سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الثانية والعشرون . بوش : اعتقدت دائماً بأن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية غير متناسبة عن السلام في اوروبا . كانت ثاتشر تريد التحدث باسم الولايات المتحدة كما فعلت مع ريغان
كان على الرئيس جورج بوش ان يحضر قمة حلف شمال الاطلسي، بعد مدة قصيرة من توليه الرئاسة، في بروكسيل في ظل تحديين كبيرين هما المفاوضات مع الاتحاد السوفياتي لخفض الاسلحة التقليدية في اوروبا واعتراض حكومة المانيا الغربية على اي تحديث للأسلحة النووية الغربية القصيرة المدى. وكانت هناك معارضة شديدة في المانيا لتحديث هذه الاسلحة النووية وخلاف حاد في شأنها ضمن الحكومة الائتلافية. وهذا ما يتحدث عنه المؤلفان في هذا الفصل الثالث من كتابهما وعنوانه "قيادة الحلف". برنت سكوكروفت "مع إرسائنا سياساتنا الجديدة، كانت صينية مليئة بالمطالب العملية امامنا. كان علينا ان نحضّر لقمة حلف شمال الاطلسي في بروكسيل في نهاية ايار مايو، وبعدها القمة الاقتصادية للدول الصناعية السبع الكبرى G-7 في تموز يوليو. ومع ان معظم اجتماعات قمة حلف شمال الاطلسي كانت روتينية بعض الشيء، فإن هذه القمة كان له مظهر بارز أكثر من المعتاد. كانت تلك الذكرى السنوية الاربعين للحلف، وكانت هبّة الاعلانات الدراماتيكية عن خفض الاسلحة التي اعلنها غورباتشوف في خطابه في الاممالمتحدة في كانون الاول ديسمبر قد وضعت الحلف - ووضعتنا نحن - في موقف الدفاع السياسي. واجه تحديان مباشران متصلان كل منهما بالآخر حلف شمال الاطلسي، وأثّرت التغييرات في العلاقات بين الشرق والغرب في مدركاتنا المتصلة بهما. كان الاول بدء المحادثات المقررة لخفض الاسلحة التقليدية غير النووية في اوروبا CFE. وكان الثاني، والاكثر اثارة للجدل، سياسة الحلف بخصوص القوات النووية القصيرة المدى SNF: تحديثها وما اذا كان علينا، ومتى، ان نتفاوض على تخفيضات في هذه القوات. ومع ان القضايا كانت حاسمة الاهمية لحلف شمال الاطلسي، فقد كانت جافة وغير دراماتيكية - وما كان التوقيت يمكن ان يكون أسوأ. اذ كان غورباتشوف يلقي خطابات محاطة بدعاية جيدة عن السلام والديموقراطية في اوروبا الشرقية، ومع ذلك فقد كنا هنا، نناقش قضايا الدبابات والصواريخ في الغرب بعناد. ودفع الاحساس بتراجع التوتر بين الدولتين العظميين، مصحوباً بحملة غورباتشوف المكثفة في مجال العلاقات العامة، بعض الزعماء السياسيين الاوروبيين الى التشكك في الحاجة لانفاق دفاعي كبير - و، خصوصاً في المانيا، اعادة فتح القضية العاطفية المتعلقة بما اذا كان يجب الاحتفاظ بقواتنا النووية المتبقية في القارة. …". ثم يلقي سكوكروفت الضوء على اسباب معارضة المانيا لتحديث الاسلحة النووية الغربية القصيرة المدى: "لأن مداها كان اقل من 300 ميل، فإن الصواريخ القصيرة المدى كانت ستوجه في صورة مؤكدة تقريباً نحو اهداف في المانيا، الشرقية او الغربية. وهكذا شعر الالمان الغربيون بأنهم افردوا كمكان لأي هجوم نووي. وقد حشدت الحركة القوية والمنظمة جداً المناوئة للاسلحة النووية في الجمهورية الاتحادية معارضة لفظية للتحديث، ودعت بدلاً منه الى ازالة الاسلحة المتبقية 88 منصة اطلاق - مقابل نحو 1400 للسوفيات. وتحت ضغط من المانيا الغربية، كان حلف شمال الاطلسي قد وافق في حزيران يونيو 1987 على تأخير اي قرار في شأن التحديث الى ان يكون قد طوّر "مفهوماً شاملاً" لتوحيد استراتيجية الحلف وسياسة الحد من الاسلحة. وكان من المفترض اكمال تلك الخطة في الوقت الملائم للنظر فيها في قمة حلف شمال الاطلسي في ايار مايو. ولكن، في مواجهة مثل هذه القضية السياسية الساخنة وتأييد متناقص للحكومة، امل كول وشريكه في الائتلاف، وزير الخارجية هانس - ديتريتش غينتشر من الحزب الديموقراطي الحر، بتأخير قرار لمدة اطول، الى ما بعد الانتخابات العامة الالمانية في 1990"…. ثم يقول سكروكرفت: "تعاطفنا مع كول في معضلته، خصوصاً واننا اردنا ان نفعل ما نستطيع لتقويته سياسياً. كنا نفضل زعامته على زعامة الديموقراطيين الاجتماعيين الذين تحركوا نحو اليسار منذ الايام التي كان يقودهم فيها هيلموت شميدت. وصاروا الآن يدعمون ازالة القوات النووية، ونظرنا الى آرائهم التقليدية في السياسة الخارجية والدفاعية على اساس انها توفيقية تجاه السوفيات …". اتفق حلفا شمال الاطلسي ووارسو في 14 كانون الثاني يناير على التفويض الخاص بمفاوضات الاسلحة التقليدية. وكان الاميركيون قد ورثوا موقفاً لحلف الاطلسي يدعو لتخفيضات غير متساوية لقوات الاطلسي ووارسو لانشاء مستوى متساوٍ من القوات يقرب من 5 - 10 في المئة من مجموع قوات حلف شمال الاطلسي في ذلك الحين. برنت سكوكروفت انتقد اقتراح الحلف فوراً على اساس انه غير كاف وعديم الخيال بالنظر الى انه تطلب الشيء القليل من "ناتو" والشيء الكثير من حلف وارسو تخفيضات تزيد عن 50 في المئة في كل صنف. غير ان حلف وارسو قبل بتلك المقاربة، ونادى شيفاردنادزه، الذي قدم اقتراحات الحلف، بتخفيضات أعمق حتى من ذلك في كلال الجانبين…. جورج بوش اعتقدت دائماً بأن الولاياتالمتحدة تتحمل مسؤولية غير متناسبة عن السلام في اوروبا والتزاماً بقيادة "ناتو". في الثلاثينات، تعلمنا بالطريقة الصعبة انه كان من الخطأ ان ننسحب الى عزلة بعد الحرب العالمية الاولى. راقبنا بينما تصارعت اوروبا مع الفاشية، لكننا جررنا بصورة لا مفر منها الى الحرب لاستعادة الحرية. وعندما بدأت الحرب الباردة، صارت اوروبا الغربية الخط الامامي ضد تهديد سوفياتي، واعتمد حلفاؤنا على الولاياتالمتحدة لتحدد الاتجاه ل "ناتو". وكان على الرئيس الأميركي ان يوجه الأمور…. يتحدث بوش عن مزايا الاتصالات الشخصية بالزعماء الاجانب، وهي اتصالات يتضمن الكتاب اشارات كثيرة اليها وروايات مفصلة عنها في اجزائه اللاحقة. يقول: "عزمت على استخدام الاتصال الشخصي كطريقة أُبيّن بها للزعماء الاجانب ان الولاياتالمتحدة مهتمة بهم وتعمل معهم، وليست منعزلة. فاذا اوكل رئيس قدراً من الديبلوماسية العالية المستوى لمرؤوسيه اكثر مما ينبغي، فإنه يعطي انطباعاً بعدم الاكتراث تجاه الزعماء الاجانب…". ولكن الى أي مدى كانت الاتصالات الشخصية مهمة ونافعة في التعامل في تلك الفترة مع الزعماء الالمان، خصوصاً المستشار هيلموت كول، في ما يتعلق بمسألة تحديث او عدم تحديث الاسلحة النووية القصيرة المدى؟ يقول بوش: "صار الألمان في صورة متزايدة اكثر الحاحاً وتصلباً، في ما يتصل بكل من البدء بمفاوضات الحد من الاسلحة وارجاء تحديث الصواريخ، من دون الانتظار الى ان نكون قد عالجنا قضية القوات التقليدية. وبالنسبة اليّ، وخصوصاً بالنسبة الى مارغريت ثاتشر، كانت تلك مسائل يتجه فيها الالمان الاتجاه المغلوط ويمكن ان يكون التوصل الى حل وسط في شأنها خطيراً. منذ ان عرفت كول، اعتقدت بأنه ودود تجاه الولاياتالمتحدة ومؤمن بتضامن ناتو ايماناً راسخاً. لكنني أدركت ان مشكلاته السياسية قد تغريه بالخروج عن صفوف الحلف…". ويشخص بوش مشكلة كول في ذلك الحين: "حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي CDU بزعامة كول، والحزب الشقيق له، الحزب الاجتماعي الديموقراطي CSU، حكما الجمهورية الاتحادية بالائتلاف مع حزب الديموقراطيين الاحرار FDP، بقيادة غينتشر. ولهذا السبب، كثيراً ما افتقر كول الى حرية اتخاذ مواقف من قضايا مثيرة للجدل شقت الناخبين الالمان…". "… كنت واثقاً من ان هيلموت سيسود. انه السياسي الشديد البراعة، وربما الاكثر مهارة بين من رأيت، وأنا معجب به. ومهما يبدو مركزه متدنياً في استطلاعات الرأي ومن الامور المعهودة انه يتخلف مسافة بعيدة في الفترة السابقة مباشرة لانتخابات، او كم مرة يعلنه منتقدوه او المحللون ميتاً سياسياً، يبدو دائماً انه يستعيد مكانه…. وهو دائماً على معرفة بمكائد المعارضة ومتيقظ لها، ومع ذلك فانه، في التحليل النهائي، يتصرف بناء على قناعاته الخاصة. وكلما احتدمت الامور، وجدت دائماً انه كان يحاول الوقوف الى جانب الولاياتالمتحدة والحلف". برنت سكروكروفت "إذا كنا نريد ان نتجنب حلفاً منقسماً بشأن المسألة النووية، فإن علينا ان نبدأ في اجراء المحادثات بخصوص القوات التقليدية. وبمجرد ان نعرف ماسيكون عليه الميزان التقليدي - واذا كانت التخفيضات بحسن نية قد بدأت فستكون لدينا العناصر الضرورية لتقرير ما هي القوات النووية التي نحتاج اليها، وبذلك تقرير أساس للاضطلاع بالمفاوضات بناء عليها، وهو ما اراده الالمان. وبقيت ازالتها غير مقبولة تماماً تحت اي ظروف…". في 10 شباط فبراير في اليوم السابق لليوم المقرر لوصول بيكر الى بون في رحلته الاولى "للتعارف" عبر اوروبا، دعا كول رسمياً الحلف الى تأجيل قرار في شأن تحديث القوات النووية القصيرة المدى لحلف شمال الاطلسي حتى 1991 او 1992. وأشار الى ان النظام الحالي لن يتطلب استبداله حتى 1995 او 1996، ولذا فان اتخاذ قرار يمكن تأجيله بسهولة الى ما بعد 1990 - اي ما بعد الانتخابات الالمانية الغربية. جرى تأكيد هذا البيان الذي اعتبرته الولاياتالمتحدة "مشؤوماً" خلال زيارة بيكر الى بون. ويرى بوش وسكوكروفت في كتابهما ان كول كان يبدي بذلك، في ما يبدو، رد فعله على الدعم السياسي المتدهور لحكومته الائتلافية، مع كون القضية النووية نقطة بؤرية بالنسبة الى الديموقراطيين الاجتماعيين. وذكرت صحيفة "كريستشيان سايناس مونيتور" في 5 نيسان ابريل ان استطلاعاً للرأي اظهر ان حوالي ثلثي الالمان الغربيين يريدون من كول ان يتنحى. وفي منتصف نيسان ابريل، عدّل مجلس وزرائه وصار اكثر واكثر اصراراً بشأن مفاوضات مبكرة، مما اذكى النقاش في الحلف. جورج بوش في محاولة للتعامل مع المشكلة مباشرة، تحدثت الى كول