بين أول زيارة قام بها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كورت فالدهايم لمنطقة الشمال الافريقي في مثل هذا الشهر من عام 1975، وتلك التي ينوي القيام بها الأمين العام الحالي كوفي أنان الاسبوع المقبل، تبدو السنوات أطول، لكن الرابط بين الزيارتين هو أن نزاع الصحراء الغربية لا يزال قائماً، وفي تعاطي الأممالمتحدة معه جرّب أمناء عامون سابقون القيام بمساع عدة من دون جدوى. الفارق بين زيارتي فالدهايم وأنان هو أن الأولى جاءت قبل اندلاع النزاع الذي عرف فترات من التصعيد العسكري والديبلوماسي ضمن بؤر التوتر التي سادت الحرب الباردة. والثانية تتم في غضون انهاك حقيقي واستنزف طاقات دول الشمال الافريقي التي باتت تنشد السلم والاستقرار بأي ثمن، عدا ما يتعلق بتصحيح تاريخ المنطقة برمتها بعد التشويه الذي طاول بنياتها الجغرافية وعلاقاتها الانسانية في عهد الاستعمار. من المفارقات ان الأممالمتحدة الباحثة عن الصدقية والتأثير في النزاعات الاقليمية تسعى الى النجاح في ما فشلت دول المنطقة المعنية في احرازه، فالاتحاد المغاربي الذي أحدث في 1989 لم يستوعب نزاع الصحراء الغربية، وفترات الوفاق المغربي - الجزائري لم تتمكن بدورها من التغلب على انعكاساته، في حين ان مبادرات الاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين المغرب وجبهة "بوليساريو"، ضمن تنفيذ خطة الأممالمتحدة للذهاب نحو الاستفتاء، لم تدفع في اتجاه احراز التقدم. والثابت، في غضون ذلك، ان استفتاء الصحراء يبعد كلما اقترب المعنيون به من ملامسة اشكالياته الحقيقية، لسبب أساسي هو أنه يختلف في الجوهر عن أي استشارات رعتها الأممالمتحدة. هل كان ضرورياً أن تتدخل الأممالمتحدة في نزاع اقليمي بمثل مواصفات قضية الصحراء؟ الأرجح ان المخاوف السائدة إزاء انعدام علاقات الثقة بين الأطراف المعنية في مقدم أسباب طلب التحكيم الدولي تحت مظلة الأممالمتحدة. والنزاعات التي تنشأ اثر تملص الدول من التزاماتها الثنائية أو المتعددة الأطراف زادت في تعميق تلك المخاوف. وفي مقابل ذلك بدا مفهوم تقرير المصير مغرياً، اذ تنجذب نحوه الدول الافريقية لجهة خوض التجربة، لكن تعاطي الأممالمتحدة مع تفاصيل الملف ابانت ان ذلك الاغراء ليس جذاباً على النحو المأمول به. مرة قال بيريز ديكويار، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، ان قضية الصحراء الغربية تبدو مشكلة صغيرة، لكن الاقتراب منها يكشف انها أكثر تعقيداً. ومشكلة الأممالمتحدة مع استفتاء الصحراء انها تملك وصفة جاهزة، لها حيثياتها القانونية وآلياتها العملية، لكن ليس من الضروري انها تنطبق كلية على خلفيات نزاع الشمال الافريقي ومعطياته. الجديد في جولة أنان انه ما عاد يلوح بامكان ادخال تعديلات على خطة التسوية السلمية. وأنه يتشبث بها حرفياً. وكان الأحرى ان يلوح بأنه يريد تعديلات حقيقية في مواقف الأطراف المعنية. فقد يساعده ذلك في تلمس طريق الحل.