لا أحد يعرف بالضبط لماذا اختار عزمي بشارة مغادرة فلسطين، إلا أن كتاب (تحت خط 48 عزمي بشارة وتخريب دور النخبة الثقافية) لمؤلفه عادل سمارة (فلسطيني الجنسية)، يكشف عن أهم المداخل لفهم ظاهرة عزمي بشارة، أو«صبي الموساد»، كما أطلق عليه المؤلف، إذ يرى سمارة أن شخصية عزمي بشارة تثير الريبة، إذ هو العضو الأسبق بالكنيست الإسرائيلي، والمنظر اليساري، والناصري القومي المبشر بعودة العروبة لسابق مجدها، وهو المشرف حالياً على وضع سياسات النظام القطري وتحديد توجهات خطابه الفكري والإعلامي وفق رؤية إسلاموية. ويؤكد المؤلف أن من مهام بشارة الكبرى استقطاب مثقفين وأكاديميين وضمهم إلى جوقة التآمر على العقل العربي خدمة لمشروع تنظيم الحمدين التخريبي، مشيراً إلى انكشاف سوءة بشارة عام 1994، حينما بدأت تظهر في كتاباته وأحاديثه أعراض سرطان الصهينة وتحديداً دخول الكنيست، إثر تركه الحزب الشيوعي بعد أن أهانه إيميل حبيبي بنعته بالحمار على مسمع آخرين. ويبرز المؤلف شخصية عزمي بشارة الذي بدأ يطرح نفسه قومياً، برغم حفاظه على الاعتراف بالكيان الصهيوني الذي يقف على نقيض، وأنقاض الشعب الفلسطيني، ويتساءل المؤلف «أي مثقف يقبل ويقتنع باستعمار استيطاني اقتلاعي ضد شعبه ووطنه مأخوذ بالتحريفية الشيوعية الستالينية، وفي الوقت نفسه يرفع شعار الاعتقاد بالقومية العربية التي يُفترض بما هي قومية وعربية أن تكون نقيضاً، بل النقيض الأول والمباشر لوجود الكيان الصهيوني؟ واستنتج المؤلف أن بشارة خطط لامتطاء القومية كونه لا يستطيع الدخول في أحزاب دينية كالحركة الإسلامية، وهي بالطبع لا تقبل من ليس مسلماً ولكون الشعار القومي، رغم انحطاط وضع القوى القومية، يمكن أن يجد مساحة بين فلسطينيي 1948، وليقينه أنه ليس بوسعه وصول مركز قيادي في الحزب الشيوعي، وأن الجمهور الذي يمكنه استغلال عاطفته «الجمهور القومي»، لافتاً إلى تنقلات بشارة من نقيض إلى نقيض فهو تربى في أحضان الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) الذي يعتبر الكيان الصهيوني الأشكنازي واقعاً قائماً يبدأ النقاش معه وعنه بعد الإقرار بوجوده والاعتراف بحقه على أرض فلسطين. ثم أعلن ناصريته، وتبنى صوت المقاوم ليصل إلى علاقات مع قوى منظمة التحرير يسارها ويمينها ليعود إلى فلسطينيي 1948 مقبولاً من قوى منظمة التحرير، ولم يتضح في حينه أنه ليس تكتيك عزمي بل تكتيك الموساد. كما أن بشارة يسقط عن نفسه قناع الديموقراطية والعلمانية، إذ يؤكد في حديث صحفي أن «مشروع الدولة الديموقراطية العلمانية لا تأخذ بالاعتبار وجود أمة يهودية هنا ذات ثقافة عبرية شكلت كيانها، إذ إن هذه الأمة ليست حقيقة وحسب، بل إنها أمة لها حق الكيانية وتقرير المصير». فما يريده بشارة ويبشر به حكم ذاتي ثقافي ليس إلا ولم تعد الصهيونية حركة رجعية استعمارية في تحريفاته ويساريته الطفولية، إذ بات مدافعاً عن تقرير مصير اليهود مع شعوره بالنقص تجاه تفوق اليهودي الإشكنازي. وأبدى المؤلف تعجبه من قدرته على اختراق بشارة سورية، والعبور إلى لبنان حتى غدا أيقونة قومية لدى ميليشيات حزب الله، وعندما سئل أحد مسؤولي مركز دراسات الوحدة العربية ذات مرة: كيف تستقبلون عزمي بشارة وهو عضو كنيست؟ أجاب: نحن ندعوه كفيلسوف! ويلفت المؤلف إلى اختيار عزمي بشارة لبلد مأمون المناخ الأمني والسياسي والثقافي والعسكري مثل قطر كونها بعيدة عن مرمى القومية العربية وهي محمية أمريكية، وهناك، لن يطول الرجل أحد مهما فعل. إذ الدوحة المكان الطبيعي ليواصل دوره في تخريب الوعي السياسي للشارع العربي باسم القومية وعبر فضائية الجزيرة. وأوضح أن بشارة نجح في تعمية وتغميم الحقائق عبر الترويج الهائل لطريقة خروجه من فلسطينالمحتلة كمنفي أو هارب ليستقبل استقبال الأبطال حتى في أحضان المقاومة والممانعة، وينعت المؤلف بشارة بفتى الموساد، ويروي قصة خروج عزمي بشارة إلى بيروت ودمشق لتهنئة حسن نصرالله وبشار الأسد وحصوله على تمويل من حزب الله قدّرته الصحافة الإسرائيلية بمليوني دولار، وأجبرته السلطات على تسليمهما بعدما اكتشفت شبكة معقدة لشركات الصرافة وتحويل الأموال، وبعدها التزم بشارة الصمت القلق، وناشد المسؤولين الإسرائيليين بعدم تسريبها لوسائل الإعلام خشية الفضيحة، وبالفعل استجابت لطلبه، وبعدها مباشرة تلقى اتصالاً من حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق لزيارة الدوحة لاستشارته بقضايا مُلحّة. استدعاه (الشاباك) لجلسة حُددت خلالها مهمته الجديدة بالدوحة، وأبرزها توطيد علاقات إسرائيل وقطر لتتجاوز محيطها الخليجي والعربي والانخراط بمنظومة إقليمية جديدة تقودها إسرائيل سراً، وقطر علانية، تمهيدًا لما يسمى بالربيع العربي لصياغة شرق أوسط جديد بالمنطقة، كون إسرائيل فشلت في اختراق النخبة المصرية والعربية ثقافياً، فكلفت بشارة بقيادة مشروع تموله قطر، ويتخذ لندن مقراً باعتبارها كبرى ساحات أنشطة الاستخبارات الدولية، ومتاح عبرها استقطاب مثقفين من دول عربية بعينها لاستخدامهم كأدوات بغطاء بحثي وحقوقي وإعلامي.