تلقى العاملون في شركة "أمازون" Amazon. Com التي تبيع الكتب في انترنت توجهيات من ادارة الشركة العليا اعتبرها البعض منهم غير مألوفة من شركة نشأت وترعرت ضمن اطار ثقافة انترنت المفتوحة امام الجميع والمنفتحة، اذ طلبت من العاملين فيها "تطهير" رسائل البريد الالكتروني التي لم تعد ضرورية للعمل او التي ليست خاضعة لاحكام القوانين التي تفرض حفظها كسجلات ضمن حملة سمتها الشركة، التي تنشط من مدينة سياتل، "ارم واحفظ". وأعقبت سياسة شركة أمازون، التي تتناول عدم الاحتفاظ بالوثائق، والتي تتطلب من العامين في الشركة "تطهير" الاضبارات الالكترونية على نحو منتظم، صدور توجيهات من الشركة، بعد بضعة اسابيع، تطلب منهم تنظيم الوثائق. وفي المذكرة الداخلية الصادرة في العشرين من تشرين الاول اكتوبر الماضي، تقول ادارة الشركة العليا "بكل بساطة نقول بعدم جواز اعطاء شكل كتابي لبعض الاتصالات". وبصرف النظر عن الاحتكار او عدمه وعن قوته وضعفه في السوق، يبدو ان الامثولة الفعلية التي تلقنتها الشركات الاميركية، بفضل الدعوى القضائية المرفوعة ضد شركة مايكروسوفت بتهمة مخالفة احكام القوانين التي تحرم الاحتكار، هي ان ما يدعى بالبريد الالكتروني قد يشكل حقل الغام من الالتزامات القانونية، ناهيك عن احتمال ان يكون او ان يصبح هذا البريد مصدر حرج عام كبير، ففي المعركة القضائية الدائرة بين وزارة العدل الاميركية وبين شركة مايكروسوفت كورب، برز البريد الالكتروني كشاهد رئيسي، ما يبدو وكأنه يجعل كبار العاملين في الشركات الاميركية يتأنون في السماح بإرسال ما هبّ ودبّ من التعليمات والرسائل الى العاملين في شركاتهم من دون اي تروٍ، كما تعوّدوا ان يفعلوا في السابق. ويقول جف بيزوس، مؤسس شركة امازون وكبير المسؤولين التنفيذيين فيها: "أنا أعشق البريد الالكتروني واعتقد انه يغيّر ملامح العالم، لكن المشكلة تكمن في ان بوسع اي شخص ان يستخدمه ضد مرسله بعد عزل ما يحلو له منه عن سياقه، وعلينا الاحتراس من هذا". وتبنّت شركة أمازون مثل عدد كبير من الشركات الاميركية، البريد الالكتروني واثرته على غيره وسيلة للاتصال التجاري او للاتصال لغايات تجارية لهذا البريد فوري وسهل الاستخدام وخاص سري او على الاقل ها ما اشتهر به، فبوسع اي عامل في اي شركة، بصرف عن موقعه او رتبته في الشركة، ان يتصل بواسطة هذا البريد بأي شخص آخر يعمل في الشركة نفسها بصرف النظر عن موقعه او مكانته في الشركة كما ان البريد الالكتروني يستفز عقول العاملين في شركة من الشركات ويحفزها ويجعلهم يعربون عن افكارهم بدلاً من ان يحتفظوا بهذه الافكار لانفهسم. وصارت شركة امازون الآن في عداد عدد يتزايد باطراد من الشركات الاميركية التي تفرض قيوداً جديدة على البريد الالكتروني بعدما كانت، بالنسبة الى عدد كبير من الناس، رمزاً لثقافة انترنت تقدمية. تنظيمات جديدة وتميل التنظيمات الجديدة، بخلاف مثيلاتها السابقة التي حرّمت ارسال رسائل الكترونية مسيئة او مضايقة، نحو الحدّ من استخدام ما كان يُعتبر منذ فترة طويلة افكاراً مقبولة في الاخذ والرد في المجال التجاري. وعندما يكون ثمة اضطرار الى صياغة هذه الافكار كتابياً صارت الممارسة الفعلية الآن ان يُصار الى شطب هذه الكتابات او حذفهاة من الوثائق بأسرع ما يمكن وعلى نحو حازم صارم. ويلفت رد الفعل هذا بقوة الى ما يبدو متناقضاً مع عصر المعلومات وغالباً ما يساهم الاتصال الالكتروني الفوري في زيادة الانتاجية والابتكار، لكن صارت خصوصية التراسل والاتصال والمساءلة حول ما هو مكتوب في مكان العمل مصدر قلق يتزايد بالنسبة الى عدد كبير من اصحاب الاعمال". والبريد الالكتروني غالباً محادثة او حواراً مكتوباً اكثر مما يكون رسالة فعلية، وغالباً ما يكون ايضاً اكثر افصاحاً وصراحةً من الرسالة الفعلي المكتوبة او الحوار بين اي شخصين. وازدهر البريد الالكتروني، او قل شاع الى حدّ ما استخدامه، بسبب الافتراض - الذي يدعوه البعض وهماً - ان التبادل الاعترافي من مضامين بريدها الالكتروني ان رئيس مجلس ادارة الشركة بيل غيتس يناقض صراحة ما كان ادلى به