سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الخامسة - قسم ثاني . بوش : عاد بيكر للتو من رحلة " كوب تنك" ناجحة جمع فيها نحو 6 بلايين دولار . غورباتشوف : بريماكوف يعرف صدام حسين شخصياً والجميع يعرف ان حشره في زاوية خطأ
برنت سكوكروفت خرجتُ من الجلسة مليئاً بالتشاؤم. كان من الواضح ان تقديم غورباتشوف كان من صوغ البيروقراطية المؤيدة للعراق - ربما يفغيني بريماكوف، الذي كان مهندس، او على الاقل حامي، السياسة السوفياتية في الشرق الاوسط. كان التقديم دليلاً آخر على المعركة بين شيفاردنادزه وبريماكوف على غورباتشوف، وما كان يمكن لهذه المعركة ان تَحْدُثَ في وقت أسوأ. إذ أثارت احتمال ان موسكو تسعى الى سلام منفصل مع بغداد. وكان علينا ان نوقف ذلك. وفيما كنا نغادر الاجتماع اقترحتُ على الرئيس ان السوفيات قد اتخذوا خطوة كبيرة الى الوراء وربما كانوا يستقرون في دور حامي العراق. وبالنسبة اليّ كان "انقاذ ماء الوجه" للعراق، او انسحاب جزئي، ووعدٌ بعدم الهجوم، و،قبل كل شيء، ربطٌ بالقضية العربية - الاسرائيلية، سيغيّر المسار الذي كنا عليه بطرقٍ جوهرية. في حفلة الغداء التي أقامها الرئيس كويفيستو، جلستُ الى جانب الماريشال أخرومييف. كنتُ قد كوّنتُ نظرة احترام كبير له نتيجةً لإفطارنا الخاص في تموز يوليو السابق. بعد تجاذب أطراف الحديث قليلاً بشأن الحدّ من الاسلحة الاستراتيجية، سألته كيف تسير الأمور بالنسبة اليه. أشار الى غورباتشوف. قال: "انه زعيمي. انني موالٍ له وأبذل قصارى جهدي لمساعدته. لكنني مرتبك". قال لي أخرومييف انه جندي ووطني مؤمن كرّس حياته للاتحاد السوفياتي والمبادئ التي عُلِّمَ انه يمثّلها. وفجأةً يُقال له ان كل ما كان يمثّله ويكافح من أجله هو خطأ. ان الاتحاد السوفياتي، وزعماءه، وأعماله، ودوافعه - كلها كانت كذبة. لقد اقتُلعَ عالمه كله من جذوره، ودُمِّرَت أُسسه الأخلاقية والقومية. لم يعد يعرف بماذا ينبغي ان يؤمن، وعن ماذا يجب ان يدافع. أطفاله يحتقرونه ويحتقرون النظام الذي يمثّله. كانت لحظةً عويصة. تخيّلتُ أين سأكون أنا نفسي، اذا ما اكتشفتُ ان كل شيء أقمتُ عليه حياتي منذ أيامي في وست بوينت كان تمثيلية وهمية. بعد أقل من سنة أقدم الماريشال أخرومييف، وقد صار الاتحاد السوفياتي مدمَّراً، على الانتحار. بعد الغداء، وقبل جلسة ما بعد الظهر مع السوفيات ناقشنا الرئيس، وجيم، وجون سنونو، وجون كيلي، ودنيس روس، وكوندي رايس، وريتشارد هاس، وأنا اقتراح غورباتشوف. وعندما روى بيكر ما دار في اجتماعه مع شيفاردنازه، صار واضحاً ان تجربته مختلفة جداً عن تجربة الرئيس مع غورباتشوف. كان شيفاردنادزه قد أثار ايضاً مسألة مؤتمر سلام خاص بالشرق الاوسط، يعالج كلاً من الغزو العراقي والمشكلة الفلسطينية. بعد نقاش طويل، أقنعه بيكر بأن مؤتمراً كهذا من شأنه ان يعطي صدام نصراً سياسياً. وبدلاً من ذلك، اقترحَ ان يعبّر بلدانا عن الأمل بحلٍ سلمي ولكن، اذا رفض صدام مغادرة الكويت، فإننا مستعدون لاتخاذ مزيد من الخطوات حسب ما تقتضي الضرورة وفق خطوط قرار مجلس الأمن بشأن الاعتراض البحري. أطْلَع شيفاردنادزه على