«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عام هادئ في مصر : عنف "الجهاد" يتجه الى الخارج ومبادرة "الجماعة الاسلامية" تسير نحو النجاح
نشر في الحياة يوم 28 - 12 - 1998

بعد ست سنوات، كان العنف في مصر حدثاً شبه يومي، منذ تفجر الصراع بين الجماعات الدينية والحكومة في ربيع 1992. لكن البلد لم يشهد طوال 1998 حادثة واحدة كبيرة، منذ مبادرة وقف العنف التي اطلقها في تموز يوليو من العام الماضي القادة التاريخيون لتنظيم الجماعات الاسلامية الذين يقضون عقوبة السجن في قضية اغتيال الرئيس الراحل انور السادات. غير ان الاوساط المصرية انشغلت بأنواع أخرى من الصراعات كان على رأسها مواجهة الحملات الخارجية التي يتبناها بعض اقباط المهجر بمشاركة مؤسسات في دول اجنبية بالحديث عن تعرض الأقباط لاضطهاد، وفي الوقت نفسه فإن السنة لم تنته قبل ان يتفجر صراع بين الحكومة والمنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان التي اتهمت من جانب دوائر حكومية بإعداد تقرير حول احداث وقعت في آب اغسطس الماضي في قرية الكُشح استندت اليه اوساط غربية للتدليل على سوء اوضاع الأقباط.
حلت في شهر كانون الثاني يناير الذكرى السبعون لتأسيس جماعة "الإخوان المسلمين" التي تعاني حصاراً أمنياً وحظراً سياسياً لم يمكنها من الاحتفال بالمناسبة، واكتفت الجماعة باعلان تلقيها برقيات للتهنئة كان بينها برقية للبابا شنودة. ولكن الحكومة أبت الا ان تقدم للإخوان التهنئة على طريقتها فاعتقلت عدداً منهم في محافظات عدة واحالتهم على النيابة بتهمة "التخطيط لقلب نظام الحكم". وشهدت حفلة إفطار رمضانية أقامها مؤسسو حزب "الوسط" هجوماً على الاخوان وانتقادات للطريقة التي يدير بها شيوخ الجماعة التنظيم. وطالب سياسيون ينتمون الى تيارات مختلفة، تحدثوا في الحفلة بوفاق وطني بين القوى السياسية، منتقدين هيمنة كبار السن على مقدرات العمل السياسي في البلاد. ولفتوا الى ان الوضع في احزاب المعارضة يفوق سوءاً الوضع في الحكومة. واذا كانت الاجراءات الحكومية وخروج حزب "الوسط" من قلب الاخوان اصاب التنظيم بحالة من الجمود فإن نشاط القادة التاريخيين لتنظيم "الجماعة الاسلامية" وإصرارهم على تفعيل مبادرتهم السلمية وضع الجماعة في بؤرة الضوء وصار ما يصدر عنهم من بيانات محط اهتمام وسائل الاعلام، خصوصا في ظل رفض بعض قادة الجماعة في الخارج، وعلى رأسهم مسؤول مجلس الشورى رفاعي احمد طه على رفض التعاطي مع المبادرة. وقبل ان ينتهي الشهر كان اصحاب المبادرة تمكنوا من تسريب بيان تضمن انتقادات لموقف زملائهم في الخارج. غير ان دعوة هؤلاء ظلت تصطدم بعقبات في طريقها، كان من بينها الحكم الذي اصدرته محكمة امن الدولة في 27 من الشهر في قضية "الاغتيالات الكبرى" بإعدام ثلاثة من عناصر الجماعة والمؤبد لأربعة، لكن القادة التاريخيين عادوا قبل نهاية الشهر ليؤكدوا، عبر بيان آخر، ان مبادرتهم "ستتواصل رغم العقبات".
