حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    الشيباني يحذر إيران من بث الفوضى في سورية    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    تعزيز التعاون الأمني السعودي - القطري    المطيري رئيساً للاتحاد السعودي للتايكوندو    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    جدّة الظاهري    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    الأزهار القابلة للأكل ضمن توجهات الطهو الحديثة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    التشويش وطائر المشتبهان في تحطم طائرة أذربيجانية    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة العشرون . بوش : لم نرد تشجيع عنف في أوروبا الشرقية وترك الناس معزولين عند المتاريس . سكوكروفت : أدى انهماك السوفيات بمشاغلهم الداخلية الى إرخاء قبضتهم على اوروبا الشرقية
نشر في الحياة يوم 17 - 10 - 1998

} في هذا الفصل من كتاب "عالم تحوّل"، وعنوانه "من النظرية الى الممارسة"، يصف المؤلفان جورج بوش ومستشاره لشؤون الأمن القومي برنت سكوكروفت كيف عملا على بلورة طرق عمل واجراءات داخلية لضمان اكبر قدر ممكن من الكفاءة في أداء المهمات والانسجام بين اعضاء الفريق الاساسي في الادارة الجديدة. ويبيّن الفصل الثاني هذا كيف سعت ادارة بوش الى تطوير استراتيجيات وخطط جديدة، خصوصاً للتعامل مع الاتحاد السوفياتي وبلدان اوروبا الشرقية.
جورج بوش
… في الايام التالية للتنصيب، بدأنا على الفور في ترسيخ طرق عمل واجراءات. كان من بين الامور الثابتة المقررة اجتماع الساعة 8.00 لمجلس الامن القومي في المكتب البيضاوي، الذي اطلعتني فيه ال "CIA" على احدث التطورات في انحاء العالم. وكان ذلك من جزئين. القسم الاول كان الإيجاز الاستخباراتي، الذي ينضم فيه اليّ برنت، وبوب غيتس، وعادة جون سنونو، ومرّة او مرّتين في الاسبوع بيل ويبستر. وكان ضابط من ال "CIA" يجلب إيجاز الرئيس اليومي وهو مجمل مكتوب لتقارير الاستخبارات وتحليلاتها المهمة مجمّع بعضه مع بعض خلال الليل وساعات الصباح الباكرة. وقررت منذ اليوم الاول ان اقرأ ايجاز الرئيس اليومي في حضور ضابط ايجاز من ال "CIA" وإما برنت او نائبه. وبهذه الطريقة كان بوسعي ان أطلب من مقدّمي الإيجاز ان يجلبوا مزيداً من المعلومات عن مسألة معيّنة او، عندما كانت القراءة تذكّرني بمسائل متعلقة بالسياسة، ان اطلب من برنت ان يتابع موضوعاً ذا اهمية. وكان ضباط ال"CIA" يكتبون اسئلتي وكنت احصل، في غضون يوم او اثنين، على جواب او توسيع للتفاصيل ….
برنت سكوكروفت
بعد ايجاز ال "CIA" كان الجزء الثاني من اجتماع مجلس الامن القومي يبدأ. وكان نائب الرئيس، الذي تمّ اطلاعه على حدة من قبل فريق مختلف من ال "CIA"، يصل وكنت اعرض أحداث اليوم ذات العلاقة، ومواضيع كنا نحتاج الى ارشادات الرئيس فيها، وأي شيء آخر يتطلّب المناقشة. وكان الرئيس، الذي تصفّح عادة في حلول ذلك الوقت على الاقل سبع جرائد وموجز انباء البيت الابيض، كثيراً ما يطرح اسئلة او يدلي بتعليقات مستنداً الى قراءته، ويثير قضايا ذات اهتمام حالي او يتابع مواضيع اخرى قد تكون في باله ….