مسودة بيان. أحبَّ شيفاردنادزه اللغة وطلبَ ان يشتغل نائبه سيرغيه تاراسينكو، وروس عليها. بخلاف ذلك، كان غورباتشوف قد عَرَضَ موقفاً مشحوناً بالعاطفة امام الرئيس الذي كوّنَ انطباعاً مماثلاً لانطباعي - بأن غورباتشوف متمترس بشأن المسألة، على الأقل في ما يتصل بالربط. استنتجنا ان أفضل طريقة لبدء الجلسة التالية الكاملة هي تقديم تقارير عن الاجتماعين اللذين عُقدا متزامنين ابتداء باجتماع وزيري الخارجية. في الجلسة الكاملة، أوجز بيكر المناقشة مع شيفاردنادزه وقال ان روس وتاراسينكو قد أعدَّا الآن بياناً مشتركاً يجسّد النقاش. اقترح الرئيس بوش ان نلقي نظرةً على البيان. قرأ غورباتشوف المسودة بعناية، وطلب بعض التغييرات الطفيفة، وقال، في خطوةٍ أذهلتني للغاية، "أوكي". اختفى، من دون أثرٍ تقريباً، غورباتشوف الصباح، الذي كان يدافع عن تابعه العراقي. كان ذلك بالنسبة اليَّ تغييراً مدهشاً - ومطمئناً جداً - للموقف. لقد نجونا بالكاد من أزمة. بالالتفات الى الماضي، يبدو من المعقول الاعتقاد بأن غورباتشوف كان يجرّب عمل شيئين في وقت واحد. لو أمكنه إقناعنا بالموافقة على صيغة تكافئ صدام لصار بطلاً في بلاده وفي العراق. وعندما فشل ذلك، أظهر على الأقل لمستعربيه انه بذل جهداً بحسن نيّة. ثم مضى الى خياره الأفضل التالي، الذي كان التوقيع على بياننا والحصول على مؤتمر صحافي مشترك يُظهِر الدولتين العظميين وهما تسويان قضايا عالمية. اذ ان رفض ذلك والتسبّب في انهيار الاجتماع وسط خلافات ما كان ليخدم أياً من أغراضه. أكد البيان المشترك مجدداً اعلان بيكر وشيفاردنادزه في 3 آب اغسطس وَدَعْمَنا لقرارات الاممالمتحدة. دعا العراق الى الانسحاب من دون قيد او شرط من الكويت، والسماح باستعادة حُكّام الكويت، وإطلاق جميع الرهائن. نصّ على ضرورة تقيّد العراق بالقرارات وإعادة الكويت الى وضعها السابق كما كانت قبل الغزو. تعهدنا ضمان التقيّد بالعقوبات، مدركين ان قرار الاممالمتحدة سمح، في الاوضاع الانسانية، باستيراد المواد الغذائية الى العراقوالكويت. مع اننا نفضّل حلّ الأزمة سلمياً، فإننا متّحدون ضد العدوان العراقي. وحذّر البيان: "اننا مصممون على رؤية نهاية هذه الازمة، واذا فشلت الخطوات الحالية في إنهائها، فإننا على استعداد للنظر في اتخاذ اجراءات اضافية متمشية وميثاق الاممالمتحدة. يجب ان نُظهر بما لا يتطرق اليه الشك ان العدوان لا يمكنه ان يعود بربحٍ ولن يعود بربح". اختتمنا بلغةٍ تجنبت الجدل حول الربط. وبمجرد ان يكون قد تم بلوغ الأهداف التي أعطت قرارات مجلس الامن تفويضاً بها، سنعمل مع بلدان داخل المنطقة وخارجها لتطوير بنيات واجراءات أمن لترويج السلام والاستقرار. قلنا في النهاية: "ان من الضروري العمل بنشاطٍ لحلّ كل الصراعات الباقية في الشرق الاوسط ومنطقة الخليج. سيواصل الجانبان كلاهما التشاور كل منهما مع الآخر واتخاذ اجراءات لمتابعة هذه الاهداف الأعرض في الوقت المناسب". جورج بوش سررتُ بنتائج المحادثات. مع ان غورباتشوف لم يكن مستعداً بعد للتفكير في عمل عسكري، فقد ترك الباب مفتوحاً. حصلنا على البيان المشترك الذي أردته، معلنين