تلخّص تسمية «الأمهات العزباوات» محاولة إخفاء محنة فئة اجتماعية خضعت لظروف معينة. لكنهن في الجزائر يجدن أنفسهن «فجأة» في مواجهة مجتمع وسلطات تحكم بنهايتهن، فيوسمن ب «العار والفضيحة». وعلى اختلاف القصص والأسباب والدوافع التي تصادف المجتمع الجزائري عبر الشارع أو مطالعتها بوسائل الإعلام المتعددة، يصعب تحديد من هن الأمهات العزباوات؟ فوزارة التضامن تعتبرهن ظاهرة وتعترف بعيشهن وضعاً اجتماعياً صعباً، خصوصاً أن كثيرات منهن ضحايا زواج عرفي أو عنف أو مشكلات أسرية، ما يعكس خللاً رسمياً واجتماعياً في التعامل معهن. فقبل أشهر هددت مجموعة من الأمهات العزباوات في محافظة الشلف، غرب الجزائر العاصمة، بالانتحار الجماعي برفقة أطفالهن حرقاً أمام مقر الولاية، في حالاستمرت السلطات المحلية في التهديد بطردهن من دار للعجزة، وجعلهن عرضة للتشرّد في الشوارع. لا مراكز مستقلة إزاء ذلك، نددت «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان» بالإهمال الحاصل، داعيةً وزارة التضامن والأسرة إلى العناية بهذه الفئة، وتجنّب أقفال دار العجزة في وجهها. وتفتقد الجزائر إلى مراكز مختصة في التكفّل بالفئات الاجتماعية الهشة، إذ تأوي ديار الرحمة علاوةً على مسنين، أمهات عزباوات ومرضى مصابين بالسرطان وفئات من المختلين عقلياً وأشخاص لا مأوى لهم ومدمنين على المخدرات. وقالت رئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية في المجلس الشعبي لولاية الجزائر فريدة جبالي، أن من الخطأ جمع هذه الفئات المختلفة في مركز واحد، فلا بدّ من مراكز مستقلة حتى يتم التكفل بطريقة جيدة. وفي مركز «دارنا» في الجزائر العاصمة الذي يستقبل أمهات عزباوات ونساء معنّفات، تجتمع أقسى أنواع المعاناة الاجتماعية التي تتعرّض لها هذه الفئة. وتشير قصة إحدى النزيلات التي أحضرها محسن وجدها برفقة رضيعها في محطة للمسافرين وهي تتألم من آثار جراحة قيصرية، أنها جاءت من شرق البلاد حيث كانت ضحية زواج بالفاتحة فقط، يتم مدنياً. فبعدما قضى زوجها في حادث سير رفضت زوجة أبيه التكفّل بها. ويكشف «المرصد الجزائري للمرأة» وجود 3 آلاف حالة أم عزباء سنوياً. وتعبّر الأرقام عن ارتفاع نسبة الأطفال المولودين خارج الأطر الزوجية التقليدية. وتعتبر المشكلة الحقيقية في قضية الأمهات العزباوات الأطفال غير الشرعيين في غياب إحصاء دقيق ورسمي لهذه الفئة، نظراً للحالات التي تقع في الخفاء ولا يعلن عنها، إلى جانب ولادات غير شرعية تتم خارج المؤسسات الصحية. ويتفق قانونيون واختصاصيون في علم الاجتماع على أن الأطفال هم الضحية الأولى، خصوصاً أنهم لا يترعرعون في كنف أسرة، فيبقى مصير من يولدون بطريقة غير شرعية مجهولاً، وتنتظرهم ظروف اجتماعية أسوأ، علماً أن القانون يمنح المولودين خارج إطار الزواج حقوق التعليم والرعاية الصحية والسكن وحتى الانتخاب، من خلال وثيقة يحملون فيها كنية الأم، مع إشارة إلى أن الأب مجهول. وتلفت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، المدافعة عن حقوق المرأة، إلى أن هذا الأمر غير كاف. وتطالب بتدخّل فوري للسلطات لإعادة النظر في وضع هؤلاء الأطفال ومنحهم الحقوق الكاملة، وتسجيلهم في شهادة ميلاد مشرّفة تتضمّن عبارة «مكفول»، إضافة إلى اعتماد فحص الحمض النووي الذي يمكِّن هؤلاء من التعرّف إلى آبائهم. ويقدّر عدد الأطفال الموجودين في «مراكز الطفولة المسعفة» في 41 محافظة ب1237 طفلاً (إحصاء تشرين الثاني/ نوفمبر 2016)، ويعدّ ضئيلاً مقارنة مع تسجيل 45 ألف طفل يولد سنوياً خارج إطار الزواج. وإذا كان القانون الجديد لا يعاقب الأم العزباء ولا يقاضيها في المحاكم، إلا في حالة ثبوت أنها ارتكبت جنحة في حق الطفل بإهماله والإساءة إليه، فإن نظرة المجتمع إليها أشدّ عقاباً لهذه الحالات التي تخلّف مشكلات عدة، في ما يتعلّق بالتكفل بالعزباء والطفل الذي لم يرتكب ذنباً. ضحايا نظرة وفي هذا الصدد، تتساءل الاختصاصية في علم النفس الإجتماعي دليلة سعدوني عما أعُدّ لحماية الأمهات العزباوات من نظرة قاسية وتهميش مجتمع لا يرحم ولا يعترف بالخطأ في مثل هذه الحالات؟ وتوضح أن هذه الظاهرة تبقى من المحظورات، لأنها قضية فتيات، غالبيتهن يعانين الفقر وقلة التعليم، فتتحول حياتهن إلى جحيم حين يجدن أنفسهن حوامل، والأب المحتمل للجنين تنكر لوعده بالزواج، فيكون مآلهن الفرار من بيوتهن خوفاً من الفضيحة والمضايقات. وتفكّر كثيرات منهن في التخلص من المولود مباشرة بعد وضعه، كي يعدن إلى بيت العائلة من دون خوف. ومن نتائج الإهمال الاجتماعي، وقوع هذه الفئة ضحية استغلال عصابات وشبكات تهريب تجبر أمهات عزباوات على تهريب المخدرات والسرقة وامتهان الدعارة، لا سيما في ظل قلة المراكز التي ترعاهن. وتقدّر تقارير أمنية نسبة اللواتي دخلن عالم الجريمة المنظمة بحوالى 50 في المئة من مجموع الأمهات العزباوات. وتحمّل وزيرة التضامن والأسرة وقضايا المرأة مونية مسلم سي عامر المجتمع برمته مسؤولية التكفل بظاهرة الأمهات العزباوات، نظراً إلى أن «آثارها أخلاقية يقع وزرها على الجميع». وذكرت أن 363 أماً بيولوجية قررن عدم التخلي عن أطفالهن خلال العام الماضي، مشيرة إلى أن قطاعها يتابع هذا الملف بدقة بغية توفير المساعدة والرعاية لهؤلاء الأمهات، ومحاولة إعادة دمجهن في المجتمع، لا سيما أن غالبيتهن كن ضحايا علاقة زوجية عرفية.