لا يشعر الفلسطينيون في مخيم عين الحلوة المجاور لمدينة صيدا في جنوبلبنان، بقلق كبير حيال الحوادث الأمنية التي حصلت وتحصل في مخيمهم وفي صيدا، كتفجير محال تجارية وسيارات وقتل رجال أمن لبنانيين وبائعي خمور، والتي نسب بعضها إلى أطراف يقيمون في المخيم، مثل "عصبة الأنصار" التي يتزعمها أحمد عبدالكريم السعدي أبو محجن، المطلوب من القضاء اللبناني بتهمة اغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية الأحباش الشيخ نزار الحلبي. ويردد ابناء المخيم ان نسبة اعمال التفجير والقتل الى جهة في المخيم لا تعني دخول الاجهزة الامنية اللبنانية اليه، لأن في إمكانها دخوله ساعة تشاء. واعتقال "ابو محجن" لن يؤدي الى حصول معارك داخل المخيم. ويقول بعضهم ان لا رغبة لدى احد الآن في الدخول لاعتقاله، وهو يتجول في احياء وخلال اوقات اصبحت معروفة لدى معظم السكان. ولا يبدو ان لهذه التفجيرات التي تستهدف سيارات ومتاجر لمسؤولين سابقين وحاليين في منظمة التحرير الفلسطينية ومنظمات اسلامية، اي تأثير في حركة سكان المخيم الذين اعتادوا انواعاً اعنف من المعارك والتفجيرات. لم يزل السلاح في مخيم عين الحلوة زينة الرجال، فهو لملازمته شخصيات عهود المخيم المتعاقبة اصبح لصيقاً بهم كأشيائهم الأخرى. فمن غير اللائق ان تتحدث الى مسؤول في إحدى التنظيمات من دون ان يقف شاب الى جواره ممتشقاً سلاحه. وقد يسيء مسؤولاً آخر ان تقصده وهو بثيابه المدنية، وحين يتساءل المرء عن وظائف هؤلاء المسؤولين الكثر وعن حقيقة ادوارهم في ظل انكفاء الأدوار الأمنية والعسكرية لمنظمة التحرير وللفصائل الأخرى، لا يجد جواباً شافياً سوى أنهم يتجولون من الصباح الى المساء في احياء المخيم ويجلسون امام مداخل المراكز العسكرية الخالية، يتناولون الشاي مع بقية من حراس وزوّار ويتحدثون من دون ان يصلوا الى نتيجة عن اتفاق "واي بلانتيشين". وإذا كان المتحدث مبالغاً في طموحه، يحدث جليسه عن مشاريعه في غزة حين يطلب اليها للخدمة في الشرطة الفلسطينية. الحراسة مهنة المهن في مخيم عين الحلوة، ولطالما تسمع من المسؤولين المتبطلين ان مهمة الشباب المتبقين لديهم في ميليشياهم الحراسة. ولكن حراسة ماذا؟ ومن؟ فالمراكز مقفرة ولا تحتاج الى هذه الاعداد، وحين تسألهم عن ذلك يصمتون!، كأن الأمر استمرار لتقليد لم يجدوا سبيلاً الى التخلي عنه، وهم حتى وإن كانوا يبالغون في الحديث عن الحراسات، ففي مبالغتهم تمسك بدور فقدوه، ما زالوا الى اليوم يكابرون ويرسلون مخيلتهم للحاق به، أما الى غزة ومناطق الحكم الذاتي الفلسطيني، وأما الى السنين الخوالي ايام كان للحراسة وقعها المختلف. ولكن خلف هذا التبطل والبطالة وهذه الاحلام المعلقة وقائع جديدة في مخيم عين الحلوة. ففيه "عصبة الأنصار" و"جيش التحرير الإسلامي" و"الجماعة الإسلامية" و"الحركة السلفية" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" الأحباش، وعشرات التنظيمات الإسلامية الأخرى. وهذه التنظيمات المسلحة مجتمعة تشكل واحدة من رباعية التمثيل فيه. ففي تعدادهم المرجعيات الأمنية والسياسية، يقسم ابناء المخيم المرجعيات فيه اربعة: منظمة التحرير الفلسطينية والاحزاب المنضوية تحت لوائها، ثم الفصائل العشرة المعارضة، ثم تحالف الجبهتين الشعبية والديموقراطية، ثم التنظيمات الإسلامية. وكل هذه القوى تقيم وتتقاطع وتتنافس وتتنافر في مساحة لا تتجاوز كيلو متر مربع ونصف كيلومتر. ويؤكد أبناء المخيم أن "ابو محجن" وأنصاره ليسوا حالاً داخل المخيم وحسب، وانما لهم امتداداتهم الصيداوية واللبنانية التي تحميهم، وهم متذمرون من تحويل البعض مخيمهم بؤرة للمطلوبين. ولكن تذمرهم لم يصل بعد الى حدود التحرك