ان الوضع الراهن المتمثّل في العدوان العراقي لا يمكن قبوله. وأنهينا ايضاً محاولة لربط الأزمة باسرائيل. في اليوم التالي، علمتُ من الملك فهد ان ردّ الفعل العربي كان ايجابياً. كان مقتنعاً بأن العراق مطوّق ولا بد ان يُذعن للضغط، وتنبأ بتفاؤل بأن هذا لن يستغرق الآن سوى اسبوعين آخرين. وتذكرتُ محادثتي المثبطة للعزيمة مع حسني مبارك قبل بضعة ايام من ذلك: هل يمكن ان ينسحب صدام ويبقى مع ذلك في السلطة في العراق؟ ردّ الملك بأن ليس أمام صدام خيار حقيقي، وانه عندما ينسحب ستكون هذه نهايته. في اليوم نفسه، أعلن العراق انه وضع لائحة اتهام ضدي تمهيداً لمحاكمة في "محكمة شعبية". وتضمنت الاتهامات: إرسال قوات اميركية الى منطقة الخليج واحتلال المقدسات الاسلامية في المملكة العربية السعودية، والتهديد بمهاجمة العراق والامة العربية ]اصطلاح مُختَصَر يعني العرب برمتهم[، وفرض إجراءات اقتصادية ضد العراق، وإصدار أوامر الى ال "سي. اي. ايه" للتآمر على صدام" …. كتبَ بوش لدى سماعه بهذا النبأ "المخيف" رسالة شخصية الى مستشار البيت الأبيض بويدن غراي قال فيها مازحاً: "أرجو ان تحصل على تأشيرة وتكون جاهزاً للذهاب الى بغداد للدفاع عني في هذه التهم الأربع". ثم يقول بوش: "في 11 ايلول سبتمبر، ألقيتُ خطاباً في جلسةٍ مشتركة لمجلسيّ الكونغرس لتقديم تقرير عن الوضع في الخليج ومحادثاتي مع غورباتشوف. أملتُ بتقوية الدعم لطريقة معالجتنا للأزمة، والتشديد على الأهمية الطويلة الأجل لما حققناه في هلسنكي". كتب بوش في مفكرته صباح 11 ايلول سبتمبر يقول: "أستعدُ للخطاب الى الأمة الليلة، لكن ربعه، الجزء المتعلق بالموازنة، لا يمكن إنهاؤه لأن المعنيين بالموازنة اجتمعوا حتى الساعة 2.30. يُقال عني انني أفضّل اكثر العمل في الشؤون الدولية. انني منغمس جداً في هذه الازمة الدولية، ولكن لا بد لي من القول انني أتمتع بالعمل في كل أجزائها وأدخل في تفاصيل اكثر بكثير مما أفعل على المسرح الداخلي. لذا اعتقد بأن الجواب هو انني أفضّل هذا، لكنني أرى العجز في الموازنة كأمرٍ مهم جداً - من الضروري حلّه. اعتقد بأن الاميركيين يشعرون بالضجر كلما ركّزوا على هذا... كان المعنيون بالموازنة متفائلين نوعاً ما - بْريدي، دارمان، وسنونو - هذا الصباح. يقولون ان الكونغرس قلق بشأن درجات شعبيتي ]العالية[ - الاستطلاعات. تعرفين كيف اشعر بشأن الاستطلاعات، يا مفكرتي العزيزة. اعتقد بأنها تأتي وتذهب ونحن يمكن ان نصعد وننزل. و... نعم، انني مسرور بدرجة التأييد الذي أحصل عليه ولكنني اعلم انه يمكن ان يتغيّر بسرعة. يَدْخل هذا البلد في انكماش، ونهبط، وسيتغير الامر بسرعة حقيقية. لذا يجب ألا نطلق صيحة ابتهاج، ولكن اذا كانت الارقام القوية يمكن ان تساعدنا اليوم في الحصول على صفقة قائمة على حقيقة ان الكونغرس لا يريد ان "يُضْرَبَ" امام البلد برمته، فهذا من الافضل. ولكن في داخلي، لا أشعرُ بتاتاً بثقة زائدة او بغرور بناءً على أرقام الاستطلاعات... استُقبلَ الخطاب ذلك المساء استقبالاً حاراً، وشعرتُ بدفقة أدرينالين بينما كنت أخاطب القاعة المزدحمة. رويتُ ما أنجزته، غورباتشوف