كان هناك مجال أردت ان أُحْدِثَ فيه تغييراً كبيراً في طريقة عملي - هو العلاقات مع الكونغرس. وبالنظر الى ان مستشار الامن القومي لا يدلي بشهادة امام الكونغرس، فان العلاقة غير رسمية. وقد ملت خلال عهد ادارة فورد الى عدم اعطاء تلك العلاقة اولوية عليا. وقررت لاحقاً ان ذلك كان خطأ. إذ ان الكونغرس حاسم الاهمية من نواح كثيرة بالنسبة الى نجاح السياسة الخارجية. ومن ناحية اخرى، فإن النفوذ الذي يمكن ان يُكتسب عن طريق شخص مثل مستشار الامن القومي يعمل عن كثب مع الرئيس، يجب ألا يُضيّع. وهكذا، بينما قمت بتعيين موظفي مجلس الامن القومي، كان من أولى خطواتي ان أطلب من فيرجينيا لامبلي ان تضطلع بمسؤوليات التنسيق مع الكونغرس. وهي عرفت دائماً في صورة غريزية متى ومع من يجب ان أتصل وأبقت الكونغرس دائماً في مقدم أفكاري، مع تقديم مشورة مستمرة لتفصيل ما كنا نفعله على نحوٍ يعزز استجابة الكونغرس ….
جورج بوش
مثل أي ادارة جديدة، بحثنا في قضية حرية الوصول الى الرئيس. كان من الصعب جداً إيجاد التوازن الصحيح بين ما أردت معرفته وما احتجت الى معرفته او يجب ان أعرفه، وكان وضع الاجراءات مؤلماً. اذ عندما كنت نائباً للرئيس أحببت كون الاتصال مباشراً وشخصيّاً، لكن سنونو الآن أراد، على نحو يمكن فهمه، حمايتي من ان اكون غارقاً او مشغولاً اكثر من اللازم بأمور غير ضرورية او تحت طغيان التفاصيل. وافتقدت الى قراءة كل المواد التي كانت تمرّ على مكتبي عندما كنت مديراً لل "CIA" او حتى عندما كنت نائباً للرئيس. وقد حسدت الرؤساء السابقين في عهود أبطأ الذين كان لديهم متسع من الوقت للقراءة والكتابة. ولم أشأ ان أقوّض نظام سنونو الجيد السبك: كان لا بد من وجود بعض الضوابط. واعتمدت الى حدّ كبير على برنت لينظّم دفق اوراق الامن القومي وَمَنْ يجب ان يرى ماذا.
برنت سكوكروفت
كان من بين المسائل التنظيمية تقرير من يحضر الاجتماعات الرسمية لمجلس الامن القومي. كان الرئيس ريغان قد أشار بانضمام عدد من الافراد والمستشارين الاضافيين، من خارج نطاق العضوية الإلزامية في المجلس، الى المناقشات. ولكن بالنظر الى ان هذا كان امتيازاً يسعى الافراد اليه، فإن أي استثناءات كانت تميل الى فتح الابواب على مصراعيها امام طلبات اضافية. أراد الرئيس وأنا كلانا ان نُبقي الاعداد ضمن الحدّ الأدنى الضروري كي نسيّر العمل المعيّن الذي هو قيد البحث لنسهّل الحوار الصريح المفتوح ونقلّص احتمال حدوث تسريبات….
وجّه الرئيس بأنه، على الأقل، عندما تُبحث قضايا ذات صلة بمدير دائرة او وكالة معيّنة، فإنه يريد ذلك الفرد ان يكون حاضراً. وعبّر ايضاً عن اعتقاده بأن مارلين فيتزووتر، سكرتيره الصحافي، الذي كان يثق به ثقة عظيمة، يجب ان يكون هناك اعتيادياً. وكان ذلك اكثر تعقيداً. اذ كان من المهم ان يكون فيتزووتر واعياً بما يحدث ولكن ألا يكون في الوقت نفسه مُحرجاً باضطراره الى ألا يبحث مع الصحافة في قضايا يعرفها لكنها حساسة جداً ولا يمكن إفشاؤها. قال مارلين ان بوسعه ان يعالج أي مشكلة من هذا النوع، وقد استطاع ذلك فعلاً - بمهارة عظيمة. وكان لا بد ان يعلم جون سنونو ايضاً ما يجري وكان بالتالي متوافراً. وبينما كانت هناك شكاوى من حين لآخر، فقد استطعنا إبقاء الوضع مستمراً بصورة يسيرة.