والتصدي لهذا الواقع، وهم يسردون قصة ذلك الرجل الذي اطلقوا عليه اسم "ابو عبد البيروتي" وهو لبناني مطلوب الى القضاء، فرّ الى المخيم والتحق بجماعة "ابو محجن" الذين يصل عددهم الى نحو مئة وعشرين مقاتلاً معظمهم من المطلوبين. وعند المدخل الجنوبي للمخيم ساحة صغيرة مخبأة بجدران بعضها اسمنتي وبعضها معدني من بقايا سيارات قديمة، تستعمل لكسر السيارات، ويضيفها السكان الى لائحة دلائلهم الى جعل مخيمهم بؤرة للأعمال غير المشروعة، خصوصاً ان السيارات تفكك فيها وتباع قطعها مسروقة، كما يرددون بصوت خافت. ولا يرى منير المقدح، احد مسؤولي حركة "فتح" في المخيم، وما زال يتقاضى موازنة منها على رغم معارضته الاتفاقات الاسرائيلية - الفلسطينية، وعلى رغم شتمه "ابو عمار" في اكثر من مناسبة، ان هناك مشكلة امنية في المخيم. ويقول "صحيح ان لدينا سلاحاً بالأطنان، وأنا بنفسي خرّجت اخيراً مئات المقاتلين في دورة عسكرية بينهم 75 رامياً لقذائف ال"ب7"، لكنني اتحدى من يدلّني الى ثغرة امنية. فهذه الانفجارات الصغيرة وراءها العدو الاسرائيلي، وهي تحصل في اكثر الدول أماناً وتقدماً. وعندما اتجول في شوارع المخيم لا يلزمني اكثر من مرافقين او ثلاثة، لكنني عندما اخرج منه او انزل الى بيروت ترافقني ست سيارات مواكبة". وأنواع الحماية السياسية والاجتماعية متعددة اليوم في المخيم. ففي ظل غياب عصب سياسي واقتصادي يجمعهم، عاد ابناء المخيم الفلسطيني ومعظمهم من ابناء قرى الجليل الأعلى إلى عائلاتهم وأحيائهم المسماة بأسماء قراهم الاصلية. وتحلقوا حولها بحيث تحولت نواة انتمائهم الاصلي. اما انتماءاتهم الاخرى، فهي على هامش هذا الأصلي. فلكل عائلة شيخها او "ختيارها" والتسمية الاخيرة مستمدة من كلمة "ختيار" التي يطلقها المقربون من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عليه. وختيار العائلة هو من يُقصد للشكوى على أحد ابنائها، وهو من يتدخل لحل نزاعاتها الداخلية، ومع عائلات وأحياء أخرى. ونفوذ الختيار في العائلة غالباً ما يوازيه نفوذ آخر لشاب أو كهل لا يناقض نفوذ الشيخ وإنما يكمله، يتجمع حوله شباب العائلة او العشيرة او البلدة. ويستمد صاحب النفوذ الثاني سطوته من انتمائه الى احدى التنظيمات وترقيته فيها حركة فتح في معظم الاحيان، وبعدما تفككت اسلاك الحركة تجمع شباب العائلة حول وجيهها الثاني، وتحول منزله مقراً لهم. في حين يوزع هو الموازنة الضئيلة التي تصل اليه من منظمة التحرير على اقاربه الذين يرافقونه في حله وترحاله. وقد يصل نفوذ الختيار والشيخ الثاني الى شباب عائلتهما في التنظيمات الاخرى. فآل شبايطة مثلاً من ابناء بلدة حطين في الجليل الأعلى، ويقيمون في شارع حطين في المخيم، وهم منحازون الى شارعهم وعائلتهم انحياز الحزبي الى حزبه. "لا يوجد في عائلتنا وشارعنا اي مطلوب من القضاء" هكذا يرددون دائماً. وختيارهم الحاج ابو محمد يقول "بين افراد عائلتنا من هم في تنظيمات اخرى، لكننا نستطيع ضبطهم وإخضاعهم لقرارات العائلة". من ليس لديه عائلة كبيرة وقوية الشكيمة لا يمكنه العيش في عين الحلوة، إلا في حال التجائه الى احدى التنظيمات، وهي اسلامية هذه الايام. ويفسر كثر هناك "عصبة الانصار" على انها رديف عائلي لضعف المنبت الاجتماعي والعائلي ل"ابو محجن". فهذا الاخير، من آل السعدي من بلدة طيطبا، عائلة صغيرة وغير مجمّعة عليه، لذلك ركّز هو دعوته في حي الصفصاف وهو من اكبر احياء المخيم واكثرها ازدحاماً ومن اضعفها عصبية، وهو على رغم استقطابه ابناء عائلات وبلدات اخرى، يخضع مناصروه بدورهم لنفوذ عائلاتهم، ويتداخل هنا النفوذان، فيسوّق واحدهم الآخر في منطقته وعائلته، وتتأمن حماية اخرى ل"ابو محجن".