وأنا، في هلسنكي وتحدثتُ عن العلاقة الجديدة التي نبنيها مع الاتحاد السوفياتي: شراكة جديدة. لم يعد بوسع ديكتاتور ان يعتمد على المجابهة بين الشرق والغرب لتعطيل عمل الاممالمتحدة المنسّق ضد العدوان. اننا نقف اليوم في لحظةٍ فريدةٍ فوقَ العادة. ان الأزمة في الخليج، برغم كونها خطيرة، توفّر لنا ايضاً فرصة نادرة للتحرك نحو فترة من التعاون التاريخي. ومن هذه الاوقات المضطربة، يمكن لهدفنا الخامس - نظامٌ عالميٌ جديد - ان يبرز: عهدٌ جديد - خالٍ من تهديد الرعب، أقوى في السعي الى العدالة، وأكثر أمناً في السعي الى السلام. عهد يمكن لأمم العالم، الشرق والغرب، الشمال والجنوب، ان تزدهر فيه وتعيش في انسجام. لقد بحثت مئات الأجيال عن هذا الدرب المراوغ نحو السلام، بينما دارت رحى ألف حرب على امتداد سعي الانسانية. اليوم يكافح ذلك العالم الجديد كي يولد. عالم مختلف تماماً عن ذاك الذي عرفناه. عالم يحلُّ فيه حُكم القانون محلّ شريعة الغاب. عالم تدركُ فيه الأمم المسؤولية المشتركة عن الحرية والعدالة. عالم يحترم فيه القوي حقوق الضعيف. قلتُ ان أزمة الخليج هي الاختبار الاول في هذا العالم الجديد الذي نسعى اليه، وان الرهان مرتفع. لو اننا لم نستجب، واذا لم نستجب للتحدي "فسيكون هذا اشارةً الى الطغاة الحقيقيين والمحتملين في انحاء العالم". وأعلنتُ ان على اميركا والعالم الدفاع عن المصالح الحيوية المشتركة - وسنفعل ذلك. فيما لم يكن بوسعي ان أتنبأ بالمدة التي سنحتاج اليها لإقناع العراق بالانسحاب من الكويت، والعقوبات ستستغرق وقتاً، لم يكن في وسعنا ان نسمح للعدوان بأن يدوم. قلتُ ان مصلحتنا ودورنا في الخليج ليسا عابرين. سبقت صدام وسأبقى بعده. علينا ان نردع العدوان، ونساعد اصدقاءَنا في الدفاع النفس، ونُحبط انتشار اسلحة الدمار الشامل. اسمحوا لي ايضاً بأن أوضح ان الولاياتالمتحدة لا شجار لها مع الشعب العراقي. ان شجارنا مع ديكتاتور العراق ومع عدوانه. لن يُسمحَ للعراق بضمّ الكويت. هذا ليس تهديداً، وهذا ليس تبجّحاً، ان هذا هو ما ستكون عليه الحال. كان أكثر ما سرّني في ذلك المساء هو انه كان هناك دعم قوي للاجراءات التي كنت قد اتخذتها تحريك القوات وما قد يتعيّن عليّ عمله اذا حدث استفزاز. وما دام هناك دعم من الكونغرس، فقد شعرتُ بأن أمامي فرصةً طيبة للفوز. ومع ذلك رأيتُ مجابهةً تغلي بخصوص مسألة القوة. أردتُ العثور على طريقة لكسب تأييد الكونغرس بطريقة تُظهر على نحوٍ لا لبس فيه ذلك الدعم لما كنا نفعله، وما قد يتعين علينا عمله. في وقت مبكر من ايلول سبتمبر كنتُ قد طلبتُ من بويدن غراي النظر في كيف تعامل ليندون جونسون مع الكونغرس ايام قرار خليج تونكين في 1961. كان جونسون قد عمل بجدٍ لإقناع اعضاءٍ أفراد في الكونغرس، والكونغرس نفسه، للجهر بدعمهم لما كان يفعله في فيتنام. حضّ جلسات استماع مشتركة للجان العلاقات الخارجية والقوات المسلحة في كلا المجلسين، وطلب من الكونغرس الاصرار على التصويت بالمناداة حتى يكون السجل كاملاً. وفي النهاية حصل على تصويت جماعي في مجلس النواب - 414 مقابل صفر - وتصويت ب 88 صوتاً مقابل 2 في مجلس الشيوخ. كنتُ أدرك ان حرب فيتنام كانت مختلفة، لكن جهده ترك عندي انطباعاً قوياً، وبدأت أفكّر في الحصول على تصويتٍ مماثلٍ للدعم في الكونغرس. المفكرة، 13 ايلول سبتمبر لا نريد إطلاق العنان لمناقشةٍ بشأن سلطات الحرب* ]في شأن استخدام القوة[، ولا يريد معظم اعضاء مجلس الشيوخ ذلك، لذا سنواصل العمل على حلّ المشكلة... السؤال النابع من داخلي هو الى متى سيكونون معي؟ الى متى يبقى مجلس الشيوخ داعماً او مجلس النواب؟ ما دام الناس معنا، فإن عندي فرصة طيبة. ولكن بمجرد ان يبدأ تآكل، فإنهم سيفعلون ما قاله ليندون جونسون: دهنوا مؤخراتهم بالابيض وركضوا مع الظباء. ليسوا كلهم، بالطبع... ليلة الاحد، ال 14... نتائج استفتاءات جديدة: 57 في المئة دعم و23 في المئة ضد - شيء من هذا القبيل. كانت النسبة عادة 7 في المئة معارضة، وانا أقلق، أقلق، أقلق، بشأن الدعم المتآكل. وفّر اجتماع الرئيس في 21 ايلول سبتمبر مع زعماء الحزبين فرصة لجسّ نبض الكونغرس. رئيس المجلس توم فولي قال ان ثمة تفاهماً عاماً على الدعم حتى الآن في كلا الحزبين وفي انحاء البلاد، ولكن من السابق لأوانه التحدث عن خيار عسكري. قال: "عليك ان تعطي العقوبات فرصة". اذا حصل استفزاز، فسيكون هذا مسألة مختلفة. سيتعين علينا ان نتصرف وربما من جانب واحد. غير انه اعتقد بأن من المهم ان يكون لدينا تفويض دولي قبل ان نفعل. وحذّر قائلاً: "اذا دخلنا في اعمال حربية، فإن قضية سلطات الحرب ستُستأنف". واتفق معه جورج ميتشل وديك غيفارت. قال ميتشل: "اننا نعطي دعمنا لأن عقوباتكم تبرّر ذلك". يجب ان نستمر كما كنا. اعترض كليبورن بيل على أي استخدام للقوة من جانب واحد. واعلن كل من الجمهوريْين بوب دول وبوب مايكل عن الدعم للسياسة الحالية. كذلك فعل جاك مورثا لكنه اعتقد بأن من المحتمل اننا على مسارٍ نحو الحرب على أي حال. أعلن سام نان اننا يجب ان نعتمد على القوة الجوية والبحرية، لا على القوات البرية اذا وصل الامر الى حرب. واتفق معه ليز آسبين. جورج بوش بدا في الوقت الحاضر ان معظم اعضاء الكونغرس يدعم مقاربتنا العامة، ويدرك حجم الرهان. كان بوب دول مكسباً مميزاً منذ البداية، ومصدراً قيّماً للمشورة الحكيمة بخصوص المزاج في الكونغرس والبلاد. لكنني شعرتُ بقوة بأن ثمة عدم تفكيرٍ في أولويات الآخرين. فعلى سبيل المثال صادفنا مشكلات في مساعدة تركيا، وهي حليف في "ناتو" ودولة خط أمامي في التحالف ضد صدام. كان أوزال وفيّاً في دعمه واحتاج الى إغاثة لتجارة الأقمشة، لكن ترنت لوت وجيسي هيلمز كانا يحضّان على عدم ممارسة حق النقض ضد مشروع قانون يحمي الأقمشة. هنا كان صديق صلب، يقف الى جانبنا ضد طاغية، يطلبُ لا أموالاً ومعونة وانما مجرد قدرةٍ على التبادل معنا بشأن الأقمشة. لكن مشكلات تمرير المعونة عبر الكونغرس لم تظهر بشكل صارخ اكثر مما ظهرت به عندما بدأنا نعالج إعفاءَ مصر من الديون ومساعدةً عسكرية كبيرة للمملكة العربية السعودية. برنت سكوكروفت كان الإعفاء من الدَّيْن، بصورة لا مفرّ منها، قضية حساسة لدى الكونغرس. وكان لا بد من معالجتها بأقصى عناية، مع تمهيد الأرضية بهدوء مع