مستقبل الشباب الاميركي كناية عن مستقبل شباب العالم كله، عالم سائر نحو الأمركة ببطء حيناً وبتسارع احياناً، مع ما يحمل هذا المصير من اسئلة تطول الثقافات المحلية وبنى المجتمعات وسلّم القيم والنظرة الى التراث وطبيعة العمل ومدى الاستهلاك. كأنَّ الأمركة تعني العولمة، لأن الولاياتالمتحدة، حالياً، هي المختصر لما سيصير اليه سائر العالم، باعتبارها مجتمعاً متنوع الاصول والثقافات حافلاً بالتناقضات وبالطرق المستحدثة لحل هذه التناقضات، كما هو حافل بالحلم على صعيدي الأفراد والجماعات. قد يكون الشباب الاميركي على عتبة عالم بارد جديد، لكن هذا الشباب الذي لا نعرف عنه سوى قضايا المهمشين، يعبّر عن نفسه بين فترة واخرى بمفاجآت ايجابية لا تخلو من حرارة انسانية ومن ارادة للخير ومن حلم بمستقبل افضل. ومن هذه المفاجآت، التي تكررت فلم تبقَ مفاجآت، نشاط لجان الأحياء الفقيرة في المدن لضبط الأمن وتحسين الحال الصحية والاهتمام بالاطفال. وحركة المسلمين السود، في المناطق حيث يشكلون أغلبية، للحدّ من المخدرات ثم وقفها وتقديم مساعدات وخدمات اجتماعية. وجماعات من البيض المتدينين يرفضون الاعلام الطاغي ويدعون الى استعادة قيم العائلة وتجديدها، بحيث يمكن اعتبار هؤلاء تقليديين بالمعنى الايجابي للكلمة لا أصوليين بالمعنى السلبي للكلمة. والشباب الاميركي الذي يألف العيش في بيئة متعددة الأعراق والثقافات، مؤهل لاكتشاف ما هو مشترك بين البشر بيضاً وسوداً وصفراً، لتكوين سلوكيات ومناخات ثقافة عالمية، كانت موجودة لدى مواطني الامبراطوريات الكبرى في الحضارة الرومانية وفي الحضارة العربية الاسلامية ايام ازدهارهما، وهو يجدد هذه الثقافة العالمية وفق معطيات العصر وتنامي تكنولوجيا الاتصال التي وحّدت وقلّصت مساحة العالم، فصار مطلوباً ان تتقلص الفروق وتبرد النزاعات بين الجماعات المكوّنة لهذا العالم. والحال ان شباب اميركا "يسخّن" عالمه البارد بأن يكلّف نفسه مهام انسانية وحارة، مهام تخرج عن الاستقطابات الطاغية على صورة الولاياتالمتحدة وقرارها. والاستقطابات تظهر في عناصر ثلاثة: الحزبان اللذان يتداولان الحكم، والاعلام المتكاتف في كارتيلات قوية وثرية، والجامعات الكبرى التي ترفد الحكم والاعلام والمؤسسات الاقتصادية بقادة ومستشارين. واذا كان الامر كذلك فان حركات الشباب في الولاياتالمتحدة تقدم وعوداً وتمارسها خارج الصورة. وهي وعود مفيدة لأميركا، كما للعالم الذي يسير نحو أمركة أي عولمة لا يرى منها سوى الصورة المعلنة وهي سلبية لمن يرونها من جهات العالم الاربع.