سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة السابعة عشرة . كان احتلال الاميركيين العراق سيكبدهم تكاليف انسانية لا يمكن حسابها ... ناقشوا فكرة إرغام صدام شخصياً على قبول شروط الهزيمة في صفوان ... وعدلوا عنها
انتهت حرب "عاصفة الصحراء" في 21 شباط فبراير 1991. وقد وصف بوش وسكوكروفت مقدماتها وجانب الحملة الجوية منها ثم الحرب البرية. وفي هذا الفصل المُعَنْوَن "بعد العاصفة" المكتوب ب "الصوت الثالث" - الذي يفترض انه ينطق باسم ادارة بوش - يلقي كتاب "عالم تحوّل" الاضواء على مواقف الادارة من مسائل مهمة مثل اكتشاف بقاء عدد من فرق الحرس الجمهوري العراقي بعد الحرب أكبر مما كان الاميركيون يعتقدون، والشعور بخيبة الأمل لعدم كسر "الهزيمة" قبضة الرئيس صدام حسين على السلطة، ونظرة الادارة الى التمردين الشيعي في جنوبالعراق والكردي في شماله، وسعي الاميركيين الى تجنب "احتلال العراق"، ومناقشة أركان الادارة مسألة إن كان صدام شخصياً يجب ان يوقّع وثيقة الاستسلام، وكيف حدث ان سُمح للعراق باستخدام ما لديه من طائرات هليكوبتر بعد الحرب. بعد العاصفة جاءت نهاية المقاومة العراقية الفعّالة بسرعة فاجأتنا جميعاً، وكنا ربما غير مهيأين نفسياً للانتقال المفاجئ من القتال الى صنع السلام. وطبقاً للإرشادات التي كنا قد حددناها، لاتباعها عندما نكون قد حققنا أهدافنا الاستراتيجية اخراج القوات العراقية من الكويت وإضعاف تهديد صدام للمنطقة أوقفنا القتال. لكن القيود الضرورية التي فُرِضت على أهدافنا، وضباب الحرب، وعدم وجود استسلام مماثل لتوقيع اليابان الاستسلام على متن "السفينة الحربية ميسوري" تركت، لسوء الحظ، مشكلاتٍ غير محسومة، وبرزت مشكلات جديدة. سرعان ما اكتشفنا انه بقي بعد الحرب من الحرس الجمهوري اكثر مما اعتقدنا. وبسبب السرعة غير المتوقعة لاندفاع المارينز الى داخل الكويت، فإن احتياطات الحرس لم تستدرج جنوباً الى المعركة - والى المصيدة التي أوجدها الاندفاع الغربي حول الكويت ووراءها حسب ما خططنا. ومع اننا كنا نفضّل ان نقلّص الى حد اكبر الخطر الذي شكّله صدام على المنطقة - ونساعد في تقويض سيطرته على السلطة - بتدمير فرق اضافية من الحرس الجمهوري، فإن الحقيقة هي انه لم يكن في حاجة الى تلك القوات التي نجت من التدمير لكي يحافظ على السيطرة الداخلية. كان لديه اكثر من 20 فرقة لم تُمس في انحاء اخرى من العراق. ولم يكن يوم اضافي آخر ليغيّر الوضع الاستراتيجي، لكنه كان سيشكّل فارقاً كبيراً من الناحية الانسانية. اذ كنا سَنُنْتَقد بقسوة على ذبح جنودٍ فارين بعد ان أُكمِلت مهمتنا بنجاح. خاب ظننا لأن هزيمة صدام لم تكسر قبضته على السلطة، كما تنبأ كثير من حلفائنا العرب وكما صرنا نحن نتوقع. لم يمتد التمرد الفاشل للشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال الى السكان السنّة في وسط العراق، وبقيت المؤسسة العراقية موالية. يدّعي المنتقدون اننا شجعنا الانفصاليين الشيعة والأكراد على التمرد ثم نكثنا