المطربة لطيفة التونسية اسم على مسمّى: فهي لطيفة الملقى والمغنى والحديث. وهي بطبعها تحب الأجواء اللطيفة، وتهوى شذى الياسمين الناعم، وتأنس للإصغاء الى ألحان البيانو الرقيقة الإنسياب. أثبتت لطيفة تميّزها في عالم الأغنية في عصر صاخب فنياً. وهي انطلقت من ثقافة فنية حقيقية لا تزال تصقلها الى اليوم إذ تعدّ في القاهرة ماجستيراً يتناول "تقنيّة الغناء الغربي وحسن استعمالها في تقنيّة الغناء الشرقي". وتجمع لطيفة الى الثقافة الفنية النظرية، التطبيق العملي عبر غنائها لشعراء كبار، أمثال نزار قباني وبدر شاكر السيّاب وعبدالوهاب محمد وسواهم، وعبر تعاملها مع ملحنين أصيلين نذكر منهم سيد مكاوي وبليغ حمدي، وهما سدّدا خطاها الفنية إذ علماها سلوك الطريق الصحيح، أخيراً صدر شريطها الذي حمل عنوان "تلومني الدنيا" ولاقى نجاحاً ملموساً، وهي بصدد إعداد عمل جديد تتسرّب أصداء عن تعاون فيه مع زياد الرحباني. ولطيفة العرفاوي وهو اسمها الحقيقي مسحورة بروعة أعمال الرحابنة وتعتبرهم "حضارة"، وتعترف بأن صوت فيروز "هو فن ربّاني فنياً". أمّا حبّها لبلدها تونس فلا يوازيه سوى تعلّقها بلبنان وهي تحبّه "برشا برشا" حسبما تقول. وفي لبنان قبالة البحر وصخرة الروشة حيث الفندق الذي تنزل فيه كان معها الحديث الآتي: في حوار تلفزيوني معك في لبنان، ظهرت فنانة تملك ثقافةً فنية واسعة، الى أي حدّ في رأيك تلعب الثقافة دوراً في نجاح الفنان؟ - لا شك أنها تلعب دوراً كبيراً جداً يوازي الدور الذي تلعبه موهبته. وبقدر ما تعتبر الموهبة مهمّة ينبغي على الفنان صقلها، بقدر ما يتعيّن عليه توسيع ثقافته لتصبح شموليّة". لأن الثقافة تشحذ شخصية الفنان وأفكاره، وتدفعه الى تقديم فنّ أكثر رقياً. ما هي قراءاتك؟ - معظم قراءاتي وجدانية، شعرية وأدبية. وأنا أطالع شعراء عدّة وثمة مجموعة تبقى الى جانب وسادتي لنزار قباني، أدونيس، بدر شاكر السياب، أبو القاسم الشابي، سعيد عقل ومحمود درويش. المعروف أنك معجبة كثيراً بصوت السيدة فيروز وقد شاركت عام 1997 في حفلٍ تكريمي لها في تونس، ماذا يقول لكِ صوت فيروز؟ وهل التقيتها يوماً؟ - مثلما ربّتني أمّي في الحياة، ربّتني فيروز فنيّاً، وإذا كان لبنان أقرب البلدان العربية الى قلبي بعد تونس فذلك يعود الى فيروز. لقد تخيّلت لبنان عبر أغاني فيروز التي كنت أسمعها منذ طفولتي وكانت دائماً ترسم لي لبنان بشجره وجباله فعرفته قبل أن أزوره، ولما أتيت اليه للمرة الأولى وجدته أجمل. وقد التقيت السيدة فيروز عام 1995 ولا يسعني القول إلاّ أنه كان لقاءً خيالياً ولم أكن أتصوّره هكذا. سمعنا أن عملك الغنائي القادم يتضمن أعمالاً لزياد الرحباني، هل تخبرينا عنه؟ - لا أريد أن أؤكد هذا الكلام أو أنفيه، لكنني اتصلت بزياد واجتمعنا مرات وأنا أجده موسيقاراً سبق عصرنا بمئة عام، وهو مع احترامي للجميع سبق كل الفنانين والموسيقيين في العالم العربي. إنّه فنان مثقف ويذوب في فنّه. غنّيت لشعراء معروفين مثل نزار قباني وأبو القاسم الشابي وسواهما، كما غنيت لشعراء شباب، علام تعتمدين في اختيار قصائد الأغنيات التي تؤدينها؟ - أتطلّع أوّلاً الى القيمة الفكريّة التي يتضمنها الكلام الذي أختاره، ويهمني ثانياً أن تحمل القصيدة شيئاً جديداً والأمر سيّان بالنسبة الى الألحان التي أحرص على أن تكون قيّمة وتتضمن جديداً، وأن تقدّمني في الشكل الذي أتمناه لصوتي ولا تكون مكرّرة. تعاونك مع الفنان كاظم الساهر أثمر أغنيات ناجحة، وآخرها قصيدتا نزار "تلومني الدنيا" و"الإنسان"، ما الذي جمعك بكاظم الساهر؟ - جمعتني فيه قيمته الفنية كملحن موهوب. يلاحظ أن أغانيك تدرّجت من النمط الشبابي السريع الى أغنيات ناضجة فنياً، ويردّ بعضهم هذا التحول الى تعاونك مع كاظم الساهر، ما رأيك؟ - بالتأكيد أنّ اختياراتي عام 1988 تختلف عنها عام 1998، إذ نضجت منذ 10 أعوام. وأنا يهمني أن تحمل كل مرحلة أمر فيها تطوراً ونضجاً أكثر. طباً أعتزّ بالتعاون مع الفنان كاظم الساهر لأنه شكّل بصمة فنية جديدة في أغنياتي أوصلتها الى الناس في شكل رائع. لكنني أعتقد أن النضج حصل في داخلي، وليس لأيّ إنسان آخر أن يعطيني إياه. يلاحظ اليوم أن ذوق الجمهور تبدل قياساً الى الماضي وبات أكثر سهولة إذا جاز التعبير، كيف توفّقين في أغنياتك بين ذوق هذا الجمهور، وبين تقديم فن حقيقي وراقٍ؟ - شخصياً، أحرص دوماً على التشبّث بخطٍّ رسمته لنفسي منذ البداية وهو خطّ الجودة الفنية. طبعاً، أحاول أن أتأقلم مع أذواق الجمهور المتغيّرة ومع النمط الغنائي الحديث لكن ضمن إطار الجودة والاختيار الصحيح. لديّ مستوى فني معيّن من المستحيل أن أتراجع عنه، حتى لو ترافق جميع الناس على القول بأن أغنية "هايفة" هي أجمل من أغنياتي كلّها. هل لعب تعاونك مع كبار الشعراء والملحّنين دوراً في تكوين هذه القناعة لديك؟ - من دون أدنى شك، فقد أثّر في مثلاً الشاعر الكبير عبدالوهاب محمد رحمه الله، وهو كتب أغنيات لأم كلثوم ولم يتجاوز بعد ال20 عاماً. لقد لعب نزار قباني، وبليغ حمدي وسيد مكاوي وعمار الشريعي وكاظم الساهر وسواهم دوراً كبيراً في نجاحي. وأنا بالتالي قدمت النجاح الفني، وخدمت هذه الأغنيات عبر تأديتي لها في شكل جيد وتصويرها بطريقة لائقة. نلاحظ أنك نوّعت في الملحنين على عكس الشعراء لماذا؟ - تقصد الشاعر الراحل عبدالوهاب محمّد، بالطبع لأنه أعطاني أفكاراً متجددة تعبّر عن حالات مختلفة. فأنا أتجدد مع كل أغنية أؤديها له. فالقيمة الفكرية والشعرية لديه هي التي دفعتني الى التمسك به. أنتِ تحتلّين المرتبة الأولى بين الفنانين العرب في الأغنيات المصوّرة، كم تعتقدين أنّ "الفيديو كليب" يساهم في انتشار الأغنية؟ - شرف كبير لي أن أحمل الرقم 1 في العالم العربي في تصوير "الفيديو كليب"، وأنا أعتبر أن الأغنية المصوّرة في أيامنا تكتسب أهمية تكبر يوماً بعد يوم لا سيّما أننا نعيش في عصر الفضائيات والأقمار الاصطناعية والفيديو والتلفزيون، ومثلما يقدم الفنان عمله على المسرح ينبغي عليه أن يصوّره أيضاً. هل تفكرين بغناء اللون اللبناني خصوصاً أننا سمعنا عن مشروع تعاون لك مع ملحم بركات؟ - سأكون سعيدة جداً إذا أدّيت أغنيات لبنانية تتناسب مع صوتي، وقد اجتمعت بهذا الخصوص مع الفنان ملحم بركات ونحن بصدد دراسة بعض النصوص. في ألبومك الأخير أديت مع كاظم الساهر أغنية "القدس" هل من الممكن أن تغنّي مستقبلاً لبيروت؟ - بالتأكيد، وسوف أقوم بذلك في المرحلة المقبلة بإذن الله. أنا أحمل بيروت في قلبي منذ طفولتي وأنا في صدد دراسة عمل مع العديد من الفنانين، غير أنني لا أحب الإفصاح عنه قبل إنجازه أو اختياره على الأقل، وإن شاء الله سيتضمن شريطي المقبل أغنية لبيروت. لِم لَم تغنّي قصيدة "القدس" في مدينة القدس نفسها كما فعل غيرك من الفنانين؟ - أتمنّى ذلك، وفي الواقع شعرت بضرورة المشاركة في الصيف الفائت، لكنني إنسانة ترفض الذّل. ولاحظت أن بعض أعضاء فرقتي الموسيقية ممن ذهبوا الى القدس شعروا بالذّل، ولم يلعب أي مسؤول فلسطيني أي دور في التخفيف من ذلك. ولو كنت مكانهم لسببت مشكلة لأنني أحبّ أن أتواجد في مكان أصحابه هم أسياده. هل أنت فنانة مشاكسة؟ - لا، لكن عندما أصل الى مكان وأمكث 12 ساعة في المطار وأشعر بأن أصحاب المكان الذين دعوني عاجزين عن الإتيان بأي عمل لا أعرف ما سيكون موقفي آنذاك. لا شك أنني سأثور. كيف تتعاملين مع المنافسة الفنيّة؟ - ثمة منافسة يجدر أخذها بعين الاعتبار وأخرى غير جديرة بالتفكير فيها. وفي أيّامنا الحاضرة أشعر أن الفضائيّات أظهرت أصواتاً لا ينبغي أن تصل الى الناس وأن يكون لها هذا الدور. ثمة منافسات أحترمها جداً وأقدرها وأصرّ على سماعها والتعلّم منها. وأعتبر أن أي فنان يقدّم فناً جميلاً وجديداً وراقياً هو أكبر منافس لي. كيف استطعتِ تحقيق المعادلة الصعبة في الفن إذ جمعت بين الأغنيات الراقية والإقبال الجماهيري وسط صخب أغاني العصر؟ - لقد نشأت في بيئة فنيّة صحيحة، وفي يوم الإجازة عندنا في تونس وهو الأحد، كنت أستمع الى الأسطوانات الأصيلة لرياض السنباطي، وأم كلثوم، وفيروز وزكريّا أحمد، والى كل الفنانين الذين قدّموا فنّاً راقياً، أعتقد أن كل هذا بقي في داخلي وكبر معي وأصبح طموحي. جميع هؤلاء الفنانين هم مثالي الأعلى لأنّهم قدّموا فنّاً خالداً. لوحظ أنك تناولت في شريطك الأخير المرأة التي تحب بنضج ووعي هل تمرين بهذه المرحلة؟ - تضحك فاقد الشيء لا يعطيه والإنسان الذي لا يحمل في قلبه حبّاً لا يمكنه غناء الحب. طاولتك اشاعات كثيرة، منها من زَوَّجَك ومنها من طلَّقك، كيف تتعاملين مع الاشاعات؟ - فنّي فقط هو ملك للصحافة والناس، أما حياتي الخاصة فأطلب ألا يتدخل فيها أحد، هذه حديقتي الشخصية حيث الورد والهواء النقي أحب أن أعيش فيها وحيدة مرتاحة وبعيدة من أي شيء. وربما تعكس أغنياتي ثقتي الكبيرة بنفسي، والثقة تنبع عادة من الإيمان، لذا - لا تؤثر فيّ الاشاعات. وهي طبيعية كوني فنانة تسلّط عليها الأضواء، وأجابهها باهتمامي بفني فقط لا غير. كيف تصفين علاقتك بالصحافة والإعلام؟ - لقد ساعداني وأوصلاني الى مرتبة مرموقة، وعلاقتي جيدة ب90 في المئة من الصحافة الراقية النبيلة والنزيهة التي أحترمها وأثق بها وأتعامل معها بكل صدق، لكن هناك 10 في المئة من الصحافيين قطعت صلتي بهم نهائياً وهم أصحاب الأقلام التي لا لون لها، لذا أتناساهم تماماً. إذا أردت توجيه كلمة الى جمهورك في العالم العربي ماذا تقولين؟ - مع تكاثر الفضائيات أتمنى عليه ألا ينساق وراء الأعمال الفنية "الهايفة"، لأن الجمهور العربي مسؤول عن تكوين أجيال أخرى أمامها مواجهات كبرى وأعداء. ونحن كعائلة عربيّة ينبغي علينا أن نربّي أولادنا حسب الذوق السليم فنيّاً، لأن الفنّ يلعب دوراً كبيراً في تربية الأجيال.