بدأت أعمال مكافحة الجرائم في القرن 21. يقوم بذلك برنامج كومبيوتر متقدم يلتقط ملامح وجوه الأشخاص الذين يمرون أمام كاميرا الفيديو ويقارنها بأرشيف الصور المحفوظة في ذاكرته. وحقق البرنامج الذي ساهم بتطويره الدكتور يوسف عتيق، رئيس شركة "فيزيونيكس" Visionics الأميركية نتائج مذهلة في العاصمة البريطانية. دلت على ذلك تجارب مشتركة قام بها مركز بوليس منطقة نيوهام وبوليس العاصمة لندن. تستغرق التجارب فترة ستة شهور، وبيّنت النتائج الأولية حدوث انخفاض بنسبة 25 في المئة عن أعلى معدلات جرائم السرقة في منطقة نيوهام شرق لندن، ويتوقع مسؤولون في البوليس انخفاض الجرائم الى عُشر معدلاتها العالية. خيال العلم عُرض البرنامج الجديد الذي يحمل اسم "ماندريك" Mandrake في ندوة مغلقة في مطار هيثرو حضرها ممثلو الأمن والبوليس في لندن وعواصم أوروبية اخرى. تم تطوير البرنامج على أساس نظام "فيس إت" FaceIt، وهو يثير مشاعر مماثلة للمشاعر التي تثيرها مشاهدة أحدث أفلام الخيال العلمي. بدأ العرض الدكتور عتيق بتسجيل صورته التي التقطتها كاميرا الفيديو وحفظتها في ذاكرة الكومبيوتر. ولاحظ المشاهدون كيف يشخص الكومبيوتر عتيق في كل مرة يظهر فيها أمام الكاميرا. ما أن يظهر وجهه على شاشة الكومبيوتر يستحيل لون دائرة محيطة به من الأحمر الى الأخضر، إشارة الى تعرفه عليه. ويبث البرنامج فورياً إشارة تحذير عبر خط الهاتف الساخن الى البوليس الذي يقرر آنذاك الاجراء المطلوب. ويقوم النظام في مركز بوليس نيوهام شرق لندن بمسح متواصل للوجوه التي تمر أمام 150 كاميرا فيديو مثبتة في الأسواق المركزية ومحطات السكك الحديد ومواقف السيارات. وتقارن الوجوه بقاعدة المعلومات في مركز البوليس والتي تحتوي على وجوه مرتكبي الجرائم والمشبوهين. وأثارت النتائج التي حققها البرنامج ردود فعل حماسية عكستها تقارير الصحف البريطانية الرئيسية. اختارت الصحف عناوين مثيرة، مثل "الكاميرا تعرف وجوه المحتالين" في صحيفة "سان"، وهي أوسع الصحف انتشاراً، و"التلفزيون الجاسوس يستهدف المجرمين" في صحيفة "الأكسبريس" الشعبية، و"الكاميرا الجاسوس تقارن الوجوه مع ملفات البوليس" في "الغارديان". وأرفقت صحيفة "اوبزرفر" الاسبوعية تقريرها الكبير برسم كارتون على 4 أعمدة يشرح طريقة عمل التكنولوجيا الجديدة. وعلى غرار كثير من المبتكرات العلمية أثار البرنامج ردود فعل معارضة لدى جماعات الدفاع عن الحرية الشخصية في لندن. وشكك متحدث باسم جماعة "ليبرتي" بالتكنولوجيا الجديدة وطالب بالحذر من أخطاء قد ترتكبها وتوقع الضرر بأناس أبرياء. ودعا المتحدث الى "إقامة توازن بين منع الجرائم وحرياتنا الفردية والعامة". إلاّ أن مساهمين في ندوة لندن أشاروا الى أن التكنولوجيا الجديدة لا تلتقط سوى صور الأشخاص المشبوهين المحفوظة في قاعدة معطيات البوليس. وذكروا لو أن الخيار ترك للناس بين حريتهم الفردية وسلامتهم فان معظمهم، وبخاصة النساء، سيختار السلامة. وقالوا ان جماعة "ليبرتي" فاتها أن حماية السلامة تعزز حرية الناس في السير دون خوف في شوارع لندنونيويورك والقاهرة. وعبر يوسف عتيق الذي يواصل عمله الأكاديمي في جامعة روكفلر في نيويورك عن سروره كعالم بانجاز مهمته في هذا المجال. وقال انه واجه مشاعر عدم التصديق عندما أعلن لأول مرة في الثمانينات أنه وزملاءه يعملون على كومبيوتر يستطيع تشخيص وجوه الأفراد. وقال أن البنوك وقوات الأمن حول العالم تلاحظ الآن بنفسها أهمية هذه التكنولوجيا وتسارع الى احتضانها. ويستخدم برنامج "فيس إت" حالياً على الحدود بين الولاياتالمتحدة والمكسيك وتجرى عليه تجارب في مطارات عدة لم يُعلن عنها لمقتضيات أمنية. ويتيح البرنامج سرعة مرور مئات الأشخاص الذين يعبرون يومياً الحدود بمجرد أن تلتقط عدسة الفيديو وجوههم وهم في سياراتهم وتقارنها فورياً بالسجلات المحفوظة في قاعدة معطيات حرس الحدود. ويعتقد ممثلو سلطات الهجرة في مطار هيثرو، حيث عقدت ندوة لندن قدرة البرنامج على تقليل حوادث تسلل المهاجرين غير الشرعيين والمنظمات الارهابية الى بريطانيا. ويستطيع برنامج "فيس إت" المتقدم التعرف على أي شخص حتى لو حاول التنكر. القياسات البيولوجية وعرض يوسف عتيق أمام ممثلي السلطات البريطانية والأوروبية كيف يتعرف البرنامج على الأشخاص حتى لو وضعوا نظارات سوداء أو تغيرت ملامحهم بسبب التقدم في العمر. وقال يوسف عتيق ل "الحياة" ان تبني الدول التكنولوجيا، التي ساهم في تطويرها يلقي على عاتقه مسؤولية متابعتها والتأكد من عدم استخدامها إلاّ لأغراض انسانية. ولتحقيق هذا الغرض قام أخيراً بالمساهمة في تأسيس "الاتحاد الدولي لصناعات القياسات البيولوجية" Intrnational Biometric Industry Association. هدف الاتحاد ضمان الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات. وأشار الى النتائج الكارثية التي ترتبت على بعض المخترعات العلمية مثل القنبلة النووية. وقال "قد تكون التكنولوجيا أفلتت من يدي لكنني ما زلت أتحمل مسؤولية ممارسة التأثير على استخدامها للخير". وفي سؤال عن أوجه المقارنة بين فرانكشتاين والتكنولوجيا الحديثة قال عتيق: "ما يعتبره الآخرون رواية خيال علمي يمثل واقعاً علمياً بالنسبة لي"