بوعدٍ لمساعدتهم اذا تمردوا. لقد أعلن الرئيس بوش مراراً وتكراراً ان مصير صدام حسين يتوقف على الشعب العراقي. وأوضح، بين الحين والآخر ان إزاحة صدام ستلقى ترحيباً، ولكن لأسباب عملية جداً لم يكن هناك ابداً وعدٌ بمساعدة تمرد. اذ بينما أملنا بأن تطيح صدام ثورةٌ شعبية او انقلاب، فإن أياً من الولاياتالمتحدة او بلدان المنطقة لم ترغب في رؤية تجزئة الدولة العراقية. كنا قلقين بشأن ميزان القوى على المدى الطويل في شمال الخليج. ومن شأن تجزئة الدولة العراقية ان تثير مشكلات عدم استقرار. ومع ان أوزال ركّز الأولوية على صدام وكانت نظرته الى الأكراد أكثر تسامحاً من الزعماء الاتراك الآخرين قبله او بعده، فقد اعترضت تركيا - وايران - على اقتراح دولة كردية مستقلة. ومهما استحق تقرير المصير للأكراد او الشيعة من إعجاب من حيث المبدأ، فإن الجوانب العملية لهذا الوضع بالذات أملت السياسة. لهذه الاسباب وحدها، فإن التّمرديْن كانا محنة بالنسبة الينا، لكنهما وفّرا فرصة لصدام كي يعيد ترسيخ نفسه ويستجمع قوى جيشه. وبدلاً من ان يطيحه الجيش باعتباره سبب هزيمته المذلة، فإن القوات العسكرية العراقية كُلِّفت قمع التّمرديْن. كانت تلك خيبةَ أملٍ جدية. ان محاولة التخلص من صدام، وتحويل الحرب البرية الى احتلال للعراق، كانا سينتهكان ارشاداتنا بشأن عدم تغيير الاهداف في منتصف الطريق، والانشغال ب "مهمة متغيرة"، وكنا سنتكبّد تكاليف انسانية وسياسية لا يمكن حسابها. ومن المحتمل ان توقيفه كان امراً مستحيلاً. اذ لم نستطع العثور على نورييغا في بنما التي كنا نعرفها معرفة دقيقة. وكنا سنُرغم على احتلال بغداد وعلى حُكم العراق عملياً. كان التحالف سينهار فوراً، بتخلي العرب عنه بغضب وبانسحاب حلفاء آخرين ايضاً. وفي ظل تلك الظروف، لم تكن هناك "استراتيجية خروج" قابلة للحياة نستطيع رؤيتها، مما كان سينتهك مبدأ آخر من مبادئنا. يضاف الى هذا، اننا كنا نحاول بوعي تحديد نمط للتعامل مع العدوان في عالم ما بعد الحرب الباردة. وكان الدخول واحتلال العراق، وتجاوز تفويض الاممالمتحدة بذلك من جانب واحد، سيدمر سابقة رد الفعل الدولي على العدوان التي أملنا بترسيخها. ولو اننا سرنا على درب الغزو، فإن من الممكن تصور الولاياتالمتحدة وهي ما تزال قوة احتلال في ارضٍ معادية بمرارة. وكانت النتيجة ستكون مختلفة بصورة دراماتيكية - وربما عقيمة. ناقشنا باستفاضة فكرة ارغام صدام شخصياً على قبول شروط الهزيمة العراقية في صفوان الى الشمال قليلاً من الحدود الكويتية - العراقية - وبالتالي المسؤولية والعواقب السياسية عن الإذلال الناتج من مثل هذه الهزيمة المدمرة. في النهاية سألنا انفسنا ماذا سنفعل اذا رفض. استنتجنا اننا سنجد انفسنا امام خيارين: مواصلة الصراع الى ان يتراجع، او التراجع عن مطالبنا. كان الخيار الاخير سيرسل اشارة كارثية. وكان الاول سيفصل زملاءنا العرب عن التحالف ويرغمنا، بحكم الامر الواقع، على تغيير اهدافنا. وبالنظر الى هذين الخيارين الكريهين، سمحنا