جورج بوش
لم يكن كل شخص قادراً على الاستمرار حتى نهاية اجتماعات مجلس الامن القومي ومجلس الوزراء التي حضروها. اذ كثيراً ما كان الاعضاء يعانون من تعب الطيران او كانوا قد سهروا نصف الليل وهم يصارعون أزمة. وبالرغم من جهودٍ باسلة للبقاء مستيقظين فقد كانوا يفشلون احياناً. لقد اشتغل برنت أطول الساعات مقارنة بأي شخص في البيت الابيض. كان يكدّ عبر الليل ثم يذهب الى البيت ليجري ويأكل عشاء خفيفاً وينام لبضع ساعات. ونتيجة لذلك، كان برنت من حين الى آخر - بل في احيان كثيرة - ينام في الاجتماعات وربما كان الوصف الافضل هو انه كان يغطّ في نوم عميق وقد طوّر ذلك الى فن من حيث الاسلوب والشكل . كان ينام نوماً تاماً لبضع ثوان، ثم يستيقظ وكأن أي جزء من الحديث لم يفته. وعجبنا من قدرته على النوم السريع وما صار يُعرف ب "عنصر التعافي". وقد يتألف هذا من الاستيقاظ وكتابة شيء ما على الفور، اي شيء، على دفتر، او من طأطأة نشيطة بالرأس كعلامة موافقة بينما كان المتكلم يقول ما قد يكون نقطة مهمة، برغم ان برنت لم يسمع كلمة مما قيل.
كان أداء برنت في النوم والاستيقاظ مميزاً الى درجة أنني في السنة الاولى من عهد الادارة سمّيتُ جائزة على شرفه. وقُدِّمت جائزة سكوكروفت لبراعة النوم في مأدبة احتفال سنوية لمجلس الوزراء ….
بمجرد ان صار نظام مجلس الامن القومي منتظماً ومستيقظاً وشغّالاً، عمل برنت بالنسبة اليّ كمدير للأمن القومي والسياسة الخارجية. كنت الى حدّ كبير مؤمناً انه اذا كانت لديك ثقة بالاشخاص المحيطين بك، واذا التقوا واتفقوا، فإن حلّهم المشترك يحتمل ان يسود ويكون الأنجح. حاول برنت اختزال القضايا الى الدرجة التي كنا، هو وأنا، وربما جيم بيكر او ديك تشيني، نستطيع معالجة أي مشاكل متبقية. وفي بعض الاحيان كانت خلافات عميقة في الرأي ربما لا تزال مستمرة بين اعضاء مجلس الوزراء او كانت وزارات متنافسة تعرب عن شعور قوي تجاه قضية ما. وكان برنت يتأكد دائماً من ان وجهات نظر كل "لاعب" مفهومة لديه ولديّ. واذا لم يستطع حلّ الاستعصاء على حدةٍ، كان المعنيون الرئيسيون يحلّونها معاً. وحتى عندئذٍ كان برنت يضطر الى ممارسة ضغوط قبل ان يسمح لهم بدخول باب مكتبي. وقد صدّ قدراً كبيراً من الضغط عني باتباعه دائماً مقاربة مفتوحة صادقة تجاه عمل مجلس الامن القومي. وكان هو أحد الأسباب التي جعلت لدينا عملية صوغ سياسات متماسكة وسليمة: اذ كانت القرارات الرئيسية تُدقّق قبل أوانها. وكان النظام غير خالٍ من العيوب احياناً لكنه نجح.
من اجل صون دور الوساطة الذي اضطلع به برنت كنتُ حريصاً على ان يُبلّغ بالأمور وعلى ألا يُفاجأ، خصوصاً في ما يتعلق بالقرارات الجوهرية المهمة. وكان برنت عموماً في الغرفة اذا ما تحدثت ابداً الى جيم او ديك في مسألة ذات اهمية. ربما كانت هناك مناسبات، خصوصاً خلال شهورنا الأكثر انشغالاً خلال تعاملنا مع اعادة توحيد ألمانيا او عاصفة الصحراء، عندما كان جيم يقدّم لي ايجازاً وحدي، او عبر الهاتف او ببرقية وكنت اعطيه الموافقة، ولكني لم أخفق ابداً في ابلاغ برنت او مشاطرته اي مادة. وفي العادة كان اي طلب للتحدث اليّ هاتفياً بشأن السياسة الامنية او الخارجية يأتي عبر برنت على اي حال ….
