤتمر بيداوه سيعقد في 15 شباط فبراير، لكن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً. ولدى عودة زعماء بعض التنظيمات الموقعة على "إعلان القاهرة" الى اديس ابابا، صرحت من هناك انها تعترض على بنود عدة من الاتفاق. ورافق هذه التصريحات تسجيل اثيوبيا اعتراضها مشيرة الى انها "لن تسمح بخطف جهودها التي اثمرت" في محاولة حل الازمة الصومالية. وذلك في إشارة الى سلسلة طويلة من الاجتماعات التي استضافتها ونجحت في نهايتها في جمع 26 تنظيماً الى اتفاق في منتجع سودري الاثيوبي قبل نحو شهرين من "إعلان القاهرة". وكادت تلك التصريحات تتحول ازمة في العلاقات المصرية - الاثيوبية، لكن القاهرة عالجت المشكلة بديبلوماسية نجحت في إعادة "إعلان القاهرة" الى سكته واقنعت الاثيوبيين بان الاتفاق ليس موجها ضدها.
وفي السابع من شباط اكد عيديد ان ميناء مقديشو ومطارها الدوليين سيفتتحان بعد اربعة ايام قبل 4 ايام من موعد المؤتمر. لكن في 13 من الشهر نفسه اعلن علي مهدي تأجيل المؤتمر "لاسباب لوجستية" الى 31 آذار مارس، وقبل حلول ذلك الموعد اعلن علي مهدي ثانية تأجيل الموعد الى 15 آيار مايو لاسباب مالية، وللاسباب نفسها اعلن الرجل نفسه موعداً رابعاً لمؤتمر بيدواه هو الشهر الاول من 1999.
وبين هذه المواعيد الاربعة من بداية السنة حتى نهايتها سجل سقوط 349 قتيلاً في معارك بين الفصائل الصومالية المتنازعة جرت معظمها في العاصمة مقديشو وفي مدينة كيسمايو الجنوبية وحوله، وفي بيداوه المكان المقترح لعقد المصالحة. كما سجلت وفاة 180 صومالياً غرقاً قبالة السواحل اليمنية خلال محاولتهم الفرار من الحرب واللجوء الى اليمن. وتوفي نحو 270 آخرين من جراء اصابتهم بالملاريا والكوليرا. وجرى خطف 10 اشخاص بينهم 9 أجانب يعملون لمصلحة منظمات إغاثة في نيسان ابريل، كما خطفت ممرضة اوروبية في ايلول سبتمر.
الى ذلك، لم يُفتتح ميناء مقديشو ولا مطارها كما وعد عيديد وعلى مهدي مرات عدة خلال السنة، لكنهما اعلنا في الخامس من آب اغسطس تشكيل إدارة مشتركة لاقليم بنادر الذي تقع مقديشو ضمنه. لكن تلك الادارة لم تمنع تجدد القتال في الاقليم الذي ظهر كدويلة مثل الدويلات الاخرى التى نشأت شمال البلاد وشرقها منذ بدء الحرب عام 1991. وشهد الصومال في الثاني من تموز يوليو 98 اعلان "دولة ارض البونت" في شمال شرقي البلاد، وتضم هذه "الدولة" ستة اقاليم يرأسها زعيم "الجبهة الديموقراطية لانقاذ الصومال" سابقاً عبدالله يوسف. ووضعت "ارض البونت" دستوراً وشكلت حكومة وبرلمان.
وهكذا ينهي الصومال سنته الثامنة من دون حل لازمة الحرب الاهلية فيه، ولم تخلُ تلك السنة من عقد مؤتمرات دولية عدة خارج البلد، لكنها بقيت محاولات اكاديمية لحل ازمة عجز اصحابها عن الاتفاق.
السودان
السودان في 1998 يصمد للسنة التاسعة في مواجهة شبه حصار دولي شامل ضده منذ استيلاء الفريق عمر حسن البشير على السلطة بانقلاب عسكري في حزيران يونيو 1989. ويتابع البشير في هذه السنة 1998 محاولات تثبيت التجربة الاسلامية في الحكم. وكان ابرز تغيير جديد ظهر رسمياً في نهاية السنة هو إجازة مشروع قانون التعددية الحزبية الذي اطلق عليه اسم "قانون تنظيم التوالي السياسي" الذي شهد ومايزال جدلاً واسعاً بسبب الشروط التي تحيط به والذي يقول منتقدوه انه يجعل الاحزاب التي سيسمح لها بالعمل شبيهة بمجوعة احزاب تعمل في إطار الحزب الواحد.