واقترحت ان يأتي الى كامب ديفيد او واشنطن لمحادثة غير رسمية، فقط لفرز القضايا. اصر هيلموت على ان مشكلات الائتلاف تمنعه من السفر، لكنه عرض ارسال مستشاره هورست تيلستشيك، نظير برنت في بون. وكان ذلك مقبولاً لدي ، لأن تيلستشيك كان يتمتع بثقة كول. ووعد هيلموت بأن زيارته سَتُرتَّب عما قريب، ولكن في النهاية لم يُعقد اجتماع. وادت بي الغاءات تيلتشيك المتكررة الى استنتاج ان كول كان تحت ضغط متزايد لتأخير قرار بشأن التحديث وتأييد مفاوضات مبكرة مع موسكو، ولكن ايضاً انه اعتقد انه ليس في مركز للدخول في مناقشات معنا، خشية ان يراه الشعب الالماني وكأنه يقبل بحل وسط. وصرت شاعراً بالإحباط بسبب تهربه. اذ كان علينا أن نتوصل الى حسم من نوع ما إذا أردنا أن نبني تفاهماً في حلول موعد قمة "ناتو". في 12 نيسان ابريل، اجتمعت مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مانفريد فيرنر، وهو وزير دفاع سابق تحت كول وسياسي بارز من حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي. حض على أن أعمل من أجل منع النقاش النووي المتزايد من إفساد قمة الذكرى السنوية للحلف، وذكرني بأن الوقت قد حان لتحديد اتجاه جديد للحلف. قال: "اننا في وضع تاريخي، وبرغم اننا ناجحون، فإن الادراك العام هو أن غورباتشوف يسوق التاريخ". واقترح مانفريد أن نركز الآن على الرسالة السياسية للحلف، وألا نحاول ببساطة تحدي موسكو باقتراحات للحد من الأسلحة. يجب أن يشير "ناتو" الى الطريق نحو المستقبل ويظهر نفسه كمصدر للاستقرار والأمن في وقت تغيير سياسي. وحذر بأن "الولاياتالمتحدة يجب الا تتوقع من الآخرين تقديم الشيء الكثير. انهم ينتظرون الأميركيين". كان مانفريد على صواب، اذ كان يتوقف علي أن اوجد حلاً للقوات النووية القصيرة المدى - من شأنه أن يوحد الحلفاء قبل القمة - وأن أحدد أيضاً اتجاهاً جديداً للحلف. بعد بضعة أيام، وصل وزير الخارجية البريطاني جفري هاو الى واشنطن للبحث في المسألة. كرر معارضة مارغريت ثاتشر القوية للمفاوضات - وهي نقطة عبرت عنها لي في أول حديث بيننا بعد تنصيبي.... ونقل هاو رسالة مارغريت الأساسية: الولاياتالمتحدة يجب أن تنسحب وتدعها تحل المشكلة مع كول. لم أكن مستعداً لعمل ذلك، وكان جزء من السبب عائداً الى اعتقادنا بأن العلاقة بين ثاتشر وكول لم تكن يسيرة. يضاف الى هذا انها كانت أكثر تشدداً حتى منا نحن، وأكثر عاطفية بكثير بشأن مخاطر حل وسط. ولم أنظر الى هذه الأمور كمكونات للعثور على أرضية مشتركة مع هيلموت. وأحسب أن مارغريت لم تكن متأكدة بشأن الكيفية التي اعتزمت أن أقود بها "ناتو"، وهي اتخذت مواقف علنية قوية من القوات النووية القصيرة المدى، معتقدة ربما ان هذا سيجعل من الأصعب علي التوصل الى حل وسط مع الألمان. وأتوقع أيضاً انها كانت ما تزال تريد التحدث باسم العلاقات الأميركية - البريطانية الخاصة، كما فعلت مع رونالد ريغان. لكني كنت مصمماً على أن رئيس الولاياتالمتحدة يجب أن يقود الحلف. برنت سكوكروفت اجتمع وزراء دفاع "ناتو"، وهم واعون للمشكلات السياسية الألمانية، في 20 نيسان ابريل، ووضعوا مسودة بيان تضمن، الى جانب التعهد بالاحتفاظ ب "قوات نووية مرنة عبر الطيف كله"، قبولا من حيث