يبدو أن نصف مقولة عميد المسرح العربي الراحل يوسف وهبي المشهورة في فيلم "اعترافات زوج": "ان شرف البنت كعود الكبريت الذي لا يشتعل سوى مرة واحدة" صحيحة، والنصف الآخر جانبه الصواب. فقد اثبتت مجريات الاحداث الاخيرة في مصر انه يمكن أن يشتعل غير مرة. قبل أيام، أحدثت فتوى أصدرها مفتي مصر الدكتور نصر فريد واصل فرقعة عالية في الأوساط الدينية والاجتماعية والطبية. الفتوى تفيد بحق الفتاة المغتصبة في الخضوع لعملية لإعادة غشاء البكارة اليها، وكذلك اجهاضها في حال حدوث حمل نتيجة الاغتصاب. وعذرية الفتاة في مصر - سواء المسلمة او المسيحية وشأنها شأن الفتيات في أغلب الدول العربية - تكون عنوان شرفها وشرف اسرتها. لذا فإن أحداً لا يتعجب حين يقرأ عن حادث يقتل فيه والد او شقيق أو أبن عم الفتاة التي فقدت عذريتها - برضاها او غصباً عنها - الشخص الذي أفقدها شرفها. ومع أن عدد حوادث الاغتصاب في مصر لا يزال - لحسن الحظ - نادر الحدوث، إلا انها حين تحدث تجد صدى إعلامياً منقطع النظير، وذلك يعود الى أسباب عدة، أبرزها ان الحوادث التي تمس الشرف - أي تعرض الإناث لضرر جنسي - تثير غضب الغالبية العظمى. وأخبث هذه الاسباب ان المادة المكتوبة عن الحوادث الجنسية مقروءة، بل أن الافلام المصرية ما زالت تصور مشاهد الاغتصاب تحت بند الإغراء. ونعود الى المفتي الذي فجر قنبلته تاركاً الكثير من علامات الاستفهام التي لا يخلو بعضها من عدم استحسان. وفي حوار اجرته مجلة مصرية اسبوعية مع شيخ الازهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، رد في البداية على سؤال حول رأيه في فتوى المفتي بإعادة غشاء البكارة للمغتصبة بقوله: "لا أعرف فتوى فضيلة المفتي حتى احكم عليها"، فأعاد الصحافي السؤال بقوله إن المفتي أجاز إعادة غشاء البكارة للمغتصبة بالجراحة، وهنا رد شيخ الازهر: "وأي شيء في هذا؟". وساند المفتي في فتواه بقوله: "كل ما يحدث عن طريق الإكراه او الاغتصاب او القسر مهدر لا قيمة له في القواعد الشرعية المقررة، وكونها تريد ان تعيد البكارة فلا شيء في ذلك، ما دامت راغبة في ذلك ستراً لها". كما أيد شيخ الازهر المفتي في السماح للمغتصبة التي حملت من جراء ذلك بالإجهاض. وقال: "وجمهور العلماء أجمع على ان الاجهاض من قبل ثلاثة اشهر او الاربعة اشهر جائز". وعلى رغم ذلك التأييد، فإن التساؤلات المندهشة لم تنقطع. ويقول استاذ امراض النساء والتوليد في كلية طب جامعة عين شمس الدكتور ايهاب عبدالفتاح: "من المؤكد ان من حق الفتاة الشريفة التي وقعت ضحية الاغتصاب وهي مغلوبة على أمرها، ومن حقها علينا أن نرفع الظلم عنها، فتعاد لها عذريتها، وتجهض في حال حدوث حمل، لكن المشكلة أنني كطبيب لست متأكداً من براءتها، ومهمتي ليست التحقق من النيات". لذا يقترح الدكتور عبدالفتاح ان "تدرس كل حالة على حدة، وأن تحال هذه الحالات الى فضيلة المفتي نفسه ليبت فيها، شأنها شأن اوراق القاتل التي تحال اليه قبل تنفيذ حكم الإعدام، وذلك ليتحقق المفتي من براءتها، ويسمح لها بإعادة غشاء البكارة". ويتساءل عبدالفتاح: "لكن هل تنوي هذه الفتاة إذن ألا تصارح زوج المستقبل بما حدث؟ إذا كان كذلك، فإن اعادة غشاء البكارة يعد عملية نصب على هذا الزوج". ويلمح عبدالفتاح إلى أن من حق الزوج "المخدوع" ان يرفع دعوى على الطبيب الذي أجرى مثل هذه العملية باعتباره مشاركاً في عملية النصب. ومن الناحية الطبية، يوضح عبدالفتاح نقطتين: الاولى ان بقايا غشاء البكارة تظل موجودة، ولا تزول نهائياً إلا بعد تكرار العملية الجنسية، ما يعني ان الفتاة المغتصبة تظل محتفظة بجانب منه. والثانية ان عملية إعادة غشاء البكارة - والتي يطلق عليها اسم "ترقيع" - يجب ان تجرى قبل الزواج بمدة قليلة، وإلا اصبحت عديمة الفائدة. اما بالنسبة الى الاجهاض، فيقول عبدالفتاح: "الطبيب الذي يجهض المرأة الحامل اشبه بعشماوي الذي يقتل شخصاً، وذلك يسري على الجنين منذ كان خلية الى ان يصبح مكتمل النمو. فالاجهاض قتل، وتستثنى من ذلك الام التي يثبت ان استمرار حملها يؤدي - وليس قد يؤدي - الى موتها". ويعود عبدالفتاح الى القول: "إن هذه الفتوى تحمي حالات نادرة جداً، ومنها مثلاً تلك التي حملت نتيجة الاغتصاب على يد مجرم متأصل في الإجرام، والطفل القادم سيرث عنه جينات تدفعه الى الطريق نفسه، او ان حمل الأم سيدفع بها الى الاكتئاب الذي سيقودها الى الانتحار. إلا ان هذه أمور تستدعي استشارة اطباء نفسيين وفي تخصصات مختلفة ليدلي كل منهم بدلوه". ومن الناحية القانونية، فإن عقود الزواج يكتب فيها بصفة رسمية إن كانت العروس بكراً أم لا، بل أن "بكرية" الزوج والزوجة تثبت في عقود الزواج المسيحية. وفي ضوء فتوى المفتي، هل ستقر العروس "المغتصبة" في عقد الزواج أنها بكر، لكن سبق اغتصابها؟ وهل يكون ذلك خرقاً للقانون؟ تصف المحامية وفاء منصور، عضو المنظمة المصرية لحقوق الانسان ومقررة لجنة شؤون المرأة في المنظمة بين 1993 و1998 الفتوى بأنها "انتهاك صارخ للمجني عليها ونوع من الحماية للجاني". وتضيف: "لقد طالبنا مراراً وتكراراً بتشديد عقوبة الاغتصاب. وحتى مع تشديد العقوبة التي تصل الى الاشغال الشاقة المؤبدة، فإن الظاهرة ما زالت موجودة، والسبب في ذلك ان الاوضاع في المجتمع في حاجة ماسة الى تقويم، وهذا لن يحدث بقرار او فتوى او نص عقابي فقط. فهناك عوامل أخرى مثل المورثات والعادات والتقاليد وأجهزة الاعلام وطرق التنشئة والتعليم، وفي ظل غيابها او ضعفها لن تفلح اشد النصوص العقابية في ردع ضعاف النفوس". وتتابع منصور قائلة: "والغريب ايضاً ان القانون المصري ينص على أنه في حالة استعداد الجاني المغتصب للزواج من المجني عليها المغتصبة زواجاً شرعياً، وموافقة الاخيرة على ذلك، لا توقع العقوبة عليه". من جهة اخرى، فإن القانون المصري يعاقب كل من يجري عملية اجهاض لسيدة، فهناك الحبس لمدة تتراوح بين يوم وسنة لو كان من أجراها غير اختصاصي، والاشغال الشاقة الموقتة لو كان الطبيب الاختصاصي او الداية المرخص لها بالعمل هي التي أجرتها. إلا أن القانون لم يتطرق الى عمليات "ترقيع" غشاء البكارة بشكل صريح". وتؤيد منصور موقف طبيب امراض النساء الدكتور ايهاب عبدالفتاح، وتؤكد أن من حق الزوج ان يتهم الطبيب الذي اجرى عملية "الترقيع" لزوجته - التي اقرت في عقد الزواج بأنها بكر - بالنصب. وتحذر من ان الفتوى - أي فتوى - تكون في مقام المنظم للعلاقات بين البشر، فإذا افتقدت هذه القيمة، ضاع معناها، كما انها لن تكون قادرة على علاج التردي الاخلاقي. وفي الوقت الذي تنتظر فتوى المفتي المزيد من التوضيح والتخصيص، يتساءل البعض: هل نرى قريباً على لافتات الاطباء التي تحمل اسماءهم اضافة جديدة الى تخصصاتهم وهي "ترميم القديم، واصلاح التالف، والذي انكسر يمكن اصلاحه؟". في الولاياتالمتحدة الاميركية، جمعية معلنة تحت اسم "جمعية إعادة العذرية" وهي - كما يبدو من اسمها - تهدف الى إعادة العذرية للجميع، رجالاً ونساء، وهي لا تتبع في ذلك اسلوب "الترقيع"، لكنها تعتمد على الوصول الى درجة من الصفاء النفسي والفكري يشعر بعدها الشخص بأنه "بكر". وحتى لو كانت هذه الجمعية نوعاً من الضحك على الذقون، إلا انها تفتح المجال لسؤال مهم: هل الاغتصاب هتك لغشاء البكارة؟ ام انه هتك لكل ما لا يلمس من الانسان، من مشاعر وأحاسيس وآدمية؟