وكانت العقبة التالية في اليوم الثاني من شباط فبراير عن طريق حكم من محكمة عسكرية في قضية تتعلق بمخطط لپ"الجماعة الاسلامية" لاغتيال مسؤولين ورجال أمن ورئيس محكمة امن الدولة العليا المستشار احمد صلاح الدين بدور، وقضت المحكمة بإعدام متهمين هما جمال ابو رواش وطه عبدالرازق والمؤبد لآخر والسجن لمدد مختلفة لآخرين. وفي اليوم نفسه وقعت مصر واليونان اتفاقا للتعاون الامني تضمن نصاً على تبادل تسليم المطلوبين، الامر الذي اعتبر تتويجاً لجهود ظلت مصر تبذلها لسنوات لاقناع دول اوروبية بتوقيع اتفاقات معها في ذلك المجال. وعلى الجانب الآخر بدأ صراع من نوع جديد بين شيخ الازهر الدكتور محمد سيد طنطاوي وجبهة العلماء التي صعّدت عبر بيان اصدرته في شباط من انتقاداتها للشيخ رصد بعضاً من مآخذ العلماء عليه، وكان على رأسها لقاؤه مع الحاخام الاسرائيلي لاو.
وشهد الشهر نفسه بداية الحديث عن اوضاع الاقباط، حينما وجهت صحيفة "وطني"، الناطقة باسم الاقباط المصريين، انتقادات الى "الخط الهمايوني"، وهو الاسم الذي يطلقونه على القانون الذي يقضي بضرورة حصول الاقباط على موافقة رئيس الجمهورية قبل اجراء اي تعديل او صيانة او اصلاحات لكنائسهم.
غير ان الحدث الامني الأهم في شهر شباط فبراير كان الصدام الذي وقع بين الشرطة واهالي احدى قرى مدينة الاقصر الذين تصدوا لمحاولة الشرطة إخلاء منازلهم التي بنوها من دون ترخيص في مناطق قريبة من الآثار. ووجهت الصحف المصرية وقتها انتقادات الى الشرطة واعتبروا أن "المعالجة الخاطئة للقضية كانت وراء الصدام الذي ادى الى مقتل وإصابة 11 مواطناً".
وصاحب زيارة زعيم حركة "حماس" الشيخ احمد ياسين لمصر تعتيم اعلامي كبير ومنع الصحافيون من لقائه وهو قضى ايام الزيارة في مستشفى الجلاء ولم يعده احد من المسؤولين. وحتى زيارة شيخ الازهر له لم تحظ بتغطية اعلامية مناسبة، وحين سئل المسؤولون المصريون عن السبب ذكروا أن "الشيخ ياسين في مصر للعلاج وليس لغرض آخر".
وشهد شهر شباط فبراير تأسيس "الجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين"، واعلن ان اسامة بن لادن وزعيم جماعة "الجهاد" الدكتور ايمن الظواهري ومسؤول مجلس شورى الجماعة الاسلامية رفاعي احمد طه وجماعتين من باكستان واخرى من بنغلاديش وقعوا على البيان التأسيسي لها، وبدا أن شيئا من جانب الاسلاميين يُعد ضد الاميركيين، فالجبهة اعلنت انها تهدف الى "قتل الاميركيين ونهب اموالهم أينما كانوا".
وفي الوقت الذي تواصلت فيه الجهود لتفعيل المبادرة السلمية، اصدر قادة الجماعة المقيمون خارج مصر، والذين كانوا اختلفوا على عملية الأقصر والمبادرة السلمية، بياناً اعلنوا فيه انه تم تجاوز الخلافات وأن الجماعة كل الجماعة تدرس التعاطي بإيجابية مع المبادرة السلمية.
وفي المقابل فإن الجهود المصرية لتطويق الاصوليين المقيمين في الخارج لم تهدأ، حيث وقع اتفاق للتعاون القضائي مع اوزبكستان، وحظيت زيارة وزير داخلية باكستان باهتمام، واعلن اثناءها "اصرار البلدين على المضي في التعاون من اجل مكافحة الارهاب". وفي الداخل نفذت السلطات قبل نهاية الشهر حكماً بالإعدام في اربعة اصوليين كانت الاحكام صدرت ضدهم في العام السابق.
أزمة الصحافة
خرجت التظاهرات في كل المدن المصرية في اليوم الاول من شهر آذار مارس، غير انها لم تكن تظاهرات احتجاجية بل احتفالية. فالحدث الاهم لدى المصريين والذي غطى على كل الاحداث كان عودة الفريق الوطني لكرة القدم الى البلاد حاملاً الكأس الافريقية، وللمرة الاولى يقف رئيس مصري على ارض المطار ليستقبل بنفسه فريقاً رياضياً حصل على بطولة.
