أبدى صندوق النقد الدولي تشاؤمه حيال مستقبل الاقتصاد الدولي، اذ توقع ان تبلغ نسبة النمو في هذا الاقتصاد اثنين في المئة، بعدما كانت التوقعات تدور حول ثلاثة في المئة في أيار مايو الماضي. وتوقع ان تتحسن نسبة النمو قليلاً السنة المقبلة الى 2.5 في المئة. وقال ان الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط وافريقيا ستواجه "قرارات صعبة تتعلق بالموازنة" اذا ظلت أسعار النفط على انخفاضها. وأوضح الصندوق في أحدث تقاريره عن اتجاهات الاقتصاد الدولي ان بعض اغنى الدول النفطية في منطقة الخليج قد تتمكن من اجتذاب رؤوس الأموال لتعويض الانخفاض في أسعار النفط. وأضاف التقرير "ومع ذلك اذا لم تنتعش أسعار النفط بقوة ستحتاج هذه الدول الى اتخاذ اجراءات لزيادة العائدات وخفض الانفاق لضمان استقرار مالي وخارجي في الأجل المتوسط". وتعتمد تسع من 14 دولة نامية في الشرق الأوسط وأربع دول افريقية على صادرات النفط في الحصول على أكثر من نصف عائداتها من الصادرات. ويشير التقرير الى ان سلطنة عمان على سبيل المثال تواجه انخفاضاً بنسبة عشرة في المئة في عائداتها المالية السنة الجارية فيما ستشهد الكويت انخفاضاً بنسبة 8.5 في المئة والسعودية بنسبة 7.9 في المئة. وذكر التقرير ان هبوط أسعار النفط نبأ طيب للدول المستوردة له لكن حتى بعض هذه الدول قد يعاني بسبب اثار انخفاض أسعار النفط في الدول المصدرة المجاورة. ومن شأن هذه التوقعات ان تثلج صدور المحللين وصانعي القرار الذين بدأوا يخشون حلول ركود اقتصادي عالمي. لكن الصندوق حذر من أن الاقتصاد العالمي "هش" وان "مخاطر حلول ركود أعمق وأوسع نطاقاً وأطول مدة ازدادت كثيراً بسبب مخاطر تبعث على القلق تؤثر في التوقعات الراهنة. ورأى التقرير ان من شأن تردي الاقتصاد الدولي ان يسبب "هزات سلبية" سيتعين على مصدري السلع والولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي امتصاصها وتحمل نتائجها. لكنه لم يوضح مدى ضخامة هذه الهزات وآثارها. وتوقع تراجع أسعار النفط نحو 31 في المئة السنة الجارية، بعد تراجعها خمسة في المئة عام 1997، وبعدما انخفضت الى أدنى مستوياتها، بالقيمة الفعلية، منذ 1973 في حزيران يونيو الماضي. ويراهن الصندوق على حصول تحسن معتدل في الاقتصاد الدولي، ربما أدى الى انتعاش جزئي في أسعار النفط السنة المقبلة قد يبلغ نحو تسعة في المئة. يذكر ان التوقعات الجديدة تعيد النظر سلباً في التوقعات السابقة حول النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط لأسباب عدة، أهمها تراجع أسعار النفط. وتوقع الصندوق تراجع الانتاج العام 2.25 في المئة السنة الجارية في مجموعة من الدول منها دول الخليج المصدرة للنفط، والدول العربية الأصغر في الشرق الأوسط ومصر، اضافة الى تركيا وايران. وكان الصندوق توقع، في أيار الماضي، ان تتجاوز نسبة النمو الاقتصادي في هذه الدول ثلاثة في المئة السنة الجارية في مقابل 4.5 في المئة العام الماضي. وفي حال تمكن الاقتصاد الدولي من تجنب المخاطر الكبيرة التي تهدد النمو، يعتقد الصندوق بأن نسبة النمو ستكون 2.75 في المئة في الشرق الأوسط سنة 1999. وتشير التوقعات الى أن التراجع الحاد في أسعار النفط أثر سلباً في النشاط الاقتصادي في الدول المصدرة، ما سبب تردياً حاداً في الوضع الضريبي فيها وفي حسابها الجاري، وتراجعاً ملحوظاً في نموها