كبار اعضاء الكونغرس. وعلى رغم ان الرئيس كان قد طلب الى مبارك ألا يقول شيئاً عن شطب الديون المصرية، إلا انه لسوء الحظ ذكرَ الأمر بطريقة صارت علنية - قبل ان نكون قد تشاورنا مع الكونغرس. وكانت النتيجة احتجاجاً غاضباً وامتعاضاً، كادا ان يُحبطا خططنا. بوسعي أن أفهم كيف يمكن ان يعارض بعضهم في الكونغرس شطب الديون. اذ ان ذلك لا يلقى قبولاً لدى الناخبين في دوائرهم. ففي الوقت الذي يكافح فيه كثيرون في الداخل لسداد قروض دراسية، وزراعية، وقروض إسكان، سيسأل الناس لماذا لا نشطب هذه الديون بدلاً من ديون بلدان اجنبية. بينما عملنا على ترتيب دعم مالي لمصر، ركّزنا ايضاً على ارسال معدات عسكرية تدعو الحاجة اليها بصورة ماسة الى السعوديين. كان العراق يتمتع بقوة عسكرية اكبر بكثير من قوة المملكة العربية السعودية وبتفوّق نوعي، لجهة ان السعوديين لم تكن لديهم ذخائر يمكن ان تهزم دبابات العراق السوفياتية الصنع. وكان إيصال المواد اليهم مهمة صعبة، خصوصاً لأنه كان محظوراً علينا بيع أنواع خاصة معينة من الذخائر الى البلدان غير الاعضاء في "ناتو". وكانت هناك مشكلة اخرى هي مدة الانتظار المطلوبة لثلاثين يوماً بين إشعار الكونغرس والشحن الفعلي للمعدات. ومع ان الرئيس كان بوسعه ان يأذنَ ببيع الذخائر وفعل ذلك مستخدماً سلطته الخاصة بموجب قانون المساعدة الاجنبية، فقد كان علينا مع ذلك ان نُشعر الكونغرس مُقدَّماً ونشرح لماذا كانت المساعدة ضرورية. في 26 آب اغسطس، وقّع الرئيس بوش أذون إعفاء لشحنٍ فوري ل 150 دبابة مستعملة، و24 طائرة، وكمية محدودة من الذخائر. لم يعترض الكونغرس على هذا النقل الأول الطارئ للاسلحة، لكنه اعترض على حجم رزمة ثانية اكبر بكثير في ايلول سبتمبر، تضمنت دبابات ومعدات حديثة. وبلغت الرزمة في مجموعها ما قيمته 17 - 20 بليون دولار. اعتقدنا بأنها ستُرسل اشارة الى السعوديين، والى صدام، عن التزامنا تجاه المنطقة بعد الأزمة الحالية… وسرعان ما أثار بعضهم في الكونغرس ضجّة على رزمة الاسلحة، وكذلك على شطب الديون المصرية، وحاولوا إعطاء شيء ما لإسرائيل بينما حاولنا إرسال معونة طارئة الى حلفائنا العرب. وفي نهاية الأمر مرّت رزمة الاسلحة في 29 تشرين الاول اكتوبر، لمجرد ان الكونغرس أخفق في تمرير قرار عدم موافقة ضمن 30 يوماً. وتمت الموافقة على قانون شطب الديون في الاسبوع الاول من تشرين الثاني نوفمبر. جورج بوش في 14 ايلول سبتمبر، أقدم الجنود العراقيون الذين كانوا يطوّقون السفارات في مدينة الكويت على دهم عدد من مقرّات إقامة السفراء. أخذوا القنصل الاميركي، وكذلك قناصل بريطانيا وايرلندا واستراليا وكندا وفرنسا. في ذلك اليوم أصدر مجلس الامن الدولي القرار 667، الذي ندّدَ بالمعاملة العراقية السيئة للبعثات الديبلوماسية. وفي الوقت نفسه كنتُ أسمع قصصاً عن معاملة العراق للكويت. المفكرة، 22 ايلول سبتمبر قرأتُ للتو تقرير استخبارات مرعباً عن تمزيق الكويت وتفكيكها. إطلاق النار على المواطنين عند وقفهم في سياراتهم. تصدير ما هناك من مواد غذائية قليلة. ترويع البيوت. تفكيك السجلات. وفي الواقع تحويل واحة الى أرض مقفرة. يقتبسون عن السفير النروجي، وهو مراقب محترم، شهد على تلك الوحشية وعلى النيّة المرعبة لهذا الديكتاتور، صدام حسين. المشكلة هي انه ما لم يحدث شيء ما عما قريب، فقد لا تكون هناك كويت - قد لا تكون هناك سجلات - لن يعرف أحد من هم المواطنون الكويتيون. ثمة أدلة على انه يحاول إعادة ملء الكويت بعملاء عراقيين، حتى اذا ما أُجري اي استفتاء، فسيكون التصويت ضد العائلة ]الحاكمة[. انه يُقسم على عدم الانسحاب ابداً، ويُقسم على ان العائلة لن تعود ابداً. وهذا يقوّي من تصميمي. أتساءل هل يجب علينا تسريع الجدول الزمني؟ عندما جاء أمير الكويت الى البيت الابيض في 28 ايلول سبتمبر، أبلغني مباشرة بنطاق الأعمال الوحشية التي كان الجنود العراقيون يرتكبونها ضد شعبه، وكان لذلك ايضاً تأثير عميق في نفسي. خلال هذه الفترة بدأتُ أنتقل من النظر الى عدوان صدام حصراً كتهديد استراتيجي خطير وظلم، الى دحر العدوان على أساس انه مهمة اخلاقية. وكان هذا استنتاجاً توصلتُ اليه تدريجاً على مدى آب اغسطس وايلول سبتمبر. وساهم في هذا احتقاره للقانون الدولي، وكذبه بشأن ما حدث، وكذبه على جيرانه، ولكن ربما كان سماعي بتدمير الحياة في الكويت هو الذي أنهى المسألة. صرتُ عاطفياً جداً بشأن الأعمال الوحشية. واستعجلت هذه بالفعل رغبتي في عمل شيء ما نشيط رداً عليها. كنتُ اعلم ان ثمة خطراً من انني قد أنفعل اكثر من اللازم بما سمعت وقرأت. وكنتُ أقول لنفسي أنني يجب ان أهدأ، وألا أدع تلك الانتهاكات لحقوق الانسان - على مرارتها وبشاعتها، وعلى ما رافقها من تعذيب بأساليب القرون الوسطى - تجعلني أفعل شيئاً ما متسرعاً او اتخذ قراراً أحمق. مع ذلك أدركتُ في احدى المراحل ان هذه ليست مسألة درجات من اللون الرمادي، او محاولةً لتفهّم وجهة نظر الجانب الآخر. كانت المسألة مسألة خيرٍ في مقابل شرّ، وصواب في مقابل خطأ. وتأكد لي ان التغيير قوّى تصميمي على عدم السماح للغزو بأن يدوم وشجّعني على التفكير في استخدام القوة لدحره. كان هذا هو النحو الذي حلّلت به المسألة في ذهني، وأدى الى توضيح الخيارات أمامي. سهَّل هذا عليَّ أيضاً التحدث الى عائلات جنودنا وشرح السبب الذي قد يدعو أحباءَهم الى التضحية بأنفسهم. كنتُ مُحبطاً ونافد الصبر في السعي الى انهاء الأزمة، آملاً بأن نستطيع العثور على سببٍ للتدخل وتسوية الأمر. في الاسابيع الاولى من الازمة، صادف انني كنتُ اقرأ كتاباً عن الحرب العالمية الثانية من تأليف المؤرخ البريطاني مارتن غيلبرت. رأيتُ تشابهاً مباشراً بين ما كان يحدث في الكويت وما فعله النازيون، خصوصاً في بولندا. لم يُقلّل هذا بأي شكل من الجرائم الشريرة التي ارتكبها النازيون بحق ملايينِ من الذين لم يكن لهم حول ولا قوة، او من المعاناة التي أغرقوا فيها كل اوروبا. روى الكتاب كيف اجتاح الجيش الالماني منطقة، تتبعه عن قرب وحدات خاصة تقوم بترويع السكان. رأيتُ تطابقاً مثيراً للقشعريرة مع ما كان يفعله المحتلون العراقيون في الكويت. تعرضتُ لانتقاد شديد على هذه المقارنة بين صدام وهتلر، واتهمني المنتقدون بشخصنة الأزمة، لكنني ما زلتُ اشعر بأنها مقارنة مناسبة"