وعلى الصعيد السياسي عاد رئيس تحرير صحيفة "الشعب"، التي يصدرها حزب العمال المعارض مجدي احمد حسين، من زيارة لطهران ليجد رجال الشرطة في انتظاره، ومن المطار توجه الى سجن طرة ليقضي فترة عقوبة الحبس لمدة سنة تنفيذا لحكم صدر ضده في قضية كان اقامها وزير الداخلية السابق اللواء حسن الالفي. غير ان ازمة الصحافة سارت في اتجاهات اخرى بعد ما كثر الحديث عن صحف الفضائح والجنس، فقرر المجلس الاعلى للصحافة الغاء تراخيص 11 منها.
وشهد الشهر أول حادثة عنف في الصعيد حينما قتل شرطي واربعة مسلحين في معركة في المنيا، وخرجت تساؤلات عن موقف عناصر الجناح العسكري لتنظيم "الجماعة الإسلامية" من المبادرة السلمية، لكن اصحاب المبادرة لفتوا الى ان القتلى الاربعة كانوا يدافعون عن انفسهم ولم يبادروا بشن هجوم.
واحتفت الدوائر الرسمية المصرية بزيارة قام بها وفد يمثل كنائس نيويورك، وصرح رئيس الوفد في نهايتها أنه تأكد انه "لا صراع في مصر بين المسلمين والاقباط"، وكان من اللافت ان تنتقد صحيفة الاقباط الزيارة وتعتبرها "تدخلاً في الشؤون الداخلية لمصر". في حين بدأت الصحف القومية هجوماً على مشروع قانون الاضطهاد الديني في الكونغرس الاميركي.
وباستثناء زيارة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير للقاهرة التي تركز فيها البحث مع المسؤولين المصريين على التعاون الاقتصادي ومكافحة الارهاب، فإن الاوساط المصرية لم تنشغل في شهر نيسان ابريل بجديد اللهم الا التوقيع على الاتفاق العربي لمكافحة الارهاب في مقر الجامعة العربية، واستمرت الجهود الشعبية من جانب رموز المسلمين والاقباط للرد على الحملة الخارجية التي تتحدث عن تعرض الاقباط للاضطهاد.
أقباط المهجر
اتخذ حديث أقباط المهجر عن أوضاع أقباط الداخل منحى جديداً مع اليوم الأول من شهر آيار مايو. فالأوساط المصرية فوجئت في ذلك اليوم بإعلان منشور على صفحة كاملة في صحيفة "الواشنطن بوست" دفع ثمنه عدد من الاتحادات القبطية في الخارج وتضمن مزاعم بالغة الخطورة.
اذ دعا صراحة الى التدخل لحماية الأقباط داخل مصر، وهبت الأوساط المصرية والشعبية للتصدي للحملة، وعقد البابا شنودة مؤتمراً صحافياً نفى فيه تعرض الأقباط للاضطهاد، وأعلن عن التوصل الى اتفاق مع وزارة الأوقاف على تسوية قضية الأوقاف القبطية. وتعرضت مبادرة وقف العنف في الشهر نفسه لاختبار آخر، حينما اصدرت محكمة مصرية الأحكام في قضية "العائدون من السودان وافغانستان" وتضمنت الإعدام لإثنين والسجن لمدد مختلفة ل 15 آخرين من عناصر الجماعة الإسلامية. كما نفذت السلطات حكم الإعدام في الشقيقين صابر ومحمود ابو العلا فرحات اللذين كانا نفذا هجوماً على باص يقل سياحاً ألماناً في العام السابق، وتبين أنهما لا ينتميان الى تنظيم أصولي، ولكنهما كانا يعتنقان فكر "الجهاد".
وعلى صعيد نشاط الأصوليين في الخارج فإن "الجبهة الإسلامية العالمية لنضال اليهود والصليبيين" أصدرت بيانها الثاني وضمنته تهديدات جديدة للأميركيين واليهود، وتزامن البيان مع مؤتمر صحافي عقده اسامة بن لادن في افغانستان ظهر فيه للمرة الأولى علناً زعيم "الجهاد" الدكتور أيمن الظواهري حيث كان يجلس اثناء المؤتمر على يمين ابن لادن، ووضع ظهوره حداً لتخمينات حول المكان الذي يعيش فيه.
