نيروبي - أ ف ب - عادت المجاعة الى الظهور في جنوب السودان عام 1998 مع ما ينتج عن ذلك من قوافل لاطفال اشبه بالهياكل العظمية وقد انتفخت بطونهم الأمر الذي ادى الى اعلان استنفار انساني لكن لم يحصل أي تقدم على جبهة الحرب الاهلية التي دخلت عامها السادس عشر. وتمكنت المبادرات الديبلوماسية من التوصل الى وقف محدود لاطلاق النار لكن الازمة في هذا البلد الذي يعد الاكثر اتساعاً في افريقيا لا تزال قائمة بين الشمال العربي الاسلامي والجنوب الذي تقطنه غالبية مسيحية وارواحية. والتقدم الوحيد في عملية السلام هو ان المعسكرين ابرما اتفاقاً مبدئياً على تنظيم استفتاء في شأن "الوحدة او الانفصال" بالنسبة الى الجنوب من دون تحديد موعد لهذا الاستفتاء ولا الحدود الجغرافية للجنوب. وفي نهاية العام كان الوضع العسكري في البلاد لا يزال على حاله تقريباً. فالمتمردون من الجيش الشعبي لتحرير السودان لا يزالون يسيطرون على القسم الاكبر من جنوب السودان لكنهم لم يتمكنوا من السيطرة على جوبا، اكبر مدن الجنوب، وقاعدتها الجوية التي تسيطر عليها القوات الحكومية. المعارضة الشمالية وفي الشمال حمل منشقون معارضون لنظام الرئيس عمر البشير السلاح في وجه الحكومة. واتهمت الخرطوم اريتريا واثيوبيا واوغندا بمساندة المتمردين عسكريا الامر الذي نفته تلك الدول الثلاث، بل ان كمبالا اتهمت في المقابل السودان بمساندة المتمردين الاوغنديين. وفي هذا الوقت ارتفع عدد ضحايا المعارك وواصلت المجاعة والامراض انتشارها ما رفع حصيلة الحرب الى ما يراوح بين مليون ومليون ونصف مليون قتيل منذ عام 1983. ومنذ شباط فبراير لوحت الوكالات الانسانية بخطر نشوء أزمة غذائية لكنها فوجئت بانتشار المجاعة التي زاد من حدتها الفيضانات والحرب قبل ان تتمكن في النهاية من تنفيذ "اكبر عملية القاء للمساعدات الغذائية من الجو" كما اعلن برنامج الغذاء العالمي. وفي كانون الاول ديسمبر الماضي كان برنامج الغذاء العالمي يؤمن 30 رحلة يومية الى جنوب السودان. وتلقى في الاجمال 6،2 مليون شخص، معظمهم من نازحي الحرب غير القادرين على ممارسة الزراعة، المساعدة الغذائية لكن في المناطق المعزولة لم يتمكن عدد من العائلات من تلقي هذه المساعدة. واتهم عاملون في المساعدات الانسانية المقاتلين من الجانبين بتحويل كميات كبيرة من المساعدات لحسابهم. حصيلة المجاعة ولم يمكن وضع حصيلة للمجاعة، مع ان منظمة "اطباء بلا حدود" الفرنسية قدرت في تموز يوليو الماضي ان 120 شخصاً يموتون يومياً من السكان الموجودين في مدينة اجييب ومنطقتها والبالغ عددهم 17500 شخصاً وهي احدى المناطق الاكثر تضرراً بالمجاعة في ولاية بحر الغزال. وفي نهاية تشرين الثاني نوفمبر الماضي اعلنت المنظمات الانسانية انه امكن تقريباً السيطرة على المجاعة لكنها اعربت عن القلق من احتمال تجدد الازمة في غياب تسوية للحرب. وقالت ماليني مورزاريا الناطقة باسم منظمة "اطباء بلا حدود" ان "المرحلة الصعبة من الازمة مرت لكن معدل سوء التغذية لا يزال مرتفعاً ولا يمكننا حتى الان القول ان المجاعة انتهت". واستناداً الى منظمة الاغذية والزراعة فاو فان حصاد عام 1998 من الحبوب سيكون اكبر مرتين من العام الماضي وينتظر ان يبلغ 537 الاف طن. لكن جان فرانسوا دارك المسؤول في البرنامج قال انه "ليس في امكان الجميع ان يحصدوا، فنصف سكان بحر الغزال نزحوا وهؤلاء لم يتمكنوا من الزرع وسيكون علينا بالتالي مساعدتهم حتى موسم الحصاد المقبل" في تشرين الاول اكتوبر 1999. واعرب احد العاملين في البرنامج الانساني عن قلقه قائلاَ: "اذا تجددت المعارك فان المساعدة يمكن ان تنقطع وسنشهد مجدداً السيناريو الذي شهدناه عام 1998". قرنق والاغاثة وفي تشرين الثاني نوفمبر الماضي توصل ممثلون عن "الجيش الشعبي لتحرير السودان" الذي يتزعمه العقيد جون قرنق والحكومة السودانية من تحديد اجراءات عملية لاقامة ممرات تتيح نقل المساعدات براً وبواسطة القطارات كما اتخذوا اجراءات لتحسين امن العاملين في المساعدات الانسانية. لكنهم في المقابل لم يقرروا تمديد ولا توسيع نطاق الهدنة التي تسري نظرياً حتى 15 كانون الثاني يناير المقبل في ولاية بحر الغزال. وأشار مسؤول في الاممالمتحدة في نيروبي الى ان الجهود السياسية لايجاد مخرج سلمي للازمة لا تزال في نقطة الصفر، مضيفاً ان "احتمالات ان نرى مفاوضات السلام تفضي الى نتيجة ايجابية ضعيفة". "صوملة" وميدانياً بدأ بعض قادة الفصائل التي تسيطر على اجزاء من الأراضي في العمل في شكل مستقل عن تعليمات "الجيش الشعبي لتحرير السودان" والحكومة مهددين بتحويل بعض مناطق جنوب السودان الى مناطق مستقلة على الطريقة الصومالية.