انعقد في مدينة نيقوسيا اخيراً مؤتمر عن اطفال العالم مع اقتراب مناسبة مرور عشر سنوات على صدور اتفاقية حقوق الطفل عن الأممالمتحدة. وعالج المؤتمر قضايا الطفولة ومشاكلها وما تواجهه من اخطاء تهدد حياة الاطفال ومستقبلهم، وقد نظمه مركز الحوار العالمي بالاشتراك مع منظمة الأممالمتحدة للطفولة اليونيسيف تحت شعار "الاطفال حقوق وحرمان". هيمنت احصاءات ومعلومات وثائقية مذهلة عن اوضاع الاطفال في العالم على اجواء المؤتمر، فقد تأكد وجود 130 مليون طفل لم يحصلوا على اي نوع من التعليم، و100 مليون طفل يعملون في ظروف سيئة وخطيرة، وفي اوروبا يوجد مليونا طفل يعملون تحت سن 15 سنة، و13 مليون طفل يموتون من سوء التغذية او من الامراض التي تشفى بسهولة. وهناك 100 مليون طفل لا مأوى لهم يعيشون في الشوارع، ومليون آخر يجبرون على الدعارة. وقبل افتتاح المؤتمر، تجول المشاركون في ارجاء معرض الصور في باحة مركز المؤتمرات حيث عرض اكثر من 30 صورة للعديد من الاطفال في بلدان مختلفة وفي اوضاع تظهر تعرضهم للانتهاك والمعاناة القاسية في ظروف مختلفة، التقطت بعدسة المصور الشهير "رضا" الذي جاب معظم مناطق النزاع في العالم ليشرح من خلال صوره مآسي الطفولة وعذاباتها وليحرك الضمير والمشاعر نحو السعي الى ايجاد حلول مناسبة لتجنب المزيد من الكوارث لجيل المستقبل. وعن سبب اختيار الطفولة موضوعاً لعقد مؤتمر عالمي، اجاب مدير مركز الحوار العالمي الديبلوماسي والصحافي المخضرم آريك رولو "ان مركز الحوار العالمي مهتم بطرح القضايا والمشاكل التي يواجهها العالم كقضايا المياه وعلاقة الغرب مع الاسلام. ونحن نعقد الآن مؤتمراً حول الطفولة وما تعانيه من مشكلات، وهي قضية مهمة جداً للملايين من سكان العالم. والاحصاءات المعروضة توضح حجم المشاكل وضحاياها، ولا بد من تسليط الاضواء والعرض الواسع لهذه المعاناة خصوصاً ان معظم دول العالم اصبحت اطرافاً في اتفاقية حقوق الطفل باستثناء اميركا والصومال". وأضاف رولو "ان التطورات الحاصلة اليوم وفي ظل سياسة الاقتصاد الحر وسهولة استعمال التقنيات ووسائل التقدم والاتصال وانتشار مفاهيم العولمة، عملت على عدم تحقيق فائدة من شأنها تخفيف وطأة مشاكل الطفولة وسوء استخدام وتشغيل الاطفال في الصناعات الكبرى من قبل شركات متعددة الجنسيات في بلدان العالم النامي حيث يعمل الاطفال ويستغلون لتحقيق النمو المالي السريع على حساب معاناتهم". وسيطرت على المؤتمر قضايا الطفولة المعذبة في فلسطينوالعراق ومجاعات افريقيا وضحايا الحروب والمنازعات المنتشرة في مختلف بقاع العالم والعمالة الرخيصة الناتجة من تصاعد وتائر التصنيع والتجارة الدولية وازدياد الوعي الاستهلاكي ما اقحم الاطفال في سوق العمالة الرخيصة التي تحتاجها آلة التصنيع الحديث خصوصاً في البلدان النامية بعد توجه الشركات الصناعية المتعددة الجنسيات اليها بسبب رخص الايدي العاملة ووفرتها. شارك حوالى 50 باحثاً واستاذاً جامعياً ومسؤولاً حكومياً وعاملين في مؤسسات مختلفة في الأممالمتحدة وناشطين في حماية الطفولة مع عاملين في مجال المساعدات الانسانية وحقوق الانسان وقدموا وجهات نظرهم امام اكثر من 250 مندوباً في المؤتمر من مختلف البلدان والمنظمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، ناهيك عن الحضور المكثف للمواطنين القبارصة. وتوزعت الابحاث في ثمانية عناوين رئيسية: 1 - واقعية حقوق الطفل بعد عشر سنوات على صدور الاتفاقية. 2 - عمالة الاطفال. 3 - الاطفال خلال النزاعات المسلحة وبعدها. 4 - الاستغلال الجنسي للأطفال. 5 - الاطفال ضحايا الواقع الاجتماعي والبيئة الثقافية. 6 - الاطفال بين المسؤولية والمحاسبة. 7 - الاطفال في الواجهة الاعلامية. 