ولعل أبرز أحداث الشهر كان الحكم الذي اصدرته محكمة الأحزاب بتأييد قرار لجنة شؤون الأحزاب برفض منح مؤسسي حزب "الوسط" ترخيصاً لمزاولة نشاط سياسي. ولأن أحكام تلك المحكمة نهائية فإن وكيل المؤسسين المهندس أبو العلا ماضي قدم أوراق تأسيس حزب جديد باسم "الوسط المصري" الى لجنة الأحزاب ليبدأ فاصلاً جديداً من أجل الحصول على الترخيص.
وفاة الشعراوي والحديث عن ابن لادن
مثلت وفاة الشيخ محمد متولي الشعراوي في حزيران يونيو صدمة للأوساط الشعبية المصرية لما كان يحظى به من مكانة خاصة بغض النظر عن مواقفه السياسية المتناقضة، وتحولت جنازته الى تظاهرة شعبية شارك فيها نحو مليون مواطن. وكان الشعراوي هاجم قبل وفاته بأيام شيخ الأزهر واعترض على مشروع قانون جديد تبناه طنطاوي لاختصار مدة الدراسة في المعاهد الأزهرية ثم أصدر بياناً ذيله بتوقيعه ووزعه على الصحف تراجع فيه عن اعتراضه وأيد سياسات طنطاوي.
أما أعضاء جبهة "علماء الأزهر" فإنهم زادوا من هجومهم على طنطاوي ووصفوا مشروع القانون بأنه "جريمة في حق الأزهر"، و"محاولة لتصفيته"، وتصاعدت الأحداث بقيام لجنة تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية بتفتيش مقر الجبهة ومصادرة ما فيه من أوراق، وبدا أن قراراً وشيكاً يصدر بحل الجبهة.
وشهد الشهر نفسه صدور قرار من المجلس التأديبي للشرطة بعزل اثنين من كبار الضباط بعد ادانتهما بالتقصير والإهمال في أداء عملهما اثناء حادثة الأقصر الشهيرة، وتزامن ذلك مع تنفيذ حكم الإعدام في اثنين من عناصر "الجماعة الإسلامية"، وبدء الحديث في مصر عن دور لاسامة بن لادن في أعمال العنف داخل مصر، بعدما تسلمت مصر ناشطاً إسلامياً مصرياً هو سعيد سلامة من إحدى الدول العربية، ونسبت السلطات إليه قيامه بالعمل على تأسيس قواعد التنظيم "القاعدة" الذي يقوده ابن لادن في دول افريقية وأوروبية، واتهم سلامة لاحقاً في قضية "العائدون من ألبانيا".
وارتفعت سخونة الأحداث مع ارتفاع درجة الحرارة في شهري تموز وآب يوليو واغسطس، إذ صدر قرار بحل جبهة "علماء الأزهر" وأحيل عدد من أعضائها على التحقيق، وكان من بينهم بعض المحسوبين على جماعة "الإخوان المسلمين" التي تعرضت في الشهر نفسه لمحنة أخرى بالقبض على عدد من أعضائها في محافظات عدة، ولم تخلُ الصحف المصرية في ذلك الشهر من سجال صار معتاداً كل عام حول إيجابيات وسلبيات ثورة تموز يوليو 1952. وفوجئت الأوساط المصرية ببيان أصدره مسؤول مجلس شورى "الجماعة الإسلامية" رفاعي أحمد طه أعلن فيه أن "التنظيم ليس طرفاً في الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين". ونفى أن يكون وقع على البيان التأسيسي للجبهة التي شكلت في شباط فبراير. وقال: "نحن لسنا طرفاً في جبهة تعمل ضد الأميركيين"، وأثار ذلك تساؤلات عن الأسباب التي دفعت طه الى الصمت خمسة شهور دون أن ينفي ما جاء في البيان الأول للجبهة، وسرت تخمنيات بأن "الجماعة الإسلامية" حرصت على أن تنأى بنفسها عن الدخول في مواجهة مع اميركا، خصوصاً أن الإعلان تم قبل عشرة أيام فقط من تفجر سفارتيها في نيروبي ودار السلام.