الاقتصادي. كما أدى تراجع أسعار النفط الى تباطؤ النشاط الاقتصادي في دول أخرى في المنطقة بسبب تراجع ما يحوله العاملون في الدول النفطية الى ذويهم وتراجع الطلب الاقليمي. ومن المحتمل ان يؤدي خفض الانفاق الحكومي في الدول المنتجة للنفط الى تقييد النمو الاقتصادي ولجمه. وأشارت توقعات الصندوق الى ان نسبة النمو في مصر السنة الجارية ستكون خمسة في المئة، فيما سيتراجع التضخم الى 3.3 في المئة. وفي السعودية يتوقع ان تتراجع نسبة النمو من 1.9 في المئة عام 1997 الماضي الى 0.4 في المئة السنة الجارية. ويتوقع ان تتراجع نسبة النمو الكويتي من 1.6 في المئة العام الماضي الى 1.3 في المئة السنة الجارية. وستبقى معدلات التضخم في هاتين الدولتين الخليجيتين قريبة من الصفر. ويتوقع ان يحقق الأردن نمواً نسبته 2.5 في المئة في 1998 في مقابل 2.2 في المئة العام الماضي، وان تسجل معدلات التضخم نحو أربعة في المئة. وجاء في تقرير الصندوق: "سيكون من المهم عدم السماح لهذه التطورات السلبية بتأخير تنفيذ الاصلاحات البنيوية الضرورية الأساسية لحظوظ النمو وتعزيزها في المدى المتوسط" في الدول المصدرة للنفط. ويعني ذلك ان تدابير بعض الدول في شأن ترشيد العائدات والانفاق بغية احتواء التردي في وضعها الضريبي ستتطلب التزاماً قوياً. أما مصر فينبغي عليها التزام جانب الحذر لتواصل التقدم في مجال الاصلاح البنيوي والتقوية الضريبية لأن تراجع ايرادات النفط تزامن مع تراجع تحويلات المصريين العاملين في الخارج وتراجع الايرادات السياحية، ما سبب عجزاً في الحساب المصري الجاري. ويتوقع ان يحفز الانتعاش القوي الذي شهده الانتاج الزراعي في شمال افريقيا، بعد جفاف العام الماضي، انتعاشاً في الجزائر والمغرب وتونس. ومن المنتظر أن تبلغ نسبة النمو في الجزائر أربعة في المئة السنة الجارية في مقابل 1.3 في المئة العام الماضي، وفي المغرب 6.8 في المئة في مقابل 2.2 في المئة نسبة الانكماش العام الماضي. وستزداد نسبة النمو في تونس الى 5.9 في المئة، في مقابل 5.6 في المئة العام الماضي، وذلك بفضل بقاء الانتاج الصناعي في حال التوسع بنسب مرتفعة نسبياً لأسباب منها انتعاش الطلب على الواردات في الأسواق الأوروبية. وأشار تقرير الصندوق الى أن المستقبل الاقتصادي المنظور في العالم مهدد بسبب التطورات في الأسواق المالية الدولية وانسحاب المستثمرين الدوليين والمصارف من الأسواق الناشئة، ما يبرز أهمية الحاجة الى "تعديلات في السياسة تعيد الثقة" خصوصاً في اليابان وأسواق آسيا الناشئة وروسيا. وأضاف ان الوقت حان لتنظر الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي في تيسير سياساتهما المالية على نحو معتدل. ولفت التقرير الى حدوث تبدلات كبيرة في تدفق الأموال الدولية، ما يحمل معاني مهمة بالنسبة الى عدد كبير من الدول، اذ شهد عام 1996 وصول صافي الرساميل الخاصة المتدفقة الى الأسواق الناشئة الى قمة بلغت 215 بليون دولار. لكن هذه الرساميل تراجعت الى 57 بليوناً السنة الجارية. وتوقع عودة العافية الى تدفق هذه الرساميل وبلوغها 130 بليون دولار السنة المقبلة. وعزا معظم التراجع الى التطورات الآسيوية. وأشار التقرير الى أن تدفق الرساميل الخاصة الى الشرق الأوسط سيصل 28.4 بليون دولار السنة الجارية، و25.2 بليون دولار سنة 1999، في مقابل 8.7 بليون دولار العام الماضي.