الأساس للطلب الألماني بتأجيل قرار بخصوص التحديث الى ما بعد 1990. وبعد أقل من يوم على هذه اللفتة التوفيقية، اسقطت بون قنبلة. علمنا من خلال تسريب الى الصحافة ان الائتلاف الحاكم قد صوت لدعم عقد مفاوضات فورية بين الشرق والغرب بشأن خفض أعداد الأسلحة النووية القصيرة المدى. بدا التسريب متعمداً، ومحاولة لممارسة ضغط عام على "ناتو" ليتبنى الموقف الألماني بدلاً من متابعة المسألة عبر الديبلوماسية المكتومة. جورج بوش انزعجت من هذه الخطوة الاحادية الجانب. اعتبرتها مثالاً على الطريقة التي لا ينبغي تسيير عمل الحلف وفقاً لها. عندما تحدثت الى هيلموت في اليوم التالي، شرح أن الائتلاف كان يشتغل على المسألة النووية وارسل الآن ورقة تفاهم داخلي عن القضية. وعد بارسالها في غضون ساعة، وطلب ان أقابل غينتشر ووزير دفاعه الجديد، غيرهارد ستولتنبيرغ، عندما يصلان يوم الاثنين المقبل ليلتقيا بيكر، وتشيني، وسكوكروفت. وقال ان هذا سيسمح له بأن يقول ان المانيا تتشاور مع اصدقائها بشأن الموضوع - مما يعني ضمناً ان الموقف الألماني ما زال قيد النقاش - واراد بعض الفضل داخلياً على الأقل عن تقديمه الاقتراح، حتى لو لم يتم تبنيه. قلت لهلموت انني أفهم موقفه ولا أريد التدخل، ولكن كان يجب عليه ان يناقش الأسلحة النووية القصيرة المدى معنا قبل اتخاذ مثل تلك القرارات الحاسمة - وجعلها علنية. وقلت انني لا أريد أن تقدم لنا بون أمراً واقعاً. وأضفت بحزم: "هذا يعني أيضاً عدم حدوث تسريبات، ليس من شأنها الا أن تحبس المرء ضمن موقف معين". القى باللوم في التسريبات على ائتلافه المكون من ثلاثة أحزاب، الذي يترك مجالاً واسعاً لمثل هذه المشكلات. وقال انه سيكون من الصعب ابقاء الأمور بيننا وحدنا على أي حال.... شاطرتني مارغريت ثاتشر اغتياظي وقلقي من التكتيكات الألمانية. في اليوم التالي أبلغتها عن جهدي لاقناع كول بالتشاور سلفاً، وعن قلقي ازاء عدم تعاون.... "نفّست مارغريت عن انزعاجها. عبرت عن اعتقادها بأن الموقف الألماني يعكس وجهات نظر غينتشر، وليس كول، وانه، غينتشر، يستغل الاقتراحات كحيلة لاكتساب قبول بفضلها. وأوحت في الواقع بأن من الممكن ان كول يعتمد على الولاياتالمتحدة وبريطانيا لتعطيل جهود غينتشر.... قالت ثاتشر محتدة: "الألمان يعرفون جيداً ان الرد المرن يعتمد على القوات النووية القصيرة المدى وان هذه القوات، بناء على ذلك، يجب ابقاؤها حديثة. الألمان يوافقون على اننا نحتاج الى مزيج من القوات النووية والتقليدية في أوروبا، لكنهم ينفون هذا المبدأ بموقفهم من أسلحة معينة. هذا ليس كول. انه غينتشر يحاول تسيير الحلف بنسبة الخمسة في المئة التي له من الناخبين الألمان. "مع ذلك، أقرت مارغريت بأن بوسعنا أن نؤجل قراراً بشأن نشر صواريخ محدّثة في هذه القمة وان تأخيراً هو أفضل حل وسط نستطيع الحصول عليه. قالت: "الشيء المهم هو الاتفاق بين الولاياتالمتحدة وبريطانيا، لأنه من دون هذين البلدين لا يمكن أن يكون هناك ناتو...". فضلت الانتظار الى ما بعد المحادثات مع الألمان في واشنطن قبل أن نقول أي شيء. سنتعامل على صعيد خاص وبنية حسنة مع الألمان عندما يأتون. هذه المحادثة كانت ثاتشرية معتّقة، قوية وذات مبدأ. لقد عكست