ان يقطع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان جولته المغاربية، بسبب تطورات الأزمة في الخليج، لا يعني أن نزاع الصحراء الغربية والقضايا الاقليمية في منطقة شمال افريقيا أقل شأناً، لكنها أولويات ضمن جدول أعمال انان. فالجولة في حد ذاتها تظل عنواناً للأهمية التي يوليها انان لضمان الأمن والسلم والاستقرار في شمال غربي افريقيا، ولم يسبق لأي مسؤول أممي أن خص المنطقة بالاهتمام ذاته منذ اندلاع نزاع الصحراء، في وقت تزايد فيه الاهتمام بالبعد الأمني جنوب البحر المتوسط وتنامي ظاهرة التطرف، اضافة الى استفحال الأزمة في الجزائر، واستمرار الحصار على ليبيا. أبعد من ذلك، ان تكريس الأمن والاستقرار في منطقة شمال افريقيا، أصبح مطلباً يتجاوز الفضاء الاقليمي نحو ترتيب العلاقات مع البلدان الأوروبية، وكذا في الامتداد الجنوبي للقارة الافريقية. فبسبب تأثير النزاعات الاقليمية في المنطقة تعطل مسار الاتحاد المغاربي الذي كان يعوّل عليه الشركاء المغاربيون اطاراً سياسياً لبلورة طموحاتهم في التعاون السياسي والتكامل الاقتصادي. ونتيجة انعكاساتها تضررت العلاقات العربية - الافريقية، في حين انكفأت دول شمال افريقيا عن مساهمات كانت ملموسة في التعاطي مع القضايا العربية، بخاصة في الخليج والشرق الأوسط. زيارة انان لشمال افريقيا وإن لم تكتمل، جسدت "ديبلوماسية الاصغاء" التي يجيدها. فعلى رغم ان التعاطي مع قضية الصحراء الغربية تضبطه قرارات والتزامات تخص العلاقات بين الأممالمتحدة والأطراف المعنية، اختار انان زيارة المنطقة ليتعرف عن كثب الى المعوقات التي تحول دون تنفيذ خطة التسوية، وهي تتعلق بالالتزام المبدئي أولاً، كون الأطراف المعنية وافقت على الخطة، وأبرمت اتفاقات لتنفيذ آلياتها، ولكن من دون ان ينتج عن ذلك تقدم حقيقي في مسار التسوية. كما أنها تخص الموقف من تنفيذ الاجراءات ذات الصلة، لأن التعثر الذي يعتري الخطة ناتج عن تأويلات متباينة لطبيعة تلك الاجراءات. لكن الأهم ضمن التوجه الذي سلكه الأمين العام هو أنه اختار الاستماع الى الرعايا المعنيين مباشرة، أي المواطنين المتحدرين من أصول صحراوية. لو أن رهان أنان على اكمال جولته المغاربية، بزيارة الجزائر ومخيمات تيندوف وتونس، لم تقطعه المستجدات في الخليج، لجاز توقع استخلاص تصورات جديدة في شأن تعاطي الأممالمتحدة مع الملفات الاقليمية في منطقة شمال افريقيا، أقله تفعيل خطة التسوية لنزاع الصحراء، والاحاطة بجوهر الخلافات التي تعانيها المنطقة. وسيكون بامكان الأطراف المعنية ان تفيد من قطع الجولة لمعاودة النظر في مواقفها، فالقرارات الدولية في حد ذاتها لا تقدم كل الحلول، والإرادة السياسية هي التي تحتاجها المنطقة لحل اشكالياتها. ففي غياب هذه الإرادة التي تترجمها النيات الحسنة لن يستطيع انان ان يضيف جديداً الى القرارات، ان لم نقل انه قد ينزع الى معاودة النظر في تعاطي الأممالمتحدة وهذه الملفات، اذا لم يلمس إرادات حقيقية في التعاون. لكن مساعدته بتأكيد الالتزامات المبدئية تفيد في التغلب على الصعوبات. سيعود انان الى المنطقة، والفرصة سانحة كي ترتبط عودته بانجاز أكبر تملك العواصم المعنية مفاتيحه وأسراره.