لصدام بتجنب الاستسلام الشخصي وأذِنّا له بإرسال احد جنرالاته. ربما كنا نستطيع تصميم نظام معاقبة انتقائية، مثل غارات جوية على وحدات عسكرية مختلفة، مما كان سيشكل خياراً ثالثاً قابلاً للبقاء، لكننا كنا قد نفّذنا مهمتنا المحددة بوضوح" كانت صفوان تنتظر. كان جانب آخر لصفوان سبباً لإثارة النقاش: قرار السماح لصدام باستخدام ما لديه من طائرات هليكوبتر. إدعى العراقيون انهم يحتاجون اليها بصفتها وسيلة الاتصال الوحيدة مع الاجزاء المختلفة للبلاد المدمرة بالحرب. كان شوارتزكوف من دون تعليمات بشأن المسألة، ووافق على الطلب. وبدأ صدام على الفور تقريباً استخدام طائرات الهليكوبتر كطوافات مسلحة لقمع التّمرديْن. ناقش سكوكروفت القضية مع تشيني، مقترحاً إلغاء الإذن باستخدام طائرات الهليكوبتر. شعر تشيني وباول بأن هذا سيبدو بمثابة انتقاص من سلطة شوارتزكوف، ولم تسمح طائرات الهليكوبتر له صدام بعمل شيء اكثر مما كان يمكنه عمله - ولو بجهد اكبر - باستخدام المدفعية. لم يتابع سكوكروفت القضية ولم تؤخَذ الى الرئيس. وباستعادة الماضي، فإنه بالنظر الى ان طائرات الهليكوبتر كانت تُستخدَم هجومياً، وليس للاتصالات، فإن شوارتزكوف لم يكن ليتعرّض لانتقاص من سلطته وربما كان مفيداً، من الناحية السيكولوجية، ان نعاقب العراقيين بعد تجاوزهم الاول. مع انتهاء الصراع، شعرنا بإحساس بالاستعجال لدى العرب في التحالف لإنهاء الصراع والعودة الى الاحوال العادية. وعنى ذلك سحب القوات الاميركية بسرعة وترك أدنى حدٍ ممكن منها. وكان هناك قبل ذلك بعض القلق في صفوف العرب من انهم بمجرد ان يسمحوا بدخول القوات الاميركية الى الشرق الاوسط، فسنكون هناك لنبقى. وقد أذكت آلة صدام الدعائية دواعي القلق هذه وساعد انسحابنا السريع في تعزيز مركزنا لدى حلفائنا العرب، الذين صاروا يثقون بنا الآن اكثر بكثير من اي وقت سابق. لقد جئنا لمساعدتهم في وقت حاجتهم ولم نطلب شيئاً لأنفسنا، وغادرنا مرة اخرى عندما أُنْجِزَ العمل. وعلى رغم بعض الانتقاد لطريقة تسييرنا للحرب فان ثقة الاسرائيليين بنا تعزّزت ايضاً. اذ أظهرنا قدرتنا - واستعدادنا - للتدخل في الشرق الاوسط بطريقة حاسمة عندما يجري تحدّي مصالحنا. وشللنا ايضاً القدرة العسكرية لأحد ألدّ اعدائهم في المنطقة. وكان لصدقيتنا الجديدة مقترنة بحاجة ياسر عرفات الى انقاذ سمعته بعد ان دعم الجانب الخطأ في الحرب ثمرة سريعة وكبيرة في شكل مؤتمر السلام الخاص بالشرق الاوسط في السنة التالية في مدريد. كان لحرب الخليج اهمية بالنسبة الى عالم ما بعد الحرب الباردة الجديد اكبر بكثير من مجرد دحر العدوان العراقي واستعادة الكويت. اذ ان نطاقها واهميتها دفعانا منذ البداية الى مدّ رؤيتنا الاستراتيجية الى ما وراء الازمة ونحو نوع السابقة التي يجب ان نُرسيها للمستقبل. ومن منظور صنع السياسة الخارجية الاميركية، سعينا الى الردّ بطريقةٍ تُكسِبنا دعماً داخلياً عريضاً ويمكن تطبيقها عالمياً، قدر ما يمكن، على ازمات اخرى. اولاً وقبل