في بريده الالكتروني، وجاء هذا التناقض في شهادة ادلى غيتس بها بعدما حلف اليمين، ويناقض ايضاً ما في بريد جيمس باركسديل الالكتروني، علماً بأن الاخير هو كبير المسؤولين التنفيذيين في شركة نتسكيب كوميونيكيشنز كورب. وكان غيتس وباركسويل وجّها هذا البريد الالكتروني الى رئيس مجلس ادارة شركة اميركا اون لاين ستيف كيس. وفي هذا البريد يشير باركسديل الى نفسه باسم جوزف ستالين والى كيس باسم فرنكلين دي. روزفلتي وتعني هذه الاشارة ضمناً المقارنة بين المسؤولين التنفيذيين فيما يحاربان مايكروسوفت، وبين زعميمي الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي اللذين كان يحاربان المانيا النازية معاً في خلال الحرب العالمية الثانية. وفي الدعوى التي اقامتها شركة صن مايكروسوفت وربحتها ضد مايكروسوفت وتناولت لغة البرمجة جافا، ونظرت فيها محكمة فيديرالية في سان جوزيه في ولاية كاليفورنيا، شاهدت المحكمة مقداراً كبيراً من البريد الالكتروني الخاص بالشركتين والذي سبّب حرحاً كبيراً. تخلص وهكذا يضطر مديروا الشركات الى ان يخلصوا الى ان استخدام البريد الالكتروني يجب ان يخضع للسيطرة والضبط، ويجب عدم السماح لأحد بالاحتفاظ بكل شاردة وواردة فيه، ما يعني ان مزايا هذا البريد التي جعلته جذاباً وشعبياً، ومن اكبرها انه يميل الى حضّ مستخدميه على البوح بما لا يبوحون به عادة، هي التي تدفع المديرين الآن الى الحذر الشديد منه. ويقول جيم براونينغ، احد كبار محللي الابحاث في مجموعة غارتنر الاستشارية: "كانت سياسية الاحتفاظ بالرسائل في الماضي تهدف في المقام الاول الى ادارة او استخدام الامكنة التي تُحفظ فيها الاقراص على نحو فعّال. وبات السؤال الجديد يتمحور حول السرعة التي يجب ان يُشطب بها البريد الالكتروني للحؤول دون تحوله الى خطر على المؤسسة صاحبة هذا البريد". ويقول براونينغ ان المخابرات الهاتفية من زبائن قلقين تزداد منذ فترة من الزمن بالتزامن مع نشر الصحف لأنباء محاكمة مايكروسوفت. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، جاءتنا مخابرة هاتفية من زبون يسعى الى الحصول على ما سمّاه ب "جهاز يفرم البريد الالكتروني او يمزقه إرباً". وكان زبون آخر يسعى الى الحصول على ما يشبه ما كان شاهده في مسلسل "المهمة المستحيلة" التلفزيوني، اي الى الحصول على ما يشطب البريد الالكتروني آليا بعد قراءته. ويعلّق براونينغ على هذا بقوله: "هذا الخيار ليس متاحاً الآن". لكن الحقيقة هي ان هذا النوع من القلق ليس مجافياً للمنطق السليم للمعقول فالبريد الالكتروني الذي يظن شخص ما انه شُطب وانتهى امره قد يكون موجوداً في مكان ما، ربما في قرص صلب او سواق صلب خص واحداً من الذين وُجّه اليهم البريد الالكتروني في الاصل. فالناس لا يدركون غالباً انهم ضبطوا برامجهم بحيث يبقى البريد الالكتروني على الخادم، اي جهاز الكومبيوتر الذي يعمل كمكتب بريد او دائرة بريد الكتروني. وبالامكان احياناً اعادة تجميع اضابة ممحيّة، بواسطة برنامج خاص يجمع معلومات تم اهمالها، من الاشباح الرقمية المتروكة في سواقات صلبة. وتوصي مجموعة غارتنر بتني سياسات تساهم في افهام العاملين في شركة من الشركات ما تعتبره هذه الشركة لغة تخاطب تجاري عملية مقبولة ومناسبة. وتقول جويس غراف، مديرة الابحاث في مجموعة غارتنر المتخصصة في شؤون العمل الالكتروني، من باب ضرب الامثلة على ما يُستحسن قوله في التخاطب: "يجب التحدث عن التنافس النزيه المنصف، لا عن ذبح الآخرين او القضاء عليهم، فلغة الحرب غير مستحبة. وبهذا يقل ما يدعو الى القلق في اي اضبارة من اضبارات اية شركة". ويدرك ال 83 مليون اميركي الذين يستخدمون البريد الالكتروني حالياً في اماكن عملهم، ان هذا البريد يمكن ان يرسل بسهولة وعلى نحو متكرر جداً، كما بالامكان خزنه الى الابد بواسطة وسائل متعددة متنوعة. وبات المحامون يدركون ان الناس لا يرغبون اجمالاً في شطب البريد الالكتروني القديم ولهذا فهم يطلبون على نحو روتيني مضامين هذا البريد على امل مساهمتها في كشف الحقائق في الدعاوى الجزائية والصلحية المدنية