برنت سكوكروفت
في تلك الايام أواخر كانون الثاني/ يناير أطلقنا مراجعاتنا الاستراتيجية لاعادة فحص السياسة القائمة والأهداف حسب المناطق، مع مراجعات للحدّ من الاسلحة ايضاً، لأن إكمالها سيستغرق وقتاً ولكن ايضاً لأننا أردنا ان نترك بصماتنا على السياسة. كانت هذه ادارة جديدة مختلفة …. وكان التعامل مع موسكو والتغييرات في الاتحاد السوفياتي اولويتنا في صورة واضحة ومعه استباق الاهتياج في اوروبا الشرقية.
شكّلت التطورات والفرص داخل حلف وارسو خلفية تفكيرنا الاولى بشأن الاتحاد السوفياتي. وكانت القلاقل آخذةً في الازدياد في اوروبا الشرقية بنوع من خطوتين الى الامام وواحدة الى الخلف او بالعكس احياناً. وعلى مرّ السنين برز نمط في المنطقة: قمع، وتعاظم تدريجي للامتعاض، ثم انفجار متبوع بجولة اخرى من القمع. أما الآن فقد كانت هنالك تحولات جديدة. لقد اعطى غورباتشوف الاصلاحيين هناك أملاً جديداً. وأدى إنهماك السوفيات في مشاغلهم الى نوع من الاهمال الحميد للدول الاوروبية الدائرة في فلكهم وكانت بيريسترويكا إعادة البناء وتخفيف موسكو سيطرتها يسمحان لأهالي وسط اوروبا وشرقها بتوكيد مزيد من السيطرة على شؤونهم الخاصة والتحرّك بعيداً عن الأنظمة السياسية السلطوية واقتصادات الماضي المركزية. وكانت النتيجة ظهور تحديات سياسية عامة، وإن لم تكن متسقة، لأنظمة الحكم الحالية.
اعتقدت ان بولندا هي المرجحة اكثر من غيرها لتكون في طليعة الاتجاه نحو الليبرالية. ذلك ان الوضع هناك لم يستقر في الواقع ابداً بعد ازمة 1981 واعلان الأحكام العرفية الذي أعقبها…". ثم يقول سكوكروفت: "وكانت منظمة التضامن، نقابة العمال المنشقة غير المرخّص لها، في مواجهة مستمرة تقريباً مع الحكومة. غير انه في حلول 1989 كانت هناك علائم ايجابية على تغيير جوهري. اذ صادقت وارسو على قوانين تشجّع مشاريع العمل الخاصة وعمليات مصالح الاعمال الاجنبية. وفي تحول غير عادي في الامور هدّد الجنرال فواديك ياروزيلسكي، الذي كان رمزاً للقمع العسكري في أوائل الثمانينات، والزعماء الآخرون بالاستقالة لفرض تبني قرار من شأنه ان يفتح السبيل أمام إعطاء التضامن صفة قانونية".
… رأيت ايضاً وعداً في هنغاريا. وكانت الحكومة قد اعلنت في تشرين الثاني نوفمبر 1988، خطة لاعطاء صفة قانونية للاحزاب السياسية غير الشيوعية وكشفت عن برنامج اصلاح واسع النطاق، بما في ذلك دستور جديد للعام 1990. عيُن الاصلاحي ميكلوس نيميث رئيساً للوزراء وتم، في اوائل كانون الثاني يناير تبنّي تشريع يضمن حرية التجمع. ثم كانت هناك تشيكوسلوفاكيا. وكان التشيكيون، وهم حذرون بطبيعتهم، هابطي المعنويات الى حدّ ما نتيجة الحوادث القاسية في العام 1968 وغزو قوات حلف وارسو. كانت الشرطة تقمع التظاهرات غير المأذون بها وتداهم بيوت زعماء المعارضة، واعتقلت في كانون الثاني يناير الزعيم المنشق فاكلاف هافل. ومن جهة اخرى سمحت الحكومة، للمرة الاولى، للتنظيمات المستقلة بالقيام بتظاهرات كبيرة في الذكرى الاربعين للاعلان العالمي لحقوق الانسان. وقد تخلّفت كثيراً وراء هذه الدول الثلاث المانيا الشرقية، ورومانيا وبلغاريا.