التجربة الاسلامية لم تنجح ايضاً في تحسين الاوضاع الاجتماعية والتنمية عموماً خلال السنة، وربما كانت الحرب الاهلية المندلعة في جنوب البلاد والتي تستهلك الجزءالاكبر من موازنة البلد احد اسباب التردي الاجتماعي والتنموي. ولم يحسم البشير هذه الحرب عسكرياً كما وعد في مناسبات عدة منذ مطلع السنة التي شهدت حتى نهايتها تصعيداً في الجنوب والغرب حيث تنشط قوات "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة العقيد جون قرنق، وفي الشرق حيث كثفت المعارضة الشمالية المسلحة من عملياتها. ولم تُحسم الحرب سلماً ايضاً، إذ فشلت جولتي المفاوضات التي اجرتهما الحكومة مع "الحركة الشعبية" في آيار مايو في نيروبي وفي آب اغسطس في اديس ابابا.
وفي المحور الآخر من التجربة الاسلامية السودانية، شددت حكومة "ثورة الانقاذ الوطني" في بداية السنة على نهج استراتيجية جديدة في سياستها الخارجية تخرجها من عزلتها، خصوصاً مع دول الجوار. لكن على رغم المحادثات الكثيرة التي اجراها مسؤولون سودانيون في القاهرة، فإن العلاقات المصرية - السودانية لم تتحسن ولم ترقَ الى مستوى تسمح بزيارة البشير الى العاصمة المصرية التي تأجلت مرات عدة منذ العام الماضي ولم تحصل طوال السنة. وعلى رغم حصول زيارات متبادلة محدودة لمسؤلين سودانيين ااديس ابابا ولمسؤلين اثيوبيين الى للخرطوم في نهاية السنة، إلا ان الحكومة الاثيوبية اكدت تمسكها بموقفها عدم تطبيع العلاقات مع السودان قبل تسليمه المتهمين الثلاثة بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك التي جرت في العام 1995 في اديس ابابا. وفي نهاية السنة ايضاً، توسطت قطر لاعادة العلاقات المقطوعة بين الخرطوم واسمرا ووقع الطرفان في تشرين الاول اكتوبر "مذكرة تفاهم" لحل المشاكل بين البلدين، لكن لم يحصل اي تفعيل لهذه المذكرة. اما العلاقات مع اوغندا فقد بقيت مقطوعة، بل ساءت خلال السنة ولم تجر اي محاولات من الجانبين لاعادتها الى طبيعتها.
لكن السودان استفاد في شكل غير مباشر من نزاعات وحروب جرت في دول مجاورة له كانت تشكل عامل ضغط عليه فانشغلت بحروبها وتحول الضغط عن السودان. فاريتريا واثيوبيا اللتين كانتا تساعدان المعارضة السودانية المسلحة وقرنق انشغلتا في نزاع حدودي وحرب محدودة ما زالت مستمرة منذ آيار مايو. وربما يفسر ذلك الغزل السياسي الذي ظهر من بعيد في نهاية السنة بين السودان واثيوبيا من جهة وبين السودان واريتريا من جهة اخرى. الى ذلك، انشغلت اوغندا التي كانت تساعد قوات قرنق انطلاقاً من مناطق الحدود الشمالية السودانية الى جنوب السودان في حرب الكونغو الديموقراطية زائير سابقاً فركزت اهتماماتها الامنية ناحية المناطق الشرقية المحازية للكونغو.
خارج دول الجوار، واصلت الولايات المتحدة الحظر الشامل الذي كانت فرضته على السودان قبل نحو سنة، وساءت العلاقات بين البلدين في 22 آب اغسطس عندما وجهت اميركا ضربة عسكرية على موقع في الخرطوم استهدف مصنع "الشفاء" للادوية ودمره رداً على عمليتي تفجير السفارتين الاميركيتين في نيروبي ودار السلام. وقالت واشنطن ان المصنع كان ينتج مواد تستخدم في تصنيع مواد سامة، ونفت الحكومة السودانية الاتهام وطالبت بلجنة تحقيق دولية تؤكد ادعاء واشنطن او تنفيه.