كل شيء كان هناك مبدأ ان العدوان لا يمكن ان يفيد. وفي هذا الخصوص، فإن اهدافنا القصيرة والطويلة المدى كان يمكن التمييز بينها. فإذا تعاملنا على نحو سليم مع العراق، فإن هذا في حدّ ذاته سيقطع شوطاً طويلاً نحو ثني معتدين مُحتملين في المستقبل عن عدوانهم. واعتقدنا ايضاً بان الولاياتالمتحدة يجب ألا تقوم بذلك وحدها، اذ ان المقاربة المتعددة الاطراف كانت افضل. وكان هذا، من احد النواحي، مسألة عملية. ذلك ان القيام بهجوم عسكري مضاد للغزو العراقي تطلّبَ دعم وقواعدَ المملكة العربية السعودية ودولٍ عربية اخرى. لقد قادنا بناءُ ردّ فعل دولي على الفور الى الاممالمتحدة، التي يمكن ان توفّر رداءَ مقبولية لجهودنا وتحشد الرأي العالمي وراء المبادئ التي أردنا ابرازها. وفّر لنا الدعم السوفياتي ضد العراق الفرصة لتنشيط سلطات مجلس الامن واختبار مدى مساهمته. غير اننا كنا غير متأكدين من فائدة المجلس في دورٍ جديدٍ لمقاومة العدوان بنشاط، وعارضنا السماح للامم المتحدة بتنظيم وتسيير حرب. كان من المهم اللجوء الى بقية العالم، ولكن من المهم اكثر ابقاء خيوط السيطرة في أيدينا بإحكام. في عملياتنا خلال الحرب نفسها، كنا نحاول ايضاً اقامة نمط وسابقة للمستقبل. لقد سعينا الى، ونجحنا في، الحصول على التفويض من المجتمع الدولي لتحرير الكويت. ولو اننا ذهبنا من جانب واحد الى ما وراء التفويض بمسافة كبيرة، فإن من المحتمل اننا كنا سنقوض ثقة الاممالمتحدة لإعطاء مثل هذه السلطة القاتلة في المستقبل. صارت حرب الخليج، بطرق كثيرة، الجسر بين حقبتي الحرب الباردة وما بعد الحرب الباردة. في البداية، كان مؤتمر بيكر - شيفاردنادزه الصحافي، عندما وقفت الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي معاً ضد العدوان العراقي، بداية عهد جديد. اذ شكَّل رمزاً للعلاقة الاميركية - السوفياتية المتغيرة. وفتح التعاونُ بين الدولتين العظميين آفاق عالم يمكن فيه، بعكس ما كانت عليه الحال في العقود الاربعة الماضية، للدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي ان تتحرك للتعامل مع العدوان بالطريقة التي قَصَدَها بُناة الاممالمتحدة. لكن تأثير الحرب على العلاقات الدولية تجاوز كسر الجمود الديبلوماسي في الاممالمتحدة. لقد اعترفت الولاياتالمتحدة بمسؤوليتها الخاصة عن تولي الزعامة في معالجة التحديات الدولية وتحملت تلك المسؤولية وحظيت بقبولٍ عريض لهذا الدور في انحاء الكرة الارضية. لقد ارتفعت صدقية اميركا ونفوذها الى عنان السماء. وقفنا وحدنا تقريباً على المسرح العالمي في ازمة الخليج، وكان السوفيات في افضل الأحوال في مركز دعمٍ متمنعٍ في بعض الاحيان. ونمت شهرتنا العسكرية ايضاً. لقد عملت القوات والمعدات العسكرية الاميركية بطريقة رائعة، بينما لم تعط الاسلحة السوفياتية التي كانت تشكّل تجهيزات العراقيين الى حد كبير، صورة حسنة عن صانعيها. وكانت النتيجة اننا خرجنا من صراع الخليج الى عالمٍ مختلفٍ جداً عن ذاك السابق للهجوم على الكويت