اعتقدت ان هذا الجو المتغيّر يستحق تغييراً في أولويات اهتمام الولايات المتحدة بعيداً عن علاقاتنا مع الاتحاد السوفياتي، التي كانت مركّزة بأكملها تقريباً على الحدّ من الاسلحة، الى اوروبا الشرقية …. وكان لخط تفكيري عنصران رئيسيان. الاول سيكون محاولة من خلال اتفاقات على تخفيضات القوات التقليدية لإخرج الجيش السوفياتي، او على الاقل خفض وجوده الخانق خفضاً عميقاً. ومن شأن ذلك ان يوجد بيئة افضل للتطور السياسي هناك. وكان الثاني مراجعة استراتيجيتنا للتعامل مع دول اوروبا الشرقية كل على حدة. لسنوات أعطت الولايات المتحدة معاملة أفضلية لتلك الدول الدائرة في فلك الاتحاد السوفياتي التي تُظهر اكبر قدر من الاستقلال عن الاتجاه السياسي السوفياتي او السيطرة السوفياتية على سياساتها الخارجية وكان هذا التشديد فعّالاً في خلق تعقيدات للاتحاد السوفياتي الذي كان ما يزال يقف موقف خصومة….
جورج بوش
اتفقت مع برنت على ان تشديد غورباتشوف الجديد على الإصلاح قد يسمح لنا بالتأثير في الوضع في اوروبا الشرقية، لكنني أردت ان أكون حريصاً. ذلك ان الانتفاضات الجارحة في المانيا الشرقية في 1953، وهنغاريا في 1956، وتشيكوسلوفاكيا في 1968 كانت باستمرار في ذهني طوال تلك الأشهر الحافلة. لم أُرد تشجيع مجرى أحداث قد ينحو منحى العنف ويخرج عن نطاق السيطرة ولا نستطيع عندئذ - أو لا نريد دعمه، تاركين الناس معزولين عند المتاريس. كنت آمل بتشجيع التحرر بأسرع ما يمكن من دون إثارة قمع داخلي - كما حدث في بولندا في 1981 - او ردّ فعل سوفياتي. وكانت المشكلة معرفة أين يقع ذلك الخط بالضبط وما هو الأمر المرجح ان يعتبره السوفيات استفزازياً.
برنت سكوكروفت
كان من عناصر التعقيد في تقرير ما يمكن ان يشكّل معدل تغيير قابل للاستمرار، استراتيجية غورباتشوف الظاهرية في اوروبا الشرقية. كان يشجّع الاصلاح هناك ويمكن، من بعض النواحي، اعتباره حليفاً بحكم الامر الواقع. بدا ان ما يحركه هو اهتمام بأن يستطيع الإشارة الى تقدم هناك كحثّ للمشاكسين داخل الاتحاد السوفياتي الذين كانوا يقفون في طريق إصلاحاته. ورأيت ان غورباتشوف لم يفهم الطبيعة الحقيقية للوضع في اوروبا الشرقية. اذ بدا انه يحاول تنشئة عدد من ال "غورباتشوفات الصغار" الذين سيحظون بدعم شعبي ويمثلون بذلك تحسناً ايجابياً ودائماً في المنطقة. والأمر الذي أخفق في إدراكه في ما يبدو هو ان أنظمة الحكم الشيوعية، مهما تكن صبغتها، كانت مفروضة من الخارج وسيُطاح بها بمجرد ان تتاح الفرصة.
كان لا بد ايضاً من أخذ سياسة غورباتشوف الداخلية في الاعتبار. ما هو الوضع الداخلي في الاتحاد السوفياتي؟ ما هي طبيعة علاقاته مع المحافظين، وما هي قوة استمراره؟ هذه المسائل زادت من تعقيد حسابات معقّدة أصلاً، مضيفة الى صعوبة تقويم وتيرة اصلاح يمكن قبولها، وبقيت في طليعة كل قرار سياسي متصل بأوروبا الشرقية".