اثيوبيا- اريتريا
فاجأت اثيوبيا واريتريا المتابعين لشؤونهما بنشوب نزاع على الحدود بينهما في منتصف السنة، وتحول النزاع الذي بدأ في الاسبوع الاول من آيار مايو حرباً ضارية بين البلدين خفت حدتها في نهاية حزيران يونيو، لكن المعارك استمرت متقطعة في شكل مناوشات خفيفة وتواصلت مع نهاية السنة التي شهدت ايضاً نهاية نزاع آخر بين اليمن واريتريا على جزر حنيش. ففي التاسع من تشرين الاول اكتوبر صدر قرار هيئة التحكيم الدولية فى قضية النزاع بين اليمن واريتريا على الجزر التى كانت موضوع التحكيم فى جنوب البحر الاحمر. وقضى قرار المحكمة بحق اليمن السيادة على الجزر. وفي الاول من تشرين الثاني نوفمبر سلمت اريتريا رسمياً الجزر الى اليمن بعد فترة احتلال استمرت نحو ثلاث سنوات. وباشر البلدان مرحلة جديدة في إعادة تطبيع العلاقا بينهما.
وكان النزاع الحدودي الاريتري - الاثيوبي مفاجأة لأن زعيمي البلدين الرئيس الاريتري اساياس افورقي ورئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي كانا رفيقي سلاح لفترة طويلة، وانهيا سوياً في ايار مايو 1991 ثلاثين عاماً من الحروب الاهلية كانت اطول الحروب في افريقيا. لكن ما حصل في آيار بدد آمال الكثيرين، خصوصاً من ابناء البلدين والدول المجاورة الذين ما كادوا يشعرون بنعمة الاستقرار ليعودوا مجدداً الى الحروب.
النزاع بدأ في 13 آيار في باديمي وهي إحدى مواقع الخلاف الرئيسية التي تقع في مثلث يغرا الصخري الذي تبلغ مساحته 400 كيلومتر مربع على طول الحدود الغربية. وسرعان ما امتدت رقعة المعارك الى مناطق حدودية عدة، وفي حزيران يونيو استخدم كل من طرفي النزاع المقاتلات الحربية لقصف مواقع الطرف الآخر. وقُصفت العاصمة الاريترية للمرة الاولى منذ تحريرها في آيار 1991. وادت المعارك الى سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى من الجانبين من آيار حتى نهاية السنة. كما شهدت تلك الفترة نزوح آلاف السكان من مناطق النزاع.
واوقفت اثيوبيا في تموز يوليو رسمياً استخدام ميناء عصب الاريتري الذي كان يمر عبره نحو 80 في المئة من البضائع الاثيوبية، وحولت تصدير واستيراد بضائعها الى ميناء جيبوتي. وزاد ذلك من تعقيد النزاع الذي حاول التوسط فيه دول وهيئات كثيرة اقليمية ودولية، وكان ابرز مبادرات الوساطة تلك التي تقودها منظمة الوحدة الافريقية وآخرى تقودها الولايات المتحدة. لكن أياً من هذه المبادرات لم يتوصل الى حلحلة النزاع مع نهاية السنة. إذ تطالب اثيوبيا اريتريا بسحب قواتها من المناطق الحدودية التي دخلتها بعد 13 آيار، في حين تعتبر اريتريا ان تلك المناطق تابعة لها، وطالبت بحل النزاع عبر ترسيم الحدود بوجود طرف ثالث والتفاوض عبر لجنة تحكيم دولية.
جيبوتي
وسعت جيبوتي منذ مطلع السنة دائرة علاقاتها الخارجية، خصوصاً مع الدول المجاورة. إذ وقعت اتفاقات عدة مع اثيوبيا يتعلق معظمها باستخدام ميناء جيبوتي وتفعيل استخدام القطار الذي يربط اديس ابابا بجيبوتي. وفي هذا الاطار قام وفد من الاتحاد الأوروبي في الرابع من كانون الاول ديسمبر بزيارة تفقدية واستقل القطار في رحلة من ديرداو الاثيوبية الى جيبوتي للاطلاع على سير الأعمال في سكة الحديد ضمن تعهدات الاتحاد الأوروبي لدعم هيئة سكة الحديد الذي يزيد عمرها عن المئة سنة.الى ذلك، اعلنت فرنسا رصد 35 مليون دولار لتطوير القطارات العاملة واجراء اصلاحات على الخدمات التي تقدمها.
