باتت اسرائيل، حكومة وجيشاً ومستوطنين، مسكونة بهاجس الزيتون، وقلما يمر يوم لا تخوض فيه معركة ضد هذه الشجرة التي تتحول الى العدو الأول للدولة في كل موسم قطاف، لأنها تذكّرها دوماً بأنها تحتل ارضاً ليست لها. عناد الجذور الممتدة عميقاً يفقد الاسرائيليين اعصابهم، فيندفعون هائجين لاقتلاعها وكسر اغصانها في محاولة يائسة لمحو هذا الرمز من ذاكرة الفلسطينيين. ومنذ حمل الراحل ياسر عرفات «غصن الزيتون» الى الأممالمتحدة، صارت الشجرة مصنفة «ارهابية» وصار مطلوباً منعها من الانتشار ووقفها عن مخاطبة العالم. مسلسل الاعتداءات على الزيتون يتواصل كل يوم في الانحاء الفلسطينية القريبة من حزام المستوطنات. وفي الاسبوع الاخير فقط بضع عيّنات منه: في قرية دير الحطب اغتال سكان مستوطنة «ايلون موريح» ألفي شجرة زيتون عندما وجّهوا مجاري المياه الآسنة الى حقل يُمنع على اصحابه زيارته لقربه من المستوطنة. وفي قرية بورين قرب نابلس اعتدى المستوطنون على الفلاحين الذين جاؤوا يجمعون زيتونهم وأحرقوا أكواخاً يستريحون فيها، ثم ساعدهم الجيش في اعتدائهم باستخدام الغاز المسيّل للدموع ضد اصحاب الارض. والحصيلة كانت إتلاف 500 شجرة زيتون حرقاً أو بالقاء مواد كيماوية عليها. وفي قرية قلعتا قرب قلقيلية، هاجم مستوطنو «حفات غلعاد» حقول الزيتون واتلفوا 600 شجرة. ويعمد المستوطنون الى سرقة المحصول قبل احراق الاشجار معتمدين في ذلك على فتاوى لحاخامين متطرفين تعتبر الارض الفلسطينية «ميراث شعب اسرائيل» وثمرها «ملكاً له اياً كان زارعها». وفي غزة، حيث جرفت قوات الاحتلال 130 الف شجرة، كان الحي الذي قتل فيه اكبر عدد من المدنيين دفعة واحدة (22 امرأة وطفلاً) خلال الحرب على القطاع يدعى «حي الزيتون». ويؤكد الفلسطينيون ان جرافات الجيش أتلفت حتى اليوم مليون شجرة في الضفة الغربية. ولا يتعرض المستوطن الذي يعتدي على الاشجار لأي ملاحقة قضائية، ولا تسفر التحقيقات الصورية التي تجريها الشرطة عن أي نتائج، كما ان مئات الشكاوى التي يقدمها الفلسطينيون، لا تعرف مصيراً سوى الادراج المقفلة. وليس الحرق والإتلاف طريقة الانتقام الوحيدة من الزيتون، فحواجز الجيش الاسرائيلي تعوق الحركة بين قرى ومدن الضفة وتمنع الانتاج الزراعي الفلسطيني، ومن أهمه الزيتون والزيت، من الوصول الى الاسواق المحلية او الدولية، قبل ان تفضي عراقيل قوانين التصدير الى اتلاف جزء كبير منه. هي حرب تخوضها اسرائيل بكل مكوناتها وأجهزتها ضد هذه الشجرة المعمرة المعطاء التي اثبتت انها اكثر قدرة على مقاومة الاحتلال من صواريخ تطلق هنا وهناك بلا هدف. ولعله بات واجباً ان تفكر السلطة الفلسطينية في اضافة شجرة زيتون الى العلم الوطني، او في رفع شعار هذه الشجرة على كل بيت فلسطيني حتى داخل اسرائيل. تفضح شجرة الزيتون اللهجات والأيدي الغريبة التي تتطاول على أغصانها وذاكرتها. اما الارض التي «اكتشفها» المستوطنون القادمون من اوروبا واميركا في كتيّبات «الوكالة اليهودية»، فتحسن الانتظار مختزنة خبرة قرون من الصمود، وتعرف ان شجرها سيحيا من جديد كلما اقتلعوه.