ينتقل برنت سكوكروفت بعدئذ الى مسألة بلورة استراتيجيات إدارة بوش ويقول: "كان التقرير الرسمي من المراجعة الاستراتيجية في شأن الاتحاد السوفياتي NSR-3 على مكتب الرئيس في 14 آذار مارس. جاء مخيّباً للآمال - إذ كان في صورة رئيسية وثيقةَ "صورة كبرى"، ومقلاً في التفاصيل والجوهر، خالياً من نوع المبادرات المحددة والمبتكرة اللازمة لوضع العلاقات الاميركية - السوفياتية على مسارٍ مثمر. وبسبب نواقصه، فقد عملنا بدلاً من ذلك على أساس "قطعة تحليلية" عن سياسات غورباتشوف ونيّاته، صاغها فريق من مجلس الامن القومي برئاسة كوندوليزا رايس.
بيّنت مذكرة كوندي المنطلقات التي اعتقدت انها يجب ان توجّه تطوير استراتيجية عامة للعلاقات الاميركية - السوفياتية، وتطورت هذه الى مقاربة من أربعة أجزاء للتعامل مع غورباتشوف. اولاً، يجب ان نعمل على الجانب الداخلي لتقوية صورة سياسة اميركا الخارجية على أساس ان أهدافاً واضحة تحرّكها…. ثانياً، كنا بحاجة الى إرسال إشارات واضحة بأن علاقاتنا مع حلفائنا هي أولويتنا الاولى. وسيكون من المهم التشديد على صدقية الرادع النووي لحلف شمال الاطلسي من خلال التحديث. وبالاضافة الى ذلك، فإن الحلف سيحتاج عما قريب الى استراتيجية سياسية للمحادثات التي ستُعقد قريباً في شأن خفض الاسلحة غير التقليدية والى أين نريدها ان تؤدي….
ثالثاً، بعد مراجعتنا للسياسة، قد نضطلع بمبادرات مع اوروبا الشرقية. وبما ان الاوروبيين الشرقيين كانوا يستغلون دعوة غورباتشوف الى ممارسة سيطرة اكبر على شؤونهم الخاصة، فقد اصبحت المنطقة مرشحة لأن تكون حلقة ضعيفة في تضامن الكتلة السوفياتية. وستكون أفضل أداة لنا هي الوعد بالمساعدة الاقتصادية. رابعاً، وأخيراً، كان هناك الاستقرار الاقليمي. إذ أثارت التطورات الأخيرة في افغانستان والجزء الجنوبي من افريقيا آمالاً بأن التعاون الاميركي - السوفياتي سيكون حافزاً على التوصل الى اتفاقات في أنحاء اخرى من العالم….
ركّزت المذكرة على احتمال مثير للإهتمام كان ماتلوك، بين آخرين، قد بدأ يقترحه: انه قد يكون لنا قوة تأثير على موسكو بسبب حاجتها للموارد الاقتصادية والخبرات الغربية. وذكرّتنا كوندي، في مذكرة داعمة في ذلك الحين، بأن الاتحاد السوفياتي كان في خضم جيشان داخلي ويتطلع الى العالم الخارجي بحثاً عن أفكار وموارد لإعادة بناء نظامه المتداعي. وبدا اننا قد نتمكن من استغلال ذلك الوضع لتحقيق تقدم دراماتيكي على نطاق الأجندة الاميركية - السوفياتية بأكملها.
وكان هذا، كما اشارت، حجة لأن نسعى حرفياً الى تحويل سلوك الاتحاد السوفياتي في الداخل والخارج. كان هدفاً طموحاً ومميزاً في آن معاً وانحرافاً إيجابياً بالنسبة الى سياسة الولايات المتحدة. وصارت تلك الاستراتيجية ذات الاجزاء الاربعة خطتنا لتشكيل السياسة نحو الاتحاد السوفياتي في الايام الباكرة من عهد الادارة…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة