استرح أيها المحارب! لقد كافحت طويلاً، وناضلت كثيراً - وكنت مقاتلاً عنيداً وشرساً، عشت الصدمات والانتصارات، أصبت وأخطأت وتنقلت شريداً في كل الاوطان العربية بفضل السياسات العربية المتخبطة التي انت جزء منها... ولكنك بالفعل البطل والزعيم للثورة الفلسطينية، الذي حمل المدفع والقنبلة، والآن يحمل غصن الزيتون، لا أحد ينكر دورك عربياًَ ودولياً، والدنيا كلها تعرف اسمك وتحفظ شكلك بالزي الخاص الذي اخترته لنفسك، وانت محل تقدير واعجاب ورمز للنضال، ولكن انت الآن في حاجة الى الراحة والاستجمام بعد عناء ما بعده عناء... وبصراحة نحن نريدك رمزاً وقدوة... اما قيادة الثورة وزعامة الدولة الفلسطينية فهذا الامر اصبح قدراً لا تقدر عليه الآن، وعبئاً ثقيلاً يصعب عليك حمله... استرح ايها المحارب..! العدو الذي تحاوره الآن يعرف عنك اكثر مما تعرف عن نفسك، وقد اصابك الوهن ياسيدي ولم تعد المقاتل الصلب الجسور، بل اصبحت الصقر المعتل الذي لانت مخالبه في الوقت الذي تسلح عدوك بمخالب اكثر عدداً وحدة، كنت مقاتلاً وتحولت الى مفاوض، والتفاوض ما هو إلا قتال من نوع آخر، وكلاهما يحتاج الى عزيمة لا تعرف التراجع، وانت تفاوض بغصن الزيتون والطرف الآخر يفاوض وفي الوقت نفسه يبني المستعمرات ويطرد شعبك من دياره ويطارد رماة الحجارة من الذين ضاقوا بالقهر ولم تنصفهم وعود الوساطة الاميركية التي يتولى امرها فريق من اليهود... تطير في الهواء من بلد الى بلد، تستغيث وترجو الزعماء والرؤساء، تتوسل السلام العادل، وهو لا يأتي بالاستعطاف والبكاء على الضحايا والتوجع من ألم الضربات... استرح ايها المحارب..! تذكر الشهداء من ابناء وطنك الذين قدموا حياتهم من اجل استرداد الارض المغتصبة، وتذكر ان المجتمع الدولي اعطاك اقل القليل من الحق المشروع لشعبك وها انت تفرط في بعض من هذا القليل من دون سبب مقنع، لا يمكن ان تتحول دماء الشهداء الى عصير برتقال مثلج يتم تناوله على موائد المفاوضات، ولا يمكن ان تكون سيفاً على رقاب الفلسطينيين بعدما كنت سيفاً في ايديهم... ولا يمكن ان تكون منفذاً لأوامر عدوك بأن تسجن هذا وتقبض على هذا، وتقتل ذاك..! انت مسؤول عن امن شعبك وسلامته اولاً واخيراً. استرح ايها المحارب..! عدوك يستخف بك... عدوك هو الارهاب نفسه وليس شعبك... دولة اسرائيل قامت بالارهاب، بالقتل والحرق والمذابح البشعة، وتعامل القتلة الذين قاموا بتنفيذ هذه الجرائم القذرة والبشعة على انهم ابطال، تمنحهم الاوسمة والنياشين وتقلدهم ارفع المناصب. اما اي مواطن فلسطيني يدافع عن بيته او قطعة الارض التي يملكها فإنه يصبح ارهابياً ويجب الخلاص منه... غابت الرؤية وانعدم الضمير الانساني، وانت كالغريق الذي يتشبث بالوهم الكاذب المسمّى بالمبادرة الاميركية، وتنتظر اي مبادرة من اي جهة حيث المزيد من المماطلة وأحاديث الهواء والسفر والجلوس على موائد الاجتماعات... والعدو يخطط وينفذ وفي عدوانه المستمر لا يوقفه شيء..! استرح ايها المحارب..! انهم يريدون لك السوء، ويصفّون حسابهم معك على طريقتهم، بأن يجعلوك زعيماً على طريقة زعماء الهنود الحمر بعدما استسلموا... يستبدل الزعيم الرمح والسهم بالغليون والسيجار، ويرتدي الحلة المزركشة ويطوفون به في المدن والولايات. هذا هو الزعيم الذي أتعبنا... هذا هو الزعيم الذي أرهقنا... ولكن ما الفائد؟.. لقد ضاع كل شيء... واصبح الزعيم فرجة للناظرين..! استرح يا رجل..! دعها لغيرك... دعها لرجل لديه القدرة على التفاوض ولم يفقد الرغبة في القتال... * كاتب مصري.