8 - خطوات نحو العام 2000. وتخللت وقائع المؤتمر شهادات مؤثرة ومؤلمة قدمها الاطفال من ضحايا الكوارث الاجتماعية كالحرمان من التعليم والعيش في الشوارع وتجرع مرارة التشرد والعمالة الرخيصة، وقدموا ايضاً شهادات عن رفاقهم من ضحايا الاعتداء الجنسي، وعرضت افلام ومقابلات ومشاهد حية عن مختلف الخروقات والاعتداءات بحق العديد من الاطفال وفي مناطق مختلفة من العالم. تركزت المداخلات والبحوث ووسائل الايضاح التي قدمها المشاركون في المؤتمر على بلدان العالم الثالث، وغاب عن البحث تعاظم المشكلات التي تواجه اطفال العالم الغربي من قبيل شيوع تداول المخدرات عند الاطفال واليافعين، واستغلال الاطفال في تجارة الدعارة الجنسية تم ذكر احصاء عن 2000 صبي يعملون في الدعارة في مدينة برلين وحدها وتعذر احصاء عدد الصبايا، ويوجد اكثر من 600 موقع على الانترنت لترويج دعارة الاطفال وتصدير ثقافة العنف عبر لعب الاطفال وبرامج الكومبيوتر وانتشارها في ربوع العالم، وتفاقم ظاهرة التفكك العائلي وهروب الاطفال والعيش من دون مأوى التشرد والعنف داخل العائلة... وهذه المشكلات غالباً ما تصدر الى بلدان العالم باعتبارها منجزات حضارية. كما أظهر المؤتمر الاختلاف في نوعية المشاكل التي يعانيها الاطفال لدرجة يصح معها القول ان لكل بلد مشكلته الخاصة به، فالبلدان العربية تنتشر في بعضها الأمية والتسول والمرض، ولم تشهد ظاهرة التشرد وعيش الاطفال في الشوارع كما في غواتيمالا والبرازيل. ومجاعة وموت اطفال افريقيا اثيوبيا، جنوب السودان، الصومال... وكذلك ضحايا المجازر البشرية في رواندا، تختلف عن المشاكل المتولدة عن الترف في العالم الغربي المتمثلة في الاستغلال الجنسي واجبار الاطفال على الانخراط في سوق الدعارة والنخاسة بلجيكا، المانيا، بريطانيا... وأطفال الحجارة في فلسطين لهم همومهم الخاصة في السعي الى العيش بسلام وأمان على رغم الاحتلال الصهيوني، وهي ليست كما عند الاطفال الذين يعانون من شظف العيش والحرمان في البلدان الأشد فقراً بنغلاديش، نيبال، كمبوديا وأطفال دول جنوب شرقي آسيا الباحثين عن لقمة العيش وسط اكوام الاوساخ والفضلات في المزابل العامة ما يدفع المئات منهم لبيع اجسادهم الى السياح الغربيين كما في تايلاند والفيليبين والهند. وناقش المؤتمر الاسباب التي تعود اليها معاناة الاطفال المتمثلة بشكل رئيسي في الفقر ومشاكل الأسرة الداخلية كالخوف من تعرضهم للعقوبات من الوالدين وسوء الاوضاع الاقتصادية وقلة الموارد التي تخصص للاهتمام بالطفولة، وفقدان الرعاية الحكومية، والتخلف الاجتماعي وتفشي الأمية وانعدام فرص العمل للوالدين او احدهما، وكذلك بدائية طرق التعليم، وانعدام الحرية واستشراء النظم الديكتاتورية في العديد من البلدان وافتقارها الى سياسات تعليمية متطورة. واختتم المدير العام لمنظمة اليونيسيف المؤتمر بكلمة لخص فيها توجهات المؤتمر بالتأكيد على "اعتبار قضايا الاطفال في مركز الاهتمامات الانسانية للجيل القادم، وانهم اول ضحايا الحروب بقدر ما هم اول المستفيدين من السلم، ولأنهم القوة الحقيقية للشعوب كما انهم ضحايا العلاقات الخاطئة احياناً بين المرأة والرجل ما يوجب رعايتهم، ولكونهم مركز الفقر وفقدان الوعي وانعدام التوازن الحياتي في المجتمع... مطلوب منا المحافظة عليهم". وشاركت مؤسسة الامام الخوئي في اعمال المؤتمر ببحث عنوانه "اطفال العراق ضحايا القمع السياسي والعقوبات الاقتصادية". وتطرق البحث الذي القاه السيد يوسف الخوئي الى تأثير العقوبات الاقتصادية على وضع الاطفال في العراق "فقد اثر الحصار على التعليم والصحة العامة للاطفال وهذه اهم مشكلة تواجه اطفال العراق". وشكلت عملية توزيع الغذاء بموجب الحصة التموينية سبباً في التدهور الأساسي في صحة الاطفال". واقترحت المؤسسة في ورقتها "تقديم وجبة غذاء ساخنة يومياً لطلاب المدارس العراقية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 976 المسمى النفط مقابل الغداء"