ساد تفاؤل فلسطيني، على المستوى الرسمي على الأقل، بزيارة الرئيس بيل كلينتون للأراضي الفلسطينية الاثنين، وهو توجه امس الى اسرائيل. راجع ص 4 و5. ورأى المسؤولون الفلسطينيون في زيارة كلينتون لاراضي الحكم الذاتي اعترافاً، ولو بصورة غير مباشرة، في شكل ما بالسيادة الفلسطينية يقترب من الحلم الذي حملته لافتات على مداخل غزة وبيت لحم: "لدينا حلم بالحرية والاستقلال". الحلم ذاته تجسد ايضاً في حياكة الاعلام الفلسطينية والاميركية بأحجام تغطي عرض الشارع، للتعبير عن الترحيب بالرئيس الاميركي، وعن الحلم بالمساواة ولو من باب الشكل مع الآخرين. وباتت الاعلام الاميركية تباع مع الاعلام الفلسطينية بعدما كانت قبل ساعات تحرق مع الاعلام الاسرائيلية خلال التظاهرات الداعية الى اطلاق الفلسطينيين المحتجزين في السجون الاسرائيلية. واستمرت هذه التظاهرات في الضفة الغربية قبل وصول كلينتون، وخلالها أصيب عشرة فلسطينيين برصاص الجيش الاسرائيلي. واستكمل المسؤولون الأمنيون استعداداتهم لتنفيذ الخطة الأمنية التي وضعت بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي آي اي لحماية كلينتون والوفد المرافق له الذي يضم حوالى 1200 شخصية سياسية وامنية، اضافة الى زوجته هيلاري وابنته تشيلسي. وانتشرت قوات امن اميركية مع دوريات الشرطة الفلسطينية للتحقق من سلامة الاجراءات الامنية في المواقع التي سيطأها كلينتون، والتي وصفها احد المسؤولين الأمنيين الاميركيين ب "موطن الارهاب". وعلى رغم ان الفلسطينيين رحبوا بالزيارة الاميركية ودعوا عبر الصحافة المحلية، الى استثمارها بمحاورة مرافقي كلينتون، هناك من وقف بين الفلسطينيين، وقال: "لا، لم يتحول الأميركيون الى اصدقاء بعد! لا يزالون الممول الرئيسي لآلة الاستيطان والقمع الاسرائيلية! انهم ايضاً وراء التنازلات التي تقدمها القيادة الفلسطينية في مقابل وعود تبدو مستحيلة التحقيق". هذا هو لسان حال المعارضة الفلسطينية اليسارية والاسلامية التي وجدت صدى في الشارع، بعقد الفصائل العشرة مؤتمرين شعبيين في غزةورام الله امس، دعت فيهما الى انتخابات حرة ومباشرة للمجلس الوطني الفلسطيني ل "صون منظمة التحرير وحمايتها واعادة بناء مؤسساتها على قاعدة ائتلافية شاملة". وأكدت حوالى 500 من الشخصيات الفلسطينية خلال اجتماع في مدينة رام الله عقد تحت شعار "لا لاتفاق واي ريفر، لا للاملاءات الاميركية، لا لالغاء الميثاق الوطني"، رفض تعديل الميثاق باعتباره "ملكاً للأجيال". واعتبرت ان زيارة كلينتون تهدف الى فرض سلسلة من الاملاءات السياسية والالتزامات الأمنية المجحفة التي نص عليها اتفاق "واي ريفر". في غضون ذلك، صدرت اوامر للشرطة الاسرائيلية بنزع الملصقات واللافتات التي رفعها الاسرائيليون المعارضون لزيارة كلينتون الى قطاع غزة، والتي كتب عليها "كلينتون عد الى بلادك"، وصوره التي كتب تحتها "انا فلسطيني". وشاركت الاجهزة الامنية الاسرائىلية في وضع خطط امنية مشددة لحماية الرئيس الاميركي الذي سيسهر على سلامته في الأيام الثلاثة التي سيقضيها في المنطقة، حوالى 15 الف شرطي وجندي اسرائيلي، 500 منهم سيواصلون حراسة فندق "هيلتون" الذي سينزل فيه في مدينة القدسالمحتلة. لكن مراسم الاستقبال الرسمية التي اعدتها الدولة العبرية للرئيس الأميركي الذي طلب منه اكثر من مرة تأجيل موعد الزيارة، لا تخفي الاستياء الاسرائيلي من هذه الزيارة. ويؤكد مراقبون اسرائيليون ان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو لن يعلن امام كلينتون انه سينفذ المرحلة الثانية من الانسحاب من اراضي الضفة الغربية وفقاً لما اتفق عليه في "واي ريفر"، بل سيعلن تمسكه بشروطه الجديدة وفي مقدمها تراجع الرئيس ياسر عرفات عن نيته اعلان الدولة المستقلة بعد نحو اربعة اشهر والتوقف عن المطالبة باطلاق الاسرى الفلسطينيين. اما الرئيس الاميركي الذي سيواجه فور عودته الى بلاده احتمال اقالته، فربما تحقق زيارته كنيسة المهد في بيت لحم برفقة زوجته وابنته، صورة صادقة في عيون الأميركيين لطلب الصفح. ولكن لم يعرف كلينتون ما الذي يخبئه له نتانياهو الذي لا يريد ان ينتهي المطاف به وبحكومته الى الاقالة ايضاً.