جاء في تقرير أصدرته منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسيف) عن وضع الأطفال في العالم: إن البشرية ستتعرض للخطر طالما بقيت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال والنساء، وطالما بقيت الظروف التي تجعل تلك الانتهاكات موجودة، وتزيد منها دون تغيير. وذكر التقرير أنه مع بدايات القرن الحادي والعشرين أصبح الأطفال والنساء يشكلون السواد الأعظم من فقراء العالم، كما أنهم يشكلون السواد من المدنيين الذين يلاقون حتفهم، أو يصبحون مشوهين أو مقعدين من جراء الصراعات المستمرة وحقول الألغام المنتشرة في مناطق النزاع، وهم أيضًا أكثر المجموعات عرضة للعدوى بفيروس نقص المناعة (الإيدز). أما حقوقهم المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة فهي تتعرض لانتهاكات كل يوم بطرق وأساليب يصعب حصرها. وإذا كان نقاد الرأسمالية قد وجّهوا سهام نقدهم واتهاماتهم المريرة للرأسمالية، ولثورتها الصناعية الأولى، وللوحشية التي اتسمت بها، فإنهم استندوا في ذلك إلى كون تطور الرأسمالية اعتمد بشكل كبير على استغلال قوة العمل الرخيصة في ظل ظروف غير إنسانية، وفي مقدمة من استغلتهم النساء والأطفال، مع أن الرأسمالية تاريخيًّا مثلت مرحلة تقدمية إلى الأمام من خلال القضاء على التشكيل الاجتماعي/ الاقتصادي/ السياسي الإقطاعي القديم، وشيدت نمطًا اقتصاديًّا/ اجتماعيًّا (برجوازيًّا) جديدًا، كما فرضت هيمنتها السياسية، مع ما يعني ذلك من تحرير قوة العمل، بما في ذلك عمل النساء. وإزاء تنامي الحركة النسائية المطلبية والنضالية والثقافية والحقوقية من ناحية، وتطور الإنتاجية وإدخال المكننة من ناحية أخرى، أمكن تعديل وتطوير كثير من الأنظمة والإجراءات التي تخص النساء والأطفال في البلدان الصناعية (الرأسمالية) المتطورة. غير أن حياة الغالبية الساحقة من سكان العالم (الجنوب)، وفي مقدمتهم النساء والأطفال، لا تزال مهددة يطحنها الفقر والجوع والمرض وانعدام الأمل في المستقبل. المرأة العربية لا تزال تخضع بوجه عام إلى إجراءات تمييز ظالمة، وتصادر حقوقها وكرامتها الإنسانية؛ وذلك بسبب القوانين والإجراءات الحكومية والأعراف والتقاليد الاجتماعية والثقافية السائدة، التي يكرسها الفهم المغلق للدين والمجتمع الأبوي الذكوري. المرأة والطفولة العربية هما في مقدمة ضحايا العنف والصراعات والحروب، والأعمال الإرهابية التي تفتك بالعديد من المجتمعات العربية؛ إذ طالت عشرات الملايين من النساء والأطفال، وبخاصة المهجرون والنازحون بصورة قسرية، وتحت وطأة الفقر والحاجة يقدم الكثير منهم على ممارسة أعمال تتسم بالخطورة على حياتهم وصحتهم، بما في ذلك الهجرة غير الشرعية، والانخراط في المليشيات والجماعات المسلحة، أو ضمن عصابات الإجرام المنظمة التي تمارس نشاطات غير مشروعة، مثل تجارة المخدرات والسرقة والسوق السوداء والدعارة. إنَّ تغيير واقع المرأة والطفولة في البلدان العربية يتطلب اتخاذ إجراءات فعالة لإصلاح البنى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ومن بينها سَن التشريعات والأنظمة العصرية التي تحد من اضطهاد ومنع المرأة من القيام بمهماتها ووظائفها، بما في ذلك نيل وممارسة حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كافة، جنبًا إلى جنب مع الرجل، وبما يتفق مع إمكانياتها وخصائصها الإنسانية، التي شددت عليها التعاليم والمثل الدينية، والمبادئ والمفاهيم الأخلاقية، والقيم والمعايير الكونية، والقوانين والتشريعات العالمية ألتي وقعت عليها - مع إبداء تحفظات معينة - غالبية الدول العربية. وعلى صعيد بلادنا لا بد من الإشارة إلى المكاسب المهمة التي أحرزتها المرأة السعودية في مجالات حيوية عدة على مدى السنوات القليلة الماضية، بل يمكن القول إن عام 2017 هو عام المرأة السعودية بامتياز، ونذكر من بينها مشاركتها في مجلس الشورى والمجالس البلدية، والغرف التجارية، وتقلد بعض المناصب القيادية، وتأكيد حقها المستقل في العمل والدراسة ومراجعة الدوائر الحكومية. وضمن هذا السياق جرى تأكيد حقها في قيادة السيارة، والمشاركة والحضور في المناشط الاجتماعية والترفيهية والفنية والرياضية كافة. وتلك المكتسبات تأتي ضمن سلسلة من التغيرات والإصلاحات التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز. غير أنه لا يزال هناك العديد من المعوقات الاجتماعية الثقافية والبيروقراطية؛ إذ رصدت العديد من التقارير واقع المرأة في السعودية، ومن بينها حالات ومظاهر العنف الأسري ضد الأطفال والنساء المتزوجات، وذلك وفقًا لتقارير وإحصاءات رسمية وموثقة من قبل جهات رسمية وحقوقية، التي تضمنت قضايا تقدر بالآلاف لحالات إيذاء وعنف وتعذيب جسدي ونفسي وتحرش جنسي. وعلى هذا الصعيد يتعين التنويه بالمرسوم الملكي الذي أصدره الملك سلمان بن عبد العزيز حول «نظام مكافحة التحرش» في شهر سبتمبر الماضي، كما درست لجنة الإصلاح الإداري ومجلس الشورى توصيات لإقرار مشروع للحد من إيذاء الأبناء، وإنشاء هيئة وطنية لحماية المرأة والطفل. كما شرعت وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع عشر جهات حكومية في مختلف مناطق المملكة بافتتاح وحدات، أطلق عليها «وحدات الحماية الاجتماعية»، يكون من اختصاصها التدخل السريع في معالجة حالات العنف الأسري. ومن جهتها، دعت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان إلى المبادرة إلى وضع حد لمعاناة المواطنات السعوديات المتزوجات من غير مواطنين.. غير أن التقرير لاحظ أن «كل ما سبق يتلخص في مبادرات ودعوات ودراسات كلها تصب في صالح المرأة والطفل، ولكنها لم تنفذ حتى الآن».