كأنْ لا شيء أبداً تودّ أن تقوله الرسامة رلى الشقيري في معرضها بلوحاته الواحدة والخمسين، وقد أقيم في المركز الثقافي الفرنسيّ. محو الشكل، غياب المضمون، ثم الإعلاء في شأن اللون في سعي للبلوغ به أعلى درجات ممكنة من بلاغة الضوء مع ما رافق ذلك من تقشف لوني حيث يتردد في أغلب اللوحات الأصفر والكحلي والبني بأخلاط هي فقيرة الوهج باستثناءات خاصة بالأصفر وتدرجاته. في معرض لها أواخر العام 95، بدا اللونان الأصفر والأحمر أكثر وهجاً في لوحة رلى الشقيري، ففي هذا المعرض تخلق الرسامة تعادلات مطفئة الإضاءة بين الألوان أو بين اللون الواحد واشتقاقاته. في هذا السياق يخرج الأصفر ليكون أكثر سطوعاً وليخلق التوازن ويكسره في لحظة واحدة في اللوحة. ولعل خلق هذا التوازن وكسره هو أبلغ ما يعطي لوحة الشقيري خصوصيتها، فالعادة أن يعطي الخطاب التشكيلي بحد ذاته أية خصوصية. ربما كان ذلك من جرّاء البناء وآلياته الذي اختارته الرسامة في بناء لوحتها. فالقارىء لحركة الفرشاة على القماش يرى طبقات اللون الأقرب الى القماش قد امتصت البريق من اللون الذي على وجه السطح. ما يوحي بأن الرسامة أنجزت لوحتها في منطقة معتمة أو مظللة، والإشارة هنا الى ما يتركه الضوء من أثر في عين المتفرج ومخيلته. والأعمال صغيرة الحجم بدا بعضها في المعرض وفيّاً لفكرة الفضاء، أي أن المساحات تتوزع فيها الألوان وفقاً لإيقاع غير الذي في سواها، فهي محكومة الى لون بعينه يقوم مقام خلفية تتحرك في فضائها بينما هي أحياناً اشتقاقات من اللون، ولم تخل بعض تلك اللوحات صغيرة الحجم من إيحاء بتجريد تعبيري حيث يمكن أن يرى المتفرج ظلال شخوص أو تأويلات لونية لظلال شخوص خلقها التوزيع الذي كانت وفقاً له المساحات اللونية متوزعة ضمن رؤية منظورية... لكن المتفرج سوف يكتشف أن ذلك الإيحاء ليس سوى نوع من الإيهام الذي يتبدد الى تشظي معه ينعدم التأويل وتعدده في حين ليس انعدام التأويل انغلاقه، ولعله تأرجح بين المنطقتين. في أية حال. اللوحات صغيرة الحجم التي كثرت في المعرض، يحسبها المرء لوحة واحدة قد تكررت غير مرة، بل ربما كان المعرض كله لوحة واحدة شديدة التنوع. ما الذي تريده الرسامة من معرضها هذا؟... لا شيء خارج الضوء... وتبدو الرسامة مأخوذة باتجاه اللون من حيث هو خطاب تجريدي بحت. ويمكن القول هنا، أن التجريد في لوحة رلى الشقيري ليس اعادة بناء لبنيات موجودة سلفاً في الأشياء أو الأفكار. ويبدو أنها لا تسعى الى اشتقاق شكل من شكل سابق أو الى تجريد الشكل بتحوير أو بإيحاء يحقق بنية لاحقة... هو ذهاب الى منبع الضوء بلا تكلّف. كأنها تتخفف من العناصر في ذهابها الى الضوء ومكتفية بذلك. من هنا لا دلالة واسعة أو أضيق في لوحة رلى الشقيري، بل لا معنى أصلاً، وغاية الرأب ربما كانت ملامسة الإحساس الداخلي بألوان من الأعماق الفردية حين يمكن للمتفرج الاستجابة للضوء. ولتحقيق ذلك الانسجام يحتاج المرء غير تجربة جمالية في القراءة البصرية للوصول الى تلك النتيجة مع أنه ليس محسوماً دائماً الوصول اليها في كل اللوحات.