وفي الرابع من نيسان ابريل وقعت جيبوتي مع اليمن نحو عشرين اتفاق تعاون خلال اجتماع للجنة الوزارية المشتركة. وتشمل هذه الاتفاقات خصوصاً التعاون القضائي والتبادل التجاري والثقافي والرياضي، والصحة والنقل والسياحة.
لكن في مقابل ذلك، قررت جيبوتي في 17 تشرين الثاني نوفمبر قطع علاقاتها الديبلوماسية مع اريتريا التي اتهمتها "بدعم المجهود الحربي الاثيوبي" ضد اسمرا. وكانت جيبوتي نفت هذا الاتهام وطالبت اريتريا باعتذار رسمي.
وعلى الصعيد السياسي الداخلي، واصلت الحكومة الجيبوتية إحكام قبضتها على المعارضة المدنية وكذلك المعارضة المسلحة. فاوقفت في نيسان ابريل الماضي نحو 15 رجلاً مسلحاً قرب عرتا 35 كلم الى الجنوب من جيبوتي.
واعادت السلطات الحكومية اعتقال وزير الخارجية السابق الامين العام السابق لحزب التجمع الشعبي من اجل التقدم الحاكم مومن بهدون فرح في السادس من آيار مايو، وذلك "للاشتباه بتمويله" نشاطات حركة تمرد شعبي في جنوب البلاد. وفي اليوم نفسه اوقفت السلطات المعنية مدير صحيفة "لوبوبيلير" المعارضة عمر احمد فانسان ورئيس تحريرها ابو بكر أحمد اوليد كما صودرت معداتها.
وكان فرح استبعد من وزارة الخارجية في أيار مايو 1996 وفُصل من الحزب مع عدد من الوزراء الآخرين وحكم عليه في آب اغسطس 1996بالسجن لمدة ستة أشهر ومنع من ممارسة حقوقه المدنية لمدة خمس سنوات.
الى ذلك، اعلنت "اللجنة من أجل الديموقراطية والتطور" الجيبوتية المعارضة في بيان أصدرته في 21 تشرين الاول اكتوبر في باريس ان السلطات الجيبوتية عملت على "تصعيد القمع والاضطهاد الذي تمارسه في حق معتقلي الرأي المحتجزين في سجن غابود في العاصمة جيبوتي". وذكر البيان ان هذا التصعيد "أعقب اقتحام مقر السفارة الجيبوتية في باريس قبل عشرة أيام للمطالبة باطلاق هؤلاء المعتقلين".
وكانت الحكومة الجيبوتية نجحت قبل نحو عامين في شق "جبهة إعادة الوحدة والديموقراطية" فرود التي يقودها رئيس الوزراء السابق احمد ديني احمد، وانضم عدد من قادة هذه "الجبهة" الى الحكومة، في حين واصل ديني قيادته المعارضة المسلحة من المنفى. إذ استقر فترة في صنعاء ثم غادر الى اديس ابابا، ولم يجد في العاصمتين حرية في التحرك فغادر الى باريس. وعلى رغم الخناق المضروب حول عناصر "فرود"، إلا انها قيادتها اعلنت نجاحها في نصب مكمن في التاسع من تشرين الثاني نوفمبر الماضي لقافلة عسكرية في منطقة تجوره مما ادى الى سقوط ثمانية قتلى وعدد كبير من الجرحى.
وأعلن وزير الدفاع الجيبوتي عبدالله شيروا جبريل في اليوم التالي ان خمسة جنود قتلوا واصيب تسعة آخرون بجراح بينهم اربعة بحالة الخطر ، وقال ان الحادث حصل بسبب انفجار لغم تحت السيارة التي كانت تقلهم في منطقة تجورة جنوب شرق البلاد.