وعلى الرغم من أن موجة الحر في شهر آب اغسطس تسببت في وفاة 17 مواطناً، إلا أن الاهتمام الأكبر انصب على التهديد الذي وجهته "جماعة الجهاد" التي يقودها الظواهري الى أميركا عبر بيان نشرته "الحياة" يوم 7 آب اغسطس، وتعهد فيه التنظيم بتنفيذ عمل انتقامي في غضون ساعات رداً على قيام الاستخبارات الاميركية بالقبض على عدد من اعضاء الجماعة في ألبانيا وتسليمهم الى مصر، ولم يمض سوى ثلاثة ايام إلا وتم تفجير سفارتي اميركا في نيروبي ودار السلام، ما اعطى انطباعاً بأن الجماعة كانت وراء الحادثتين، وحينما اعلنت منظمة "الجيش الاسلامي لتحرير المقدسات" مسؤوليتها عن التفجيرين بدا من اسلوب صياغة بياناتها انها صادرة عن جناح عسكري لپ"الجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين". ويبدو ان رد الفعل الاميركي الذي تمثل في توجيه ضربة الى كل من افغانستان والسودان اجبر الاصوليين المقيمين خارج مصر على الصمت.
وربما ينطبق المثل الشعبي القائل مصائب قوم عند قوم فوائد على الحالة المصرية، فوقوع التفجيرين خارج مصر اعطى انطباعاً بأن الحالة الامنية تجعل من تنفيذ عمل في الداخل بات امر مستحيل، ودعم وجهة النظر المصرية التي ظل المسؤولون المصريون يحاولون إقناع الدول الغربية بها، والتي تقوم على ان الارهاب الذي عانت منه مصر كثيرا نتيجة نشاط الاصوليين المقيمين في الخارج سيطال يوماً الدول الغربية التي آوت هؤلاء ومنحتهم اللجوء السياسي.
ولعل ما حدث في شهر ايلول سبتمبر يؤكد ذلك الاعتقاد، إذ أن الأوساط الرسمية المصرية رحبت بقيام السلطات البريطانية بتوقيف خمسة اصوليين مقيمين هناك، كما اعلن المكتب الدولي للدفاع عن الشعب المصري - مقره لندن - ان بلغاريا سلمت مصر إسلاميا محكوماً بالمؤبد، ونشرت انباء عن قيام جنوب افريقيا تسليم مصر ثلاثة آخرين.
وكانت جنازة مؤسس تنظيم "ثورة مصر" محمود نورالدين داخل السجن مناسبة لإظهار الكراهية لأميركا واسرائيل مجدداً، حيث حرق المشاركون علمي البلدين وأطلقوا هتافات معادية لهما. ولاقت خطوة الحكومة بإرسال طائرة تحمل مواد إغاثة الى السودان ترحيباً شعبياً وتزامن ذلك مع تصريحات اطلقها في مطار القاهرة وزير العدل الاميركي السابق رامزي كلارك في الوقت نفسه هو محامي زعيم "الجماعة الاسلامية" الدكتور عمر عبدالرحمن إثر عودته من زيارة للسودان هاجم فيها الادارة الاميركية، وأعلن انه تأكد ان مصنع الشفاء الذي تعرض للضربة الاميركية لم يكن مخصصاً لانتاج اسلحة كيماوية.
وقبل ان ينتهي الشهر تلقى مؤسسو حزب "الوسط المصري" - كالعادة - ما يفيد رفض لجنة شؤون الأحزاب منحهم الترخيص.
* اليوبيل الفضي لحرب تشرين:
غطى الاحتفال باليوبيل الفضي لذكرى حرب تشرين الاول اكتوبر على كل الأحداث في مصر في ذلك الشهر، وللمرة الاولى تبنت الدولة تنظيم ندوة كبرى تحت عنوان "الندوة الاستراتيجية لنصر اكتوبر"، تحدث فيها العسكريون ممن عاصروا الحرب، والسياسيون ممن تابعوا آثارها، قُدمت خلالها ابحاث ودراسات قيمة، وعلى هامش المناسبة تصدى الكاتب الساخر محمود السعدني لما جاء في حديث نُشر لمفتي البلاد الدكتور نصر فريد واصل اعتبر فيها ان هزيمة حزيران يونيو وقعت لأن مصر كانت تحكم بالشيوعية، وأن نصر اكتوبر حدث "بعد ان عدنا الى الله"، ولم يعلق المفتي على مطالبة السعدني بإحالته على المحاكمة.
