زيارة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إلى منطقة الشمال الافريقي، الشهر المقبل، تعني أن الأوضاع هناك في حاجة الى تحريك لتعزيز الأمن والسلم والاستقرار. وعلى رغم أن العنوان الكبير للزيارة يخص تطورات قضية الصحراء الغربية، في ضوء الإعلان عن إرجاء موعد الاستفتاء إلى السنة المقبلة، فالأرجح أن المسؤول الدولي مهتم بالتعرف عن كثب على الملفات العالقة، للقيام بمساعٍ تعزز دور الأممالمتحدة وصدقيتها في التعاطي مع قضاياها الشائكة، وقد تكون لديه مخاوف حقيقية إزاء ما يمكن أن يترتب عن استمرار الأوضاع الراهنة. ولأن منطقة الشمال الافريقي ليست بعيدة عن منافسات ما بعد نهاية الحرب الباردة، فقد تحولت إلى ساحة للمنافسة الأوروبية - الأميركية، زاد في تعميقها عدم قيام وفاق مغاربي يجعل الدول المعنية سيدة مبادراتها، في حين أن بقاء نزاع الصحراء من دون حل يفسح في المجال أمام أي احتمال للتصعيد ومعاودة التوتر. يضاف إلى ذلك تأثير الوضع الغامض في الجزائر، واستمرار فرض العقوبات على ليبيا، وتزايد المخاوف إزاء تنامي التطرف واليأس في أقرب نقطة إلى الامتداد العمودي لأوروبا الغربية. الأصل في أزمات المنطقة، هو أن الدول المعنية لم تنجح في حل خلافاتها وفاقياً، إذ رمت بنزاع الصحراء الغربية في السنوات الأولى لاندلاعه بعيداً إلى القارة الافريقية. لكن الأخيرة عجزت عن ايجاد الحل، وتحول الموقف من الصحراء إلى قضية محورية في مداولات مجلس الأمن الدولي مرة كل شهر. كما أن الجزائر لم تتمكن وحدها من حل معضلاتها الداخلية التي تحولت بدورها إلى مركز اهتمام أوروبي ودولي، في حين أن ليبيا لا تزال في مواجهة قانونية وسياسية مع الدول الغربية بسبب أزمة لوكربي، لكن الغائب في غضون ذلك هو المسار المغاربي الذي كان معولاً عليه في تجاوز اشكاليات المنطقة. زيارة كوفي أنان إذاً تأتي في وقت ملائم، فقد تراجعت الدول الأوروبية المطلة على حوض البحر المتوسط عن فكرة تشكيل قوات عسكرية للتدخل في جنوب البحر "في حال تعرض مصالحها للخطر"، وقد تكون استبدلت التهديد بمباشرة حوار حضاري ذي طابع سياسي واقتصادي، ضمن المنظومة الأورو - متوسطية. لكن إبعاد شبح التدخل الذي يمكن أن يرتدي أبعاداً سياسية واقتصادية يظل رهن القضاء على تنامي التطرف، كذلك فإن ملف العلاقات المغربية - الجزائرية في الامكان احتواؤه بأقل مقدار من هدر الوقت والجهد، في حال علاجه بصدمة كهربائية تعيد الحرارة إلى محور العلاقات الثنائية، واستناداً إلى ذلك في الامكان توقع حل لأزمة لوكربي يجنب الجماهيرية الليبية مشقة البحث عن ذاتها الموزعة عربياً وافريقياً. ما يستطيع كوفي أنان انجازه في منطقة الشمال الافريقي لن يتم بمعزل عن إرادة العواصم المعنية، فهي تملك في علاقاتها مع بعضها رصيداً من التفاهم. والمفترض أن تكون استوعبت تطورات الأحداث، لجهة تأكيد أنها وصلت سن الرشد بعد أزمات عدة، ثنائية أو متعددة الأطراف، لكن أكثر ما يخشى في هذا النطاق أن لا تتمكن الجولة من معاودة ترتيب الأوراق. فالأخطار التي تهدد الأمن والسلم في الشمال الافريقي يمكن مواجهتها من داخل المنظومة المغاربية، وليس من خارجها. وإذا كان نزاع الصحراء خرج عن نطاق أي مبادرة مغاربية، فإن حله ممكن في نطاق الوفاء بالتعهدات واحترام الالتزامات المعبر عنها في الاتفاقات المبرمة. لكن الأمن الحقيقي الذي يمكن تكريسه يجد امتداده في تنقية الأجواء وإبعاد الخلافات، فالاطار الطبيعي لذلك يكمن في معاودة تجديد علاقات الثقة. وسيكون على عواصم الشمال الافريقي ان تنتقي أمام الأمين العام للأمم المتحدة خطاباتها، على طريق الاقناع ان السلم لن يكون مهدداً وأن الوفاق في امكانه أن يسود من دون الحاجة لأي تدخل أو وساطة أو وصاية.