الاحتكاك الذي احست به مع الألمان - وأهمية جهدي للعثور على مقاربة متوازنة لمشاكسة كول.... كانت مارغريت تكن احتراماً ومحبة صادقين لريغان. وبينما كان ريغان يحدد عادة النغمة في الاجتماعات الدولية، بدا كثيراً انه يحيل بقية النقاش على ثاتشر، ويدعها تتحدث باسمهما. وقد تمتعت هي بالتحدث نيابة عنهما وكثيراً ما كانت تقول "رون وأنا نشعر". حفظت في ذهني أهمية العلاقة الأميركية - البريطانية وكنت مصمماً على العمل في صورة وثيقة مع مارغريت، ولكن كان لا بد لي من أن أتحدث بالأصالة عن نفسي. وعندما كانت تظهر خلافات بيننا، كنا نذللها. وهي تسجل في مذكراتها اشارة الى حاجة لدي لتوكيد نفسي. واعتقد أن تصورها نبع من قراري المبكر انه لا يمكن أن يكون هناك سوى ناطق واحد باسم الولاياتالمتحدة.... لم تكن مارغريت أبداً من دون رأي، تعبر عنه بقوة. ورأيت لماذا صارت زعيمة قوية. كانت توكيدية ولم تتمنع قط عن التحدث بصراحة أو الاختلاف مع الآخرين. وبينما اعتاد ميتران أن يصوغ حججه باشارات الى دروس التاريخ، كانت ثاتشر أكثر ميلاً للتعبير بقوة وفظاظة عن موقفها من دون قلق بشأن المجاملات.... برنت سكوكروفت كرد فعل ثاتشر، لم يكن رد فعلي تجاه الخطوة الالمانية فرحاً. كان الجو متوتراً قليلاً، اذ ان اتخاذ الألمان قراراً من جانب واحد بشأن قضية ذات أهمية لمثل هذه الأطراف العديدة - ثم ارسال فرقة عروض متجولة لتسويقها - لم يساعد. اجتمعنا، بيكر، وتشيني وأنا مع الوزيرين الألمانيين في 24 نيسان ابريل لكن المزاج لم يكن توفيقياً، وبالرغم من أن اقتراحات عدة اثيرت بما في ذلك خفض قواتنا النووية القصيرة المدى من جانب واحد بينما نتحدى السوفيات ان يخفضوا الى مستوياتنا، فاننا لم نصل الى نتيجة. كان الوضع منذراً بالتطور الى أزمة كبرى في الحلف. جورج بوش اتصل بي كول هاتفياً مرة أخرى في 5 أيار مايو لبحث الموقف. قلت له انني منزعج من أن خلافاتنا الخاصة أخذت تصبح علنية - وانني أحاول العمل معه من أجل قمة منسجمة. وعد بأن يبذل قصارى جهده لتحقيق حل وسط في حلول موعد القمة، وقال انه يشعر بأن الفرص طيبة. لم أكن متأكداً. فبرغم انه قال قبل يومين في روما انه لا يرى مشكلة في ربط المحادثات بخصوص الصواريخ بمحادثات الأسلحة التقليدية، الا أنني لم أكن قد سمعت بعد أي شيء عن رؤية تخفيضات ملموسة في القوات التقليدية أولاً. كنا ندور وندور ولم أر تقدماً. ومع ذلك فقد كنت آمل بأن يوجد النقاش المباشر الصريح بين هيلموت وبيني نافذة للتفاهم على الجوهر وتجنب كارثة في القمة. استغل السوفيات الخلاف ضمن "ناتو" استغلالاً تاماً. وفي موسكو، في 11 أيار مايو، وجد بيكر نفسه محروماً عمداً من أضواء المسرح عندما أعلن غورباتشوف، فيما كان بيكر واقفاً بجانبه، أنه يعتزم سحب 500 من الرؤوس النووية القصيرة المدى من أوروبا الشرقية مما كان سيترك للسوفيات مع ذلك أكثر بكثير مما كان لدينا. رحب كول وغينتشر بالخطوة السوفياتية، ولاحظ غينتشر انها تقوي التزام بون بالسعي الى مفاوضات مبكرة بخصوص القوات النووية القصيرة المدى. وزعم رسميون المان غربيون ومسؤولون أوروبيون آخرون في صورة غير رسمية للصحافة ان واشنطن قد سمحت مرة أخرى لموسكو بأن تسيطر على الأحداث