جزر القمر
على الجانب المقابل للقرن الافريقي في المحيط الهندي، توجد جمهورية جزر القمر الفيديرالية الاسلامية التي تضم اربع جزر هي القمر الكبرى وهنزوان وموهيلي ومايوت وهي مستعمرة فرنسية سابقة مساحتها 1870 كيلومتراً مربعاً وعدد سكانها نحو 500 ألف شخص وانضمت الى عضوية جامعة الدول العربية عام 1993 وواجهت منذ ذلك التاريخ مشاكل داخلية كان ابرزها انفصال جزيرة هنزوان في 1997، واستمرت تفاعلات هذا الانفصال مستمرة حتى نهاية 1998.
اختار الانفصاليون في جزيرة هنزوان نحو 250 ألف نسمة في 3 آب اغسطس 1997 بعد أشهر من التوتر والاشتباكات الانفصال من جانب واحد عن موروني معلنين استقلالهم أثناء تظاهرة جرت في موتسامودو كبرى مدن الجزيرة. ونظم زعيم حركة الانفصال عبدالله ابراهيم 71 عاماً في 27 تشرين الاول اكتوبر من السنة نفسها استفتاء على استقلال الجزيرة واعلن نتيجته ان 88،98 في المئة أيدوا الاستقلال عن جمهورية جزر القمر. وشهدت هنزوان منذ إعلان استقلالها وحتى تنظيمها الاستفتاء محاولات عدة لحضها على الرجوع الى الجزيرة الام باءت كلها بالفشل. إذ تدخلت قوات الحكومة المركزية في موروني بارسالها قوات واجهت الانفصاليين وسقط خلالها عشرات القتلى قبل ان تعود هذه القوات ادارجها. كما تدخلت كل من فرنسا ومنظمة الوحدة الافريقية وجامعة الدول العربية بمبادرات سلمية، لكنها فشلت في اقناع عبدالله ابراهيم وقف حركته.
وبعدما استكانت هنزوان لنفسها رافضة العودة الى الاتحاد الفيديرالي مع بقية الجزر القمرية، بدأت مطلع 1998 صراعاً مسلحاً على السلطة، ففي العاشر من شباط فبراير شهدت الجزيرة اول صدامات مسلحة بين قوات الزعيم الانفصالي عبدالله ابراهيم وقوات الناطق باسمه و"وزير الخارجية" سابقاً محمد عبدو ماضي انتهى بتثبيت سلطة الاول.
واستمر الصراع على السلطة خفياً في هنزوان، ففي تموز يوليو اقال عبدالله ابراهيم "رئيس وزرائه" شمس سعيد عمر، فيما واصلت حكومة موروني خلال السنة اتصالاتها وجهودها الديبلوماسية في محاولة للحصول على دعم عسكري وسياسي دولي واقليمي يعيد اليها الجزيرة المتمردة.
وفي السادس من تشرين الثاني نوفمبر توفي رئيس جزر القمر محمد تقي عبدالكريم عن 62 عاماً اثر اصابته بنوبة قلبية. وعُين رئيس الوزراء السابق تاج الدين بن سعيد ماسوندي قائماً باعمال الرئيس، وهو من مواليد جزيرة هنزوان لكنه معروف بمعارضته اعلان الجزيرة انفصالها.
وكانت نهاية السنة كبدايتها في هنزوان، إذ تجددت المواجهات المسلحة في الجزيرة بين الميليشيات المتنافسة في الخامس من كانون الاول ديسمبر. واندلعت الاشتباكات بين عناصر ميليشيا من موتسامودو المدينة الرئيسية في الجزيرة والمقر العام ل "رئيس" هنزوان عبدالله ابراهيم، وعناصر ميليشيا من دوموني الواقعة في الناحية الاخرى من الجزيرة حيث تسيطر قوات موالية ل شمس سعيد عمر المعارضة للرئيس عبدالله.
واستمر القتال حتى منتصف الشهر وسقط خلاله نحو 60 قتيلاً وعشرات الجرحى. وناشد ابراهيم فرنسا ومنظمة الوحدة الافريقية التوسط في النزاع القائم بينه وبين قوات شمس، فأرسلت منظمة الوحدة الافريقية فريقاً في مهمة استطلاعية لتحضير ارسال محتمل لقوات فصل في هنزوان، فيما امتنعت فرنسا عن التدخل في ازمة الجزيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.