وعلى صعيد الاسلاميين فإن "الحياة" نشرت بياناً اصدره زعيم "الجماعة الاسلامية" الدكتور عمر عبدالرحمن الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في أحد السجون الاميركية، حمل دعوة سلمية ولهجة مختلفة لا تتضمن حضاً على العنف، وأثار البيان تفاعلات عدة بين اوساط الاسلاميين دفعت مسؤول مجلس شورى التنظيم رفاعي احمد طه يخرج عن صمته ويدلي بحديث الى "الحياة"، اكد فيه ان الجماعة "مستعدة للسير في الطريق السلمي إذا سمح لأعضائها بممارسة الدعوة".
وفجعت البلاد يوم 19 بحادثة قطار كفر الدوار الشهيرة، حين خرج القطار عن مساره واتجه الى الشارع الموازي لمحطة السكك الحديدية، وسحق في طريقه 45 مواطناً وجرف بيوتاً ومحلات وأكشاكاً ومقاهي كان اصحابها يذهبون الى حيث القطار ولم يتوقعوا يوماً أن يأتي هو إليهم.
ومع بداية الشهر التالي صدر قرار جمهوري باحالة قضية "العائدون من البانيا" على القضاء العسكري وباشرت النيابة العسكرية التحقيقات مع نحو 70 اصوليا ينتمي غالبيتهم الى "جماعة الجهاد" وبعضهم الى تنظيم "القاعدة" وتزامن ذلك مع تحقيقات اخرى باشرتها نيابة امن الدولة مع ثلاثة اصوليين كانت مصر تسلمتهم من جنوب افريقيا في حين نجحت السلطات المصرية في اقناع حكومة الاكوادور تسليمها اصولياً اخر اعتقل اثناء محاولته دخول ذلك البلد.
ونفذت السلطات في الشهر نفسه حكم الاعدام في اثنين من "الجماعة الاسلامية" وثالث من "الجهاد" وكان من اللافت ان التنفيذ تم بعد ايام قليلة من بيان سلمي جديد سربه المحكومون في قضية اغتيال رئيس مجلس الشعب الاسبق الدكتور رفعت المحجوب اعلنوا فيه تأييدهم مبادرة وقف العنف وتسبب ذلك في حملة شنها اصوليون يقيمون في الخارج ضد المحامي منتصر الزيات الذي يعد ابرز مروجي المبادرة السلمية ولكن لوحظ ان منتقدي الزيات لم يكن احد منهم من قادة "الجماعة الاسلامية" في الخارج وانما من المحسوبين على التيار الاسلامي من تنظيمات وحركات اخرى. ولم يسلم "الاخوان" في شهر تشرين الثاني نوفمبر من اجراء حكومي جديد ضدهم حيث القي القبض على 28 متهماً في محافظات عدة احيلوا على النيابة بتهم لا تختلف عن التهم التي اعتادت اجهزة الامن توجيهها الى "الاخوان" وهؤلاء ما زالوا يقضون فترة حبس احتياطياً على ذمة التحقيقات. واذا كان الصدام بين الحكومة و"الاخوان" صار آمراً مألوفا فإن المواجهة بين الحكومة والمنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان شهدت تصعيداً غير مسبوق بدأ بتحميل المنظمة المصرية لحقوق الانسان جزءاً من المسؤولية عن الحملة الغربية التي تحدثت عن الاقباط بعد ان اصدرت المنظمة تقريراً حول أحداث قرية الكُشح تضمن من وجهة النظر الحكومية معلومات ضارة بالامن القومي والقت السلطات القبض على الامين العام للمنظمة واحالته على النيابة التي قررت حبسه لمدة 15 يوما ولكن قبل ان تمر المدة كانت النيابة استدعته مجدداً واطلقته بكفالة بعد ان ثارت ثورة باقي المنظمات الحقوقية وخصوصا تلك الموجودة في الخارج.
ويبدو ان جماعة "الجهاد" أبت إلا ان يمر العام من دون ان تلفت الانظار مرة اخرى فبعد نحو اربعة شهور من الصمت عقب تفجير سفارتي اميركا في نيروبي ودار السلام اصدر التنظيم في كانون الأول ديسمبر بياناً يتوعد فيه الاميركيين لحرب طويلة طاحنة. وعكس البيان اصرار قادة التنظيم على مواصلة الطريق الذي اختاروه لانفسهم ولعل ذلك كان السبب في ان السلطات المصرية حينما اطلقت مئات عدة من المعتقلين الاصوليين قبل نهاية العام بأيام قليلة جاءت غالبيتهم من